رغم الجهود الجبارة التي تقوم بها السلطات الأمنية في المملكة العربية السعودية للقضاء على الإرهاب والإرهابيين إلا أن أيادي الإرهابيون تمكنت من حصد عدد جديد من أرواح ضحايا وأبرياء ومازالت تعبث بأعصاب المواطنين والمقيمين وتعبث بالقيم والأخلاق وإن دل هذا على شيء فإنما يدل على الجهل المطبق المسيطر على عقول من قام بهذا العمل وضعف الإيمان لديهم ولأسباب أخرى قد تكون نفسية أو إجتماعية أوغيرها، ولا نرى أي مبرر لمثل هذا العمل غير الحقد الأعمى الشوفيني وتنفيذ أجندات خارجية معادية.
وهنا نتساءل: ماذنب هؤلاء المسلمين المسالمين أن يقتلوا بأيدي المجرمين العابثين بالأمن؟ ومتى ينتهي هذا الإرهاب الذي يهدف الى زعزعة الأمن في المنطقة برمتها؟ لاشك أن للقتلة المجرمين نوايا خبيثة وعدوانية تجاه كل من يعيش على ثرى هذه الأرض المباركة أو يزورها من الحجاج والمعتمرين تلبية لدعوة أبو الأنبياء إبراهيم عليه السلام وتصديقاً لرسالة محمد بن عبدالله علية أفضل الصلاة وأتم التسليم.
إن هذا العمل الجبان في أرض السلام يهدف إلى زعزعة الأمن والإستقرار ويفتح باباً لأعداء الإسلام والسلام ليغذوا الفتنة ويزداد الحقد على الإسلام الذي نحن بأشد الحاجة الى التمسك به فهو العروة الوثقى التي لا إنفصام لها ونسأل الله أن يهدينا الى سواء السبيل، إن أصحاب هذا العمل الجبان بينوا للناس زيف الشعارات التي رفعوها ظلماً وعدواناً وصدّقهم بعض العامة من الناس ولكن أصحاب العقول المستنيرة بينت في حينها كذب إدعاءاتهم وشعاراتهم الباطلة.
صلى المسلمون في المسجد النبوي الشريف صلاة الميت على اثنين من ضحايا الاعتداء على العائلات الفرنسية وهما الشهيدان جون مارك بوتي وابنه مبارك وهذا دليل على أنهم مسلمين فكيف يعتدي المسلم على أخيه المسلم في العقيدة والدين حتى ولو كانوا غير مسلمين فهم مستأمنون بموجب تأشيرات دخولهم إلى المملكة ولهذا ندعوا الكتاب والمفكرين والصحفيين وعلماء الدين أن يوضحوا ذلك الأمر وعلى كل المستويات وفي كل المنابر الإعلامية وغير الإعلامية خدمة للدين وللدولة ولعموم المواطنين والمقيمين على هذه الأرض المباركة.
كما نهيب بالأجهزة الأمنية التي إستطاعت أن ترصد المركبة التي يشتبه بأنها تقل من ثلاثة إلى أربعة أشخاص نفذوا الجريمة التي شهدتها منطقة بواط الجبلية المناهزة لقرية المليليح في المدينة المنورة، وكان الجناة قد فاجأوا الأسر الفرنسية أثناء تنزهها في منطقة جبلية على بعد نحو 18 كيلومترا عن الطريق البري، وعزلوا النساء وعددهن ثلاث نسوة وطفلة (15 عاما) وطفل (11 عاما) عن الرجال، واقتادوهم إلى حيث رشقوهم بوابل من الأعيرة النارية فأردوا ثلاثة منهم على الفور فيما نازع الرابع حتى فارق الحياة.
وهنا لابد لنا من وقفة لنتخيل المشهد الدرامي الإجرامي الدامي لنستنبط منه بعض السلبيات تجاه الأجانب بشكل عام ومن بعض الفئات التي تحرض على الأجانب فهي بحاجة إلى حملة توعوية لنشر ثقافة إحترام الغير والتأكيد على أن الأجانب هم ضيوف على الشعب السعودي المضياف الى أن تنتهي فترة إقامتهم ونتمنى أن تتبنى بعض الجهات المسؤولة برامج عملية لتسهيل إندماج المقيمين في المجتمع حيث لاغنى لطرف عن الطرف الآخر إذا أردنا أن نكون موضوعيين ومنصفين ومبشرين بالدين الإسلامي وغير منفرين.
