(الأصل في اللغة التذكير، وتذكير المؤنث واسع جدا لأنه رد الى الأصل)
quot; إبن جني quot;


هذا شاهد من اهل الدار، انه العالم النحوي الكبير، ابو الفتح عثمان المعروف (بأبن جني) ت 392هـ وإذا ما عرفنا ان اللغة ليست هي مجرد رموز تدل على مداليل معينة، بل هي المخزون الذهني للثقافة ومستودع خبرة الجماعة، فكل مفردة من مفردات اللغة مشحونة بشحنة دلالية معقدة ومتعددة الجوانب،وهي امكانية كامنة بالقوة، واشمل من النظام اللغوي للغة نفسها، (ان اللغة بيت الوجود، وفي بيتها يسكن الانسان)... الفيلسوف الالماني (هايدغر). من هذا يتضح ان انحياز اللغة يعني بطبيعة الحال انحياز ثقافة بكاملها، والإنحياز اللغوي هذا واضح في تعامل اللغة العربية مع المرأة، والشواهد عليه مفضوحة بل هي موضع افتخار في ادبياتنا. ( خير الكلام ما كان لفظه فحلاً ومعناه بكرا)...ذلك عبد الحميد الكاتب، فالفحولة هي التي ترتقي بالكلام في مدارج الافضلية، وانوثة المعنى (البكر)، هو لكون المعنى يدور مدار الكلام وتابع له ـــ عبد الله الغذامي ـــ (المرأة واللغة)، وقد تناول الكاتب عبد المجيد جحفة هذا الحديث، باتجاه الاصل في وصف اللفظ بالفحولة فيما وصف المعنى بالبكارة، رغم ان كليهما مذكران صرفياً، وقد وجد أنه يقال، (معنى الكلام و معناته ومعنيّتُه) ( لسان العرب )، مادة quot;عنيquot;. وواضحة هنا أنوثة المعنى اللفظية من خلال بدائله، واللفظ هو ما يلفظ، اما المعنى فهو المكان الذي يستقر فيه الملفوظ. فلفظ (معنى) اسم مكان بصيغته. فكأن اللفظ فحل يأتي معنى بكرا. عبد المجيد جحفة ( سطوة النهار وسحر الليل ). ومن المناسب هنا الاشارة الى عدم الخلط بين اللغة بوصفها (ظاهرة) وبين النظرية التي تسعى الى استنباط قوانين تلك اللغة كـ(النحو والصرف ) وما الى ذلك، والتحيز الموجود ربما يعود في اغلبه الى الثقافة النحوية من خلال العنصر الذكوري المسيطر عليها. والشواهد التي تؤسس لهذا التحيز والتمييز (الجنوسي) اللغوي منبثة في تضاعيف قواعد اللغة و قوانينها، فالجمع اللغوي الذي تشدد اللغة العربية على ان يعامل معاملة ( جمع المذكر) ولو كان المشار اليه بصيغة الجمع جمعاً من النساء وكان بين الجمع رجل واحد، فبمجرد وجود هذا الكيان الذكوري وإن كان مسخاً او معتوهاً، يصبح الجمع ( جمع مذكر)، فهذا الواحد يصادر ذلك الحضور النسائي حتى لو ضمّ هذا الجمع الشاعرة العظيمة الخنساء او درو فوست المرشحة لرئاسة جامعة( هارفارد)، او شيرين عبادي الحائزة على جائزة نوبل للسلام، او رابعة العدوية، او الشاعرة المبدعة نازك الملائكة، التي هزت صرح القصيدة العمودية(الذكورية) وصدّعته، او ماما تيريزا صاحبة المشاريع الانسانية الكبيرة.... الخ. وكذلك.... التنوين لا يلحق بالاسماء الأعجمية، ولا يلحق بالإسم العلم المؤنث، وهذا واضح في الحط من قيمة المرأة، فكما ان الأعجمي، نسبة الى العجماوات من الحيوانات، كذلك تلحق الانثى مع صنفها من الحيوانات العجماوات!... وفي حال استخدام الالفاظ التي يستوي فيها المؤنث والمذكر فأن كل ضمير يأتي بعدها يكون عائداً للمذكر، تأكيدا لأصالة المذكر وهامشية المؤنث.


