مؤتمر الأقليات ndash; زوريخ ndash; سويسرا (24-26 آذار/مارس 2007)


قد تتساءلون لماذا أقدم في المؤتمر ورقة عمل عن المرأة في العالم العربي، الأمر وبكل بساطة لأن هذا المؤتمر يهدف إلى تسليط الضوء على مشاكل الأقليات في العالم العربي، والعمل على تفنيدها وصولا إلى محاولة التصدي لها. والمرأة بما تتعرض له من انتهاكات هي من أكبر شرائح المجتمع أو بالأحرى أكبر أقلية مستضعفة في العالم العربي.

فقد مضى ستون عاما تقريبا على استقلال بعض الدول العربية، والحال في غالبية مجتمعاتها ما زال في ترد مستمر. إذ تعمد السلطات المتعاقبة في دولنا على عزو ما جرى فيها وما يجري وما سيجري على التدخل الخارجي فقط، مسقطين بذلك العامل الداخلي في تردي حال هذه المجتمعات، وبالتالي موجدين المبررات للتمادي في هذه الممارسات الخاطئة للهروب من مواجهة المسؤوليات وإلى إلقاء عبء هذه المشاكل على الغير، ومحاولة إعفاء أنفسنا حتى من العمل على إيجاد الحلول لها.

إن نضال النساء في الشرق لا يمكن لنا فصله عن نضال النساء في العالم، فانتهاكات حقوق المرأة موجودة في كل المجتمعات بنسب متفاوتة، ونحن في عالمنا العربي مازلنا في الدرجات الأولى لتحقيق الهدف المرجو، ولا بد من القول أنه لا يمكنننا فصل مشاكل المرأة عن مشاكل المجتمع، فالكل يعاني:

أولا: من ممارسة السلطات السياسية التي تفرض القوانين، وتتجاهل آمال مجتمعاتها وتطلعاتها إلى إحقاق قوانين حديثة تتناسب وروح العصر، وإلغاء قوانين الطوارئ، وفصل السلطات، واستقلالية القضاء، وحرية الرأي والإعلام، وما إلى ذلك.

ثانياً: عدم وجود قرار سياسي بفصل الدين عن الدولة وهو الأخطر، وذلك لقيام هذه السلطات باستغلال الدين لتحقيق مآربها في الضغط على مجتمعاتها والعمل على إلهائها عن الالتفات إليها ومحاسبتها، رغم علم الجميع بمدى استشراء الفساد فيها.

ثالثاً: قيام بعض السلطات بمحاباة الأكثرية في مجتمعاتها على حساب الأقلية، وذلك بالإذعان لضغوط المؤسسات الدينية وطلباتها.

رابعاً: جعل السلطات الدينية حكراً على الذكور، وعدم تمكين المرأة من تبوأ أي من مراكز هذه السلطات وهذا ينطبق على كل السلطات الدينية من مسيحية وإسلامية. وبالتالي لا يسمح للمرأة حتى بإجراء قراءة أخرى للكتب المقدسة مما يعني عدم تواجد رؤى أخرى تتناسب مع ما يقارب أو يزيد عن نصف المجتمعات.

خامساً: التدخلات الخارجية والحروب والمآسي التي تفرض على المنطقة للسيطرة على مقدراتها وعلى شعوبها وما تجره من ويلات. وهنا لا بد من ذكر الانتقائية التي تتعامل بها الدول الغربية مع دول المنطقة وذلك حين قيامها بتسليط الضوء على مشاكلها وفقاَ لمصالح الدول الغربية السياسية وأهوائها وليس وفقاً لحقوق الإنسان على سبيل المثال. إلا أنه لا بد من الإشارة أيضا إلى أن خطورة الأوضاع في المنطقة وما تتعرض له من انتهاكات لا يبرر التغاضي المستمر في التعرض لمشاكل مجتمعاتها، وما يعقبه من التمادي في الممارسات الخاطئة على المجتمع عموما وعلى المرأة خصوصا.

سادساً: تكريس أنماط ثقافية للتمييز ضد المرأة من قبل النخب السياسية وانحيازها للقيم الذكورية، وذلك بتعزيز نمط من أنماط الثقافة الشعبية التي تركز على دونية المرأة، والعمل على تحجيم دورها والعودة بها مجددا إلى المنزل.

سابعاً: استنكاف المثقفين عن خوض غمار هذه المسألة باعتبارها قضية من الدرجة الثانية، ودورهم الكبير في العمل على تهميش هذه القضايا.

ثامناً: العوامل الاقتصادية، والتنمية المتوقفة، والتلاشي شبه الكامل للطبقة الوسطى وذوبانها في بعض الدول العربية، علماً بأن هذه الطبقة تعمل على إدارة عجلة الاقتصاد. وهذا تترتب عليه مشاكل عديدة كالبطالة والفقر مما يؤدي إلى استحالة تحقيق حد أدنى من الديمقراطية لغياب ما ذكرناه سابقاً الخ.

