قفزت دون شعور و(قمت على حيلي) ورحت أصفق لحظة إعلان الشاعر محمد بن فطيس المري شاعراً للمليون ... فقد أخذتني (الحميًة) و(القبلية) وقتها ؛ واذ أؤكد أن الصدفة البحتة هي من قادني لمتابعة البرنامج (فثمة من ترك جهاز التلفزيون مشتغلاً ودخلت لأجدني متورطة بمتابعة البرنامج ) ذلك أني لست ميالة لهذا النوع من البرامج ولذا صممت أذني عن الرسائل عبر الموبايل التي تصلني لتحفزني للمشاركة في التصويت لهذا الشاعر؛ لا لشئ إلا لأني مؤمنة أن تلك النوعية من البرامج تقوم على (شفط) ما في جيوب البشر من خلال خدمة الرسائل ؛ ولا استبعد أن تكون المليون درهم هي حصيلة نقود المشاركين بإرسال رسائل (الجوال) .... إما السبب الأخر والأهم والأخطر برأيي والذي يثنيني عن الحماس لتلك النوعية من البرامج هو إثارتها (للنعرات ) العرقية والطائفية والقبلية وتغذية روح الولاء للقطر والبلد بينما نحن اليوم في أمس الحاجة للتلاحم والتكاتف والتآزر كعروبيين وليس كجنسيات أو قوميات ..... والقنوات الفضائية المروجة لتلك النوعية من البرامج إنما تساهم بدور خطير في تفتيت ما تبقى من قوميتنا العربية لتشتغل على تأجيج الروح القبلية (فأنا) أصفق للقطري دون غيره (لأنه إبن ديرتي) وبرنامج بعد آخر تشيع بيننا تلك الروح ليتبخر ويختفي ما تبقى من لحمتنا كعرب ويعود المثل (إنا واخوي على ابن عمي) يتوهج ويتأجج من جديد .... وهذا تحديداً مع حدث منذ زمن حين وقف كل بلد عربي يهتف في (ستار أكاديمي) ليفوًز مواطنيه المشتركين ؛ فالمصري يصوًت للمصري والمغاربي يصوت للمشارك المغاربي وهكذا فازت الأردنية بلا منازع لأن شعبها كله قد هب ليلبي النداء ؛ وراح الملك الأردني شخصياً يذلل كل الصعوبات من أجل أن تفوز (الأردنية) وفازت فعلاً ..... وهانحن اليوم وبعد كل ذاك الوقت نبحث عن (ديانا كرزون) وعن صوتها الذي (صوَت) الشعب الأردني بكامله فلا نجدها ولا نعرف غير أنها فقدت عشرات الكيلوغرامات من وزنها ......
أما المبرر الثالث لابتعادي عن تلك الحماسات الفضائية: عدم المصداقية لأن الاعتماد هنا على أصوات المصوَتين لا لجودة الأداء ؛ فقد أقوم بإرسال خمسين رسالة تأييد وتبعث شقيقتي بأربعمائة رسالة تأييد وهكذا في ظل فقدان معيار الجودة وغياب الذائقة السليمة وحضور التحيَز ولا عداه وتصبح الغلبة للكم على حساب الكيف أو الجودة ..... فالجمهور المشارك بالتصويت لا يعطي صوته بناء على المعطيات وإنما بناء على مشاعر عاطفية بحتة لها صلة بالمكان والقبيلة لا أكثر ولا أقل ...... وهذا لا يعني إسقاطي للشاعر محمد فطيس المري ؛ وليس تقليلا من شاعريته ؛ وإنما بشكل عام ولأن البرنامج حماسي يهيج النزعة القبلية فقد غذى عندنا الشاعر بن فطيس حتى النهاية تلك الروح ( روح النخوة والشهامة) التي اشتهرنا بها ليعلن عن تبرعه بالمليون كاملة وليحظى باللقب ..... وصفقنا ثانية (حين غاب العقل وحضرت القبلية) أنا منهم يا سادتي ... تأخذني (الحميّة) وأتحيز لأخوتي ثم من بعدهم لأبناء عمومتي و(لفخيذتي) و لقبيلتي وهكذا ...... في الوقت الذي أدعي أنني امرأة عربية ويوجعني الجرح العربي وتؤرقني وتقض مضجعي أحزان العرب ونهش لحومهم ...... لهذا تحديداً كتبت مقالتي لأناشد المعنيين وأصحاب القرار في دول مجلس التعاون التوقف عن الترويج والمساهمة في الترويج لتلك النعرات وإذكاء روح القبلية خاصة في هذا الوقت بالذات والذي صارت فيه (الطائفية) وحشاً كاسراً يبتلع الحقيقة الكبيرة التي نجتمع تحت لواءها (الإسلام) .........
الشعر رائع ...... والشعراء جميلين كلهم دون استثناء النبطيين منهم والعاميين والكلاسيكيين الذين يكتبون بالفصحى وشعراء التحرر من القافية ...... كل الشعر يفزز فينا الجمال والعذوبة وفضائل أخرى كثيرة
ونستطيع الاحتفال بالشعر في مهرجانات كبيرة ؛ ولتنفق دول الخليج على الشعر لم لا ..... ولندشن فضائيات خاصة بالشعر والشعراء .... ولنصوت أيضاً للشعراء ولكن يا سادتي الأفاضل ليس تبعاً للعشيرة أو القبيلة والبلد ... بل للجودة والإبداع دون غيره ...... فلو اختير محمد بن فطيس المري كشاعر مليون هنا في بين أهله وفي أرضه ونافسه شعراء قطريون لرفعت له قبعتي وانحنيت ..... ولو نجح شاعر ما إماراتي بين أهله وشعب لفعلت الشئ ذاته ......
وإذا كانت (كيوتل) قد تبرعت بتخفيض رسوم الرسائل لخدمة التصويت لشاعر المليون ؛ فالأولى بها أن تتبنى مهرجاناً للشعراء القطريين لنصوت نحن (بعيوننا ومن عيوننا) وبناء عليه عندها سيتم تفويز الفائز دون طائفية ولا عرقية ولا قبلية ولا ما يحزنون ............ اللهم اني بلغت فاشهد .
- آخر تحديث :
التعليقات