ويقال عن المرأة التي تتقلد منصباً وزارياً، الوزير فلانة،... ( وزير العلوم و التكنولوجيا باسمة يوسف بطرس تلتقي في النمسا السيد محمد البرادعي ).... هذا ما قالته الصحف، علما ان السيدة(الوزير) كانت تترأس وفد الوزارة. فما شفع لها ترؤسها الوفد ولا منزلتها العلمية ولا ثقة الجهات الرسمية بها، لتسمى ( الوزيرة ) بدلاً من ( الوزير ). ستبقى لعنة (تاء التأنيث الساكنة) في ثقافتنا الذكورية المتغطرسة تلاحقها اينما ذهبت وبأي منصب حلت، فمن غير المسموح ان تحتل المرأة مناصب هي للرجل محجوزة وعلى المرأة محضورة، وان كان لابد من ذلك فعليها ان تلبس قناعاً (ذكوريا) وتخلع هويتها الانثوية حتى تمر بصمت و سلام من تحت سيف (عنترة).


( ولتصمت النساء في الجماعات شأنها في جميع كنائس القديسين فأنه لا يؤذن لهن بالتكلم )...ذلك قول القديس (بولس). ( اذا صاحت الدجاجة صياح الديك فاذبحوها )..... مقولة الشاعر (الفرزدق) حينما سمع ان امرأة قالت شعراً، فالشعر شيطان ذكر... كما يقول، ( ابو النجم العجلي ). وحضر الفقيه فكتب وأوجز: (صوت المرأة عورة) فحصرها بين صوتها الذي هو منها والعورة التي احتلتها عنوة و شوهت صوتها الذي خصه الله تعالى بجمال مميز، حيث حكمته وإرادته في خلقه والتي تعارضت مع ارادة الفقيه، فكان ما اراده الفقيه.... (اذا طرق عليها الباب طارق، فلتغلظ صوتها في الرد عليه بوضع ظهر كفها على فمها حتى لا يظهر صوتها رخيما). ويبدو ان الموقف من صوت المرأة لم يكن عابراً بقدر ما ينم عن خلفية ثقافة (شفاهية ) تقليدية ترى في الصوت بعداً قيمياً فهو العنصر الاول المسؤول عن التواصل، وعليه فالرجل هو صاحب الصولة فيه، فسلاطة اللسان للذكر صفة حميدة مجيدة وللأنثى منقصة ورذيلة،... وإذا ما هي ولجت فضاءات الكلام من باب الشعر... تكون قد دخلته من خلال المحاصصة (الجندرية) للأدوار، فلها ان تقول الشعر في اغاني المهد وترقيص الاطفال والمراثي والتحفيز على القتال والمناحات وكل ما يأنف عنه الرجال من الكلام.


والحالة نفسها نجدها عندما دخل الرجل عالم القراءة والكتابة، حرص ان يكون هذا العالم مملكته هو وحده، (الإصابة في منع النساء من الكتابة)،.... ذلك ما الّفه (خير الدين نعمان بن أبي الثناء الآلوسي). ويمضي..... ( اما تعليم النساء القراءة والكتابة فأعوذ بالله إذ لا أرى شيئاً أضر منه بهن،......... فمثل النساء والكتابة كمثل شريك سفيه تهدي اليه سيفاً او سكير تعطيه زجاجة خمر.... فاللبيب اللبيب من الرجال من ترك زوجته في حالة من الجهل والعمى...!!! ). ( النساء عيّ وعورة، فداووا العيّ بالسكوت و العورة بالبيوت ) ذلك من (المأثور). ويبقى الهاجس هو هو..... (ما للنساء والقراءة والكتابة ــــــــــــــــــ هذا لنا ولهن أن ينمن على جنابة )،... تكريس واضح للشرط البايولوجي و اسقاطه اسقاطا ثقافيا استعلائياً......( والسلوك الجنسي من وجهة نظر نفسية ndash; لغوية طوّر القدرة المجازية بمثابة تعويض اكثر مما هي مجرد عمل لغوي يبعث على الاعتقاد ان الكلمات المنتقاة تمتلك تأثير حافز جنسي او موضوع جنسي) د. ابراهيم الحيدري (النظام الأبوي)
واللغة عند( ما بعد الحداثيين) لا تعبر عن الواقع فقط، بل تخلقه ايضاً وتمارس تأثيراً عليه.

حسين السكافي