تاسعاً:التناقض الحاد بين دساتير هذه الدول وقوانينها المدنية التي تعتمد في مرجعيتها على القوانين المدنية الغربيةً من جهة، وقوانين الأحوال الشخصية التي تستند إلى أحكام القوانين العثمانية المستمدة من قوانين الشريعة الإسلامية من جهة أخرى، علماً بأن معظم دساتير العالم العربي اعتمدت الشريعة الإسلامية مصدراً رئيسياً أو أحد المصادر الرئيسية لها، كما هو الحال في سورية واعتمادها تحديدا المذهب الحنفي (مجلة الأحكام الشرعية سنة 1293 هجرية) مع الأخذ في بعض الأحيان برأي المذاهب الأخرى.

فلو أخذنا واقع هذه القوانين في سوريا على سبيل المثال، يتجلى هذا التناقض تحديداً عندما يتعلق الأمر بالمرأة، إذ نجد أنه وفقاً لدستور الجمهورية العربية السورية الذي صد في العام 1973 أقر بحقوق مواطنة المرأة في المواد التالية:


المادة 3 :
المواطنون متساوون أمام القانون في الحقوق والواجبات
المادة 25 :
1- الحرية حق مقدس وتكفل الدولة للمواطنين حريتهم الشخصية وتحافظ على كرامتهم وأمنهم.
2- سيادة القانون مبدأ أساسي في المجتمع والدولة
3- المواطنون متساوون أمام القانون في الحقوق والواجبات.
4- تكفل الدولة مبدأ تكافؤ الفرص بين المواطنين.
المادة 44 :
1- الأسرة هي خلية المجتمع الأساسية وتحميها الدولة
2- تحمي الدولة الزواج وتشجع عليه وتعمل على إزالة العقبات المادية والاجتماعية وتحمي الأمومة والطفولة وترعى النشا والشباب وتوفر لهم الظروف المناسبة لتنمية ملكاتهم.
المادة 45 :
تكفل الدولة للمرأة جميع الفرص التي تتيح لها المساهمة الفعالة والكاملة في الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية وتعمل على إزالة القيود التي تمنع تطورها ومشاركتها في بناء المجتمع العربي الاشتراكي.

وأقرَّ القانون المدني أهلية المرأة القانونية بإتمامها سن 18، ويحق لها بالتالي إبرام العقود وحيازة الممتلكات والتصرف بها ومزاولة الأعمال التجارية. كما أصبحت شهادتها في المحاكم المدنية تعادل شهادة الرجل، إضافة إلى حصولها على اسم ولقب مستقل عن لقب زوجها حفاظا على استقلاليتها وأيضا على استقلالية ذمتها المالية عن ذمة زوجها المالية.
هنا لا بد من الإشارة إلى الانسجام القائم بين الدستور ونصوص القانون المدني، فقد ساوى الاثنين بين المرأة والرجل في كل الحقوق والواجبات المنصوص عليها.

وبالمقابل تتناقض هذه المواد الدستورية مع الكثير من مواد قوانين الأحوال الشخصية والعقوبات والجنسية. ففي حين تقبل شهادة المرأة في القانون المدني كشهادة كاملة، يلزم الحصول على شهادة امرأتين لتكون مساوية لشهادة رجل واحد في قانون الأحوال الشخصية. (فالدستور الذي يبيح للمرأة أن تكون قاضيةً تصدر قراراتٍ وأحكاماً، ويمكنها أن تستدعي شهوداً لتسمع أقوالهم، لكنها في الوقت ذاته لا تأتمن على شهادتها).

والمرأة تعامل كمواطن كامل الحقوق والواجبات في القانون المدني، وتبقى مخلوقا ناقص الأهلية، في بعض مواد قانون الأحوال الشخصية، التي تفرض عليها الولاية، وتحرمها من الوصاية على أولادها، حتى لو كانت هي وحدها المتكفلة برعايتهم وتنشئتهم، بل إن القاضية ولية من لا ولي له بحكم القانون لكنها ليست ولية على نفسها وأولادها، وزوج الوزيرة يحق له نظريا منعها من السفر إذا رغب في ذلك، وهذا دليل آخر على أن قانون الأحوال الشخصية يحمل تمييزا واضحا ضد المرأة ناهيك عن قوانين الزواج والطلاق والإرث والحق في العمل والتعليم ومنح الجنسية لأولادها.

أما قانون العقوبات، ففيه الكثير من القوانين المجحفة بحق المرأة كالعقوبات المخففة في جرائم الشرف (المادة 548) وإسقاط العقوبة عن المغتصب في حال زواجه من المغتصبة (المادة 508)، وغيرها من القوانين.

وهنا يجدر بنا الإشارة إلى أن هذه القوانين موجودة معظمها في قوانين دول العالم العربي وأيضا بنسب متفواتة، عدا تونس.

عاشراًً: القوانين الفضفاضة التي تعطي القضاة صلاحيات واسعة للالتفاف عليها وتبرر انتهاكات تلك القوانين (قانون الزواج مثلا).

