مؤتمر بغداد.من ربح ومن خسر في العراق؟

لاشك أن تسمية الرابح والخاسر نسبية تتعدد وتختلف فيها وحولها الأراء والتحليلات، قدر اختلاف الرؤى والمصالح والإستراتيجيات المتصارعة بحدة في عراق يبدو إلى الآن خان مفتوح بلا أبواب ولاحراس وشعب دمرته وعود الديموقراطية الجديدة التي أصبحت مكروهة بحكم لونها الدامي في العراق ومحيطه العربي أكثر من أي يوم مضى، وقد يكون خسارة كبيرة لشعوب المنطقة وأيضا ًمن مفارقات السياسة الغريبة أنه بعد أن كان مطلب الديموقراطية حلما ً لدى شعوب المنطقة دفعت على طريق تجسيده الكثير من الضحايا والعذاب والألم أصبح اليوم مشوبا ً بكل مظاهر العنف والإنقسام والحروب الطائفية الظاهرة والمخفية وتبهدلت في مستنقع حرب أصبحت بلا معنى سوى تدمير دولة بأكملها كان اسمهاالعراق وتمزيق شعب تاريخي هو شعب العراق. نبدأ على غير العادة بتحديد غنائم اللاعبين وبمعرفة أول الخاسرين في العراق! لاشك أن لائحة الخاسرين في هذه الحرب المدمرة طويلة لكن يبقى في مقدمتها العراق، العراق كدولة وكشعب...خاسراً أكبربدون أي نسبة ربح ولو بسيطة من حملات الديموقراطية والمستقبل الجديد، حيث أصبح منظر العراق الجديد الدامي الممزق مرعبا ً وكابوسا ً محليا ً وعربيا ً وإقليميا ً ودوليا ً على الجميع، بل من مرتبة الكوارث الكبيرة التي سجلها هذا القرن الجديد من تطور البشرية، وعلى الأرجح لن تغير مرتبته المخيفة هذه حتى لو توصل المؤتمرون في بغداد الى بعض ملامح مسكنات للجرح النازف باستمرار، لأنهم إلى الآن أضعف من أن يملكو إرادة وقرار العلاج..... يقف العرب جميعا ً في طابور الخاسرين ولو أن بعضهم مثل النظام السوري يدس نفسه في طابور الرابحين أو الذين يعرضون أدوارهم في نية التجارة بأشلاء شعب العراق الجريح على أمل يمكنهم ادعاء الانتصار، وأما الذين يدعون أنفسهم بالمنتصرين على شعب العراق فهم كثر أولهم في الطابور هي إيران، فقد تخلصت من عراق موحد قوي أوقفها عند حدودها الجغرافية والمذهبية ومنع انتشار وتصدير الثورة وملحاقاتها الفارسية إلى جوارها العربي،وكسبت حكاما ًموالين أو أصدقاء لها، وملأت الفراغ الذي خلفه تدمير العراق وحل جيشه وتفكيك بنية الدولة فيه، سدت الفراغ سريعا ًومدت نفوذها في المنطقة كلها بفضل إلغاء الجيش العراقي ذو القوة العسكرية الوحيدة القادرة على مواجهتها،.

وأغرقت العراق بالميليشيات الطائفية المدربة والممولة بالمال والسلاح وسرحت على الغارب في بداية الاحتلال ولاتزال وأنتجت ولأول مرة في تاريخ العراق نظام حكم قائم على المحاصصة الطائفية والعرقية في شبكة خطيرة لها اخترقت الاجهزة الأمنية وأشاعت الرعب عبر فرق الموت، إيران هي أكثر الأطراف ربحاًوفائدة ً من غرق العراق في الفوضى والصراعات الداخلية التي أخذت منحى حرب أهلية حقيقية.

وأيضا ً بعض الرابحين هي بقايا قوى الديكتاتورية وأعداء الديموقراطية في العالم العربي، الرابحون بالتعدي وأيضا ً بعص أطراف النظام الدولي ومعهم منظروا العولمة ومطبلوا صراع الحضارات الذين يعتبرون أن الفشل في بناء الديموقراطية في العراق وتعميمها على المنطقة زاد اقتناع الأميركيين بأن معاداة شعوب العالم العربي والإسلامي تحديدا ً للديموقراطية والغرب هي بنيوية. وهذا شبه انتصار لنظرية صراع الحضارات ومنظريها الذين وقعوا في الفخ الذي نصبته إيران لقوى التطرف وسمحت لنفسها بأن تكون ممرا ً مزدوج الإتجاه من أفغانستان إلى العراق لتكبير مساحة تحرك تلك القوى بما يمثل وقودا ً ممتازا ً ومستمرا ً للحرب على مايسمى بالإرهاب وأصبح العراق ميدانا ً مشاعا ً للعنف والتدخل والمشاريع الإستراتيجية الدولية بحيث أنتج بعض الأسباب الأساسية العملية لمبررات تلك الحرب التي كانت ملاحقة ومشردة هنا وهناك في حين أصبحت لها ساحة واضحة هي العراق.

