(إلى أم طارق)
كانت النساء اللواتي يبعن (ورد الجوري) أقل من عدد أصابع اليد وهن ّ في ملابسهن التقليدية (الشيلة والعباية ) في سوق الشيوخ القديمة،ويتقابلن مع بائعي البصل الثلاثة الذين كانوا جميعهم من (العميان )،بائعات الجوري وبائعو البصل كانوا في جوار متقابل،ومن يشتري بصل قد يشتري الجوري،ولكن من يتوجه الى شراء الجوري ليس في نيته شراء بصل.
*****
لاأذكر في يوما ً من الأيام إن والدي (وهو حي يرزق ) قد أهدى والدتي أم أبنائه الستة (وردة جوري )،وكان الورد الجوري هو النوع الوحيد المتوفر في مدينتنا البائسة وسعره لايستحق الذكر،ووالدي معلم ومتعلم وعلى ما أذكر (غربي) الطراز والهوى.
****
كل عمري الذي قضيته في العراق،لم أر باقة ورد في عيادة طبيب،ولم أر ورودا أمام مستشفى أو في ردهاته،أو في غرف المرضى الذين ينتظرون الموت،وكذلك طبعا ً لم أر ورودا على جنازة ميت من الذين أعرفهم أو الذين لا،وأيضا لم أشاهد وردة واحدة على قبر..!!،ولم أر ورد حقيقي يهدى لشخص سوى الذي يبثه التلفزيون أنذاك.
*****
ذهبت( أنعام الصفار ) وبيديها الزهور لوداع قريبتها التي تسافر الى بلد ليس العراق،بل بلد غربي أخر،فوجدت النساء وأطفالهن يتبارون بأسئلة تخص ظهور (المهدي المنتظر ) وهم في سيدني،وهي تجلس بينهن و ولا حول لها،سوىالنظر بعيون البنات والصبيان الصغار،حتى هربت من (حفلة الوداع ) وكأنها حفلة الوداع الأخير مع قريبتها ومع (الشيعة) الجدد،وأنعام الصفار هي شيعية أصيلة من النجف (الأشرف ).
*****
كنت فارا ً من الجيش،وحكم علي بالسجن، وهناك إلتقيت بـ(محيبس ) وهو شخص من الجنوب العراقي ويكبرني بخمسة عشر عاما ً، وقد أصبحنا قريبين في السجن،وفي نهاية إحدى الزيارات العائلية،جاء محيبس متجهم الوجه،ثم أخبرني بأن زوجته قد ولدتْ،فحاولت أن أعرف مدارك حزنه،وعرفت حزنه بعد حين،فقد جاءت له ببنت وليس صبيا،فقلت يامحيبس( الولد والبنت نفس الشيء وسوف أخبر أخي حيدر بإرسال الورد والجكليت الى أهلك في الزيارة القادمة )،إنتفض محيبس وفقد أعصابه قائلا ً (هم بنية وهم ورد وجكليت ) ثم بدأ بشتائم العراقيين المعروفة التي كنت أستسيغها منه.
*****
قلما تدخل بيت عراقي في الداخل (ليس الأن )،أوالخارج ( الأن) وتجد الزهور على مائدة، وقلما يذهب العراقي لزيارة صديق أو عائلة وبيده (الورد)، فالبقلاوة أكثر تعبيرا ً عن المحبة.
واصف شنون
التعليقات