حادي عشر: الأمية بأشكالها اللغوية والقانونية والسياسية. إذ أنه بالرغم من المستوى التعليمي العالي للجامعيات مثلا فهن لا يعرفن حقوقهن القانونية على سبيل المثال.

ثاني عشر: تطابق قرارات مؤسسات المجتمع المدني في بعض البلدان العربية مع القرار السياسي، وتبني هذه المؤسسات للقوانين التي تضعها حكوماتها، وعدم تشكيلها أي ضغط على حكوماتها باتجاه إعادة صياغة القوانين التي يجب أن تراعي احتياجات المرأة وتخدم مصالحها. مما أدى إلى فشل معظم خدماتها. ومن الأمثلة على ذلك الاتحاد النسائي السوري الذي تأسس في العام 1976 واضعا محو الأمية هدفاً أولاً، إلا أنه فشل حتى يومنا هذا وبعد مرور 31 عاماً في القضاء على الأمية. في حين نرى دولا ككوريا الجنوبية نجحت بمحو الأمية باللغة الانكليزية خلال عام واحد.

ثالث عشر: عدم وجود قوانين خاصة بإنشاء الجمعيات في بعض الدول العربية، واقتصار الموجود منها على الأعمال الخيرية والإنسانية، مما لا يسمح بقيام حراك في المجتمع المدني. أما التي لديها قوانين جمعيات فهي مصاغة بشكل يعرقل العمل المدني ولا تسعى إلى تنميته.

رابع عشر: العنف بأشكاله (النفسي والجسدي) الممارس على المرأة والذي يجد مبرراته في العادات والتقاليد والمفاهيم الخاطئة للتربية بحجة الحفاظ على الأخلاق والفضيلة. وهذا العنف يأخذ أشكال متعددة في البلاد العربية كالختان وجرائم الشرف (حقق الأردن بعض التقدم بإلغاء المواد القانونية التي تخفف من العقوبة التي تؤخذ بحق مرتكب جريمة شرف، وهناك حملة وطنية في سورية أيضاً للعمل على إلغاء المادة 548 تقوم بها منظمة نساء سورية) والزواج القسري والزواج المعد وتعدد الزوجات والطلاق التعسفي والغيبي والاستيلاء على الإرث، الخ، في معظم الدول العربية عدا تونس. إضافة إلى حرمان النساء من الحقوق السياسية كحق الانتخاب أو الترشح في السعودية والكويت وبعض دول الخليج.

خامس عشر: التحفظات على الاتفاقيات العالمية الموقعة من قبل بعض البلدان العربية مما يعني إفراغها من محتواها كاتفاقية quot;الأمم المتحدة لمكافحة جميع أشكال التمييز ضد المرأةquot; وهو ما يعتبر بحد ذاته تمييزاً ضدها.

ونحن نحاول أن نستشرف الحلول وأن نساعد على ترسيخ مفهوم المرأة وحقوق الإنسان من خلال المطالبة بالإصلاحات التالية:
1)وقف العمل بقانون الطوارئ وجميع القوانين الاستثنائية، بما فيها تلك التي يجري إدخالها داخل القانون المدني، مع أنها تنتمي أصلا إلى قانون الطوارئ، وضمان استقلالية القضاء وفصل السلطات.
2)فصل الدين عن الدولة (ضمنا إلغاء قوانين الأحوال الشخصية وإقامة قانون مدني للجميع، الخ.)
3)مراجعة القوانين وحذف المواد التمييزية بحيث تتوافق مع معايير حقوق الإنسان العالمية، وتعزيز مفهوم المواطنة (الأكراد، الأرمن الخ).
4)تفعيل برامج التنمية الاقتصادية والبشرية للمجتمع ككل وللمرأة بالخصوص.
5)بناء دولة ديمقراطية.
6)تكريس صورة للمرأة غير نمطية عبر الوسائل الإعلامية ومناهج التعليم وما إلى ذلك.
7)ضمان حق التعليم والصحة والعمل على محو الأمية بأشكالها.
8)سن قوانين لإنشاء المؤسسات المدنية ودعمها.
9)تفعيل منظمات المجتمع المدني وإتاحة فضاء من الحرية مدعوم بقانون عصري وعملي لكي تتمكن هذه المنظمات من المساهمة في عملية التنمية البشرية والإنسانية.
10)مكافحة العنف الممارس على المرأة عبر محاربة العادات والمفاهيم الخاطئة، وتوقيع كل المعاهدات الدولية التي تحارب أشكال التمييز وتطبيقها دون أي تحفظ.
11)الاعتراف بالتعددية في مجتمعاتنا وتعديل القوانين الخاصة بها لتضمن حقوق جميع المواطنين.
12)إنشاء منبر للحوار ودعوة المثقفين إلى المساهمة في تسليط الضوء على مشاكل المجتمع، وإقامة حملات توعية، والمساعدة في استشراف الحلول.

ماري تيريز كرياكي