من بين كل تلك الأطراف التي تعيث دمارا ً وخرابا ًوانتهاكا ً لحقوق شعب العراق الذي عرف ولأول مرة في تاريخه كله عمليات تهجير وتقتيل على الهوية في محاولة قوى الشر لتغيير التركيبة الإجتماعية والطائفية والمذهبية لشعب العراق العريق وهذا أخطر إفراز لحملة تأسيس الديموقراطية في العراق.

ولانحتاج كثير عناء للتأشير على أخطر اللاعبين في هذا المضمار وهو النظام السوري الإيراني الذي له دور كبير في إشاعة الفوضى في العراق والنظام السوري يؤديه على حساب دماء العراقيين رغبة ً منه في إثبات وجوده الإقليمي أمام من يعنيه الأمر، هذا النظام المساوم على كل شيء وهو غير قادر على القيام سوى بهذا الدور بحكم بنيته وتركيبته وعقليته الأمنية في سورية والعراق ولبنان وفلسطين وكل ساحة دعي للخدمة فيها لحساب هذا الطرف الدولي أو ذاك وضد المصلحة القومية والثوابت الوطنية لشعوب المنطقة.

النظام السوري الإيراني الذي سال لعابه بدعوته للمشاركة في مؤتمر بغداد والجلوس كتف لكتف مع quot;الشيطان الأكبر quot; التي تلعنه إيران ليل نهار، والنظام السوري الذي يعتقل ويقمع المعارضة السورية عندما تتحاور مع أمريكا والغرب لمصلحة الشعب والحفاظ على السيادة والإستقلال،ولعل مارافق حضور الوفد السوري في بغداد في مؤتمر الحوار الأمريكي هذا، رافقه في دمشق اعتقال المتظاهرين والمطالبين برفع حالة الطوارئ ورفع الظلم عن المواطنين الأكراد في دمشق هو البرهان العملي عن ماهية هذا النظام الذي يسمح لنفسه بارتكاب كل المحرمات الوطنية والقومية وقمع الشعب وحصاره، ويلاحق ويحاكم المعارضة الوطنية التي ترفع شعار التغيير الديموقراطي السلمي وتتحاور مع الجميع على أساس هذا المشروع والنظام قد أعمى عينيه وأصم أذنيه عن سماع كل النداءات الحريصة على إنقاذ سورية وهو مستمر في خيار الفوضى إلى آخر الطريق.

تعرف إيران ويعرف النظام السوريأن أمريكا وكما عبرت عن سياستها من الرئيس بوش إلى وزيرة الخارجية إلى كل المعنيين بصناعة القرار أن أمريكا ليست في وارد دفع أجور للنظام السوري على أفعاله في العراق ولبنان وفلسطين ولكن تدفعه إلى الآن بالحسنى لكي يتجاوب مع مصالح شعوب المنطقة وهذه مفارقة أيضا ً وعلى وجه الخصوص الإقرار بالمحكمة الدولية للتحقيق في جريمة اغتيال الشهيد رفيق الحريري وكافة رموز الحرية في لبنان والكف عن التدخل في شؤون لبنان والمنطقة، ومنها الداخل السوري نفسه الذي أقر الإتحاد الأوروبي بأن علاقاته مع النظام السوري مرهونة بمدى التقدم في مسار حقوق الإنسان في سورية والنظر بدقة إلى كيفية أداء الإنتخابات القادمة ومدى نزاهتها والسماح للمعارضة والمستقلين الإشتراك فيها والسماح للمراقبين الأوروبيين بمراقبة سير الإنتخابات.
يبقى مؤتمر بغداد وكما قصدت منه الأطراف الفاعلة والمفعولة حوار الفرصة ماقبل الأخيرة المباشرة بين من يعنيه الأمر في العراق وبغض النظر عن نتائجه التي لم يتضح منها شيئ، لايسعنا الآن سوى القول quot; أن المؤتمر انعقد على مبدأ اشهد أيها العالم لقد حاورت وعندما تغلق أبواب الحوار لاتلوموني إذا ضربت quot;.