في اليوم العالمي للشعر

يحتفل العالم هذه الأيام باليوم العالمي للشعر !
ولمَ لا .. وجدنا لكل شيء مناسبة .. لم لا يكون للشعر يومهُ أيضا ؟
ويفترض أن يكون الاحتفال في العراق مختلفاً نظراً لاقتران هذه المناسبة بمناسبة أخرى تخص إخواننا الأكراد ألا وهي عيد نوروز ، ومن يتخيل الوضع الافتراضي لبلد الشعر والشعراء يربط بوجوب أن يقرن الاحتفال بالشعر بكل الاحتفالات وعلى كل المستويات .. ولكن هل هذا حقا ما يحدث ؟ وأين الصوت العراقي من هكذا مناسبات ..
تساؤل ربما يكون _ بليداً _ في ظرف نحن نعرف كيف هو ..
لسنوات قريبة لم تكن لهذه المناسبة وجود على ارض الواقع وتوقفت كثيرا عند حقيقة أن بيت الشعر في المغرب هو من دعا للاحتفال بالشعر ..
بلدان : الشعر الجاهلي ..سوق عكاظ .. .. العصر الإسلامي .. عصر الأمويين .. عصر العباسيين ..بدايات العصر الحديث .. وبلدان الشعر في الألفية .. لم تستوقفهم هذه الفكرة ولو لمرة !!!
دائما نظرة البعيد تكون أصفى واصدق .. لأننا هنا لا نرى محاسننا كما لا نرى مساؤنا .. وتعودنا دائما أن يرصدنا الآخر ويخبرنا بما يجب أن يكون . هذا لا يعني أني أقصي شعرية بلدان المغرب العربي ولا يعني أني أنكر عليهم تاريخهم الشعري وفضلهم في تقدم الشعر والأدب والخطى الواثقة نحو الحداثة الجادة .. بالعكس ، دائما نظرتي الى الأدب المغاربي هي نظرة التطلع الى الاختلاف غير المنظور على الأصعدة القرائية .. برغم إنهم يقرءونا أكثر مما نقرأهم وهذا يزيدنا ابتعادا عن بديهيات كثيرة حول ريادة الحداثة !
فكيف لا نستذكر مثلاً إبداعات وريادة كل من محمد الخمار الكنوني صاحب ديوان رماد هسبريس واحمد المجاطي صاحب الفروسية ومحمد السرغيني الشاعر الفيلسوف صاحب الاعمال الشعرية الرائعة مثل احتياطي العاج ...

ولكن طالما نحن في التاريخ أصحاب ريادة فأننا في مواجهة اتهامات كثيرة حول إهمال الشعر للشعر فقط وعدم الانتباه الى إحياء روح المغادرة على كل أوجهها من تدوين واستقراء للواقع الشعري والاحتفال بكل تجسد جديد لكائن الشعر المتفجر في روح الحبر والقلم ..
أقول هذا وأنا عيناي مليئتان برماد الكتب المحترقة شوقا للفناء في شارع المتنبي وعلى صدر كل طالب علم وفكر كل عالم وأستاذ .. أقول لنحتفل ، ليس كما الآخرين ، ونزفي لا يتوقف وأنا أرى الكلمة ضائعة في زمن النار والسلاح .. أقول وأنا ما زلت اذكر آخر مرور لي في شارع المتنبي الذي اختلطت فيه الدماء مع أحبار الكلمات مؤخراً .. ما زلت اذكر أول ديوان اقتنيته من رصيفه .. من بائع كان يحب الكلمة ويحفظ الشعر .. من طالب كان يدرس ويعمل ليسدد نفقات دراسته ولا يبيع سوى كتابا واحدا كل يوم كمعدل .. ما زلت اذكر نبوءة صديقي الذي رافقني :
اقتني قدر المستطاع سيأتي يوما يصبح فيه هذا الشارع في عداد الترحيل والكتب في عداد المفقودين !
ما زلت أذكرك يا بغداد و تغني لك كل سنة فيروز :

بغداد والشعراء والصور ذهب الزمان وضوعهُ العطرُ

آه