وينبغي على البعض أن يتخلى عن الشوفينية الزائدة أو القاتلة في بعض الأحيان وهي المغالاة في التعصب القومي وحب الوطن إذ يعتبر الشوفيني وطنه أفضل الأوطان وأمته فوق كل الأمم وخصوصاً عندما تكون هذه المغالاة مصحوبة بكره الأمم أخرى، ونتمنى على وسائل الإعلام أن تتنبه لهذا الأمر وتتعاون مع الجهات ذات العلاقة لتبني إستراتيجية شاملة موحدة من شأنها أن تحاسب كل من يقوم بالتحريض ضد الأجانب لأن جميع الشعوب في غير بلدانها تعتبر أجانب ولهذا لابد أن يدرك الجميع مبدأ عامل الناس كما تحب أن يعاملوك حتى لاتتسرب الى النفوس ثقافة الثأر والإنتقام والعنف والعنف المضاد.
ولهذا بادر خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز عندما أجرى إتصالاً هاتفياً بالرئيس الفرنسي جاك شيراك، أعرب فيه عن تعازيه ومواساته وشعب السعودية للرئيس شيراك، وللشعب الفرنسي الصديق ولأسر ضحايا الحادث الإجرامي الذي تعرضت له مجموعة من المقيمين فرنسيي الجنسية وتأكيده يحفظه الله على أن من قام بهذا العمل الإرهابي ضد الأبرياء لا يمثل إلاّ نفسه ولن يفلت من يد العدالة وسيمكن الله منه وستبقى المملكة بعون الله واحة أمن وإطمئنان، سائلاً الله سبحانه وتعالى للمتوفين الرحمة والمغفرة ولذويهم الصبر والسلوان.
وطبيعي أن تهتم الصحف الفرنسية بتغطية حادث إطلاق النار على مواطنين فرنسيين، ونشرت تصريحاً لوزير الخارجية الفرنسي دوست بلازي أشار فيه إلى أنه لم يتبن أحد العملية، موضحاً أن هناك توافقاً مع الحكومة السعودية في العلاقات ومبدياً تفاؤله في القبض على مرتكبي الجريمة وتقديمهم للعدالة، وقال أيضاً إن هذه العملية هي الأولى ضد الأجانب منذ سنتين.
ولاشك أن إستعداد فرنسا للتعاون مع الأجهزة الأمنية السعودية للتحقيق في الاعتداء على مواطنين فرنسيين في السعودية والذي أسفر عن أربعة قتلى يؤكد عمق العلاقات بين الشعبين ورغبتهما الصادقة في إحتواء الموقف والعمل سوياً من أجل الكشف عن هوية مرتكبي الجريمة الشنعاء وتقديمهم للعدالة.
وثمة فرضيات عدة، لهذا العمل الجبان منها إساءة العلاقات بين فرنسا والسعودية بل والعالم العربي كما أنهم قد يريدون أن يرسلوا رسالة الى الجهات الأمنية بأن هناك خلايا حية مازالت تعمل في الخفاء وكذلك قد يكون وراء هذا العمل جهات ترغب في إشاعة الفوضى وعدم الإستقرار، كما أنها تعتبر رسالة الى الأجانب المقيمين في السعودية بأنهم مازالوا مستهدفين وكذلك قد تكون رسالة الى الشركات الأجنبية العاملة في السعودية لترحل عن البلاد، كما قد تكون رسالة الى هيئة السياحة بمنع الأجانب من القيام بجولات سياحية.
وتعيد هذه العملية وأمثالها الى الأذهان حوادث الإرهاب التي ضربت مختلف المدن السعودية والفرنسية، وراح ضحيتها العديد من الأبرياء ولاسيما أن معظم هذه الحوادث تتطابق في أهدافها من حيث إستهداف أجانب وقتل وجرح ضحايا، كما تطابقت في كون العناصر المنفذة لتلك الجرائم تنتمي إلى quot;خلايا نائمةquot; لعناصر إجرامية إرهابية وشوفينية.
مصطفى الغريب
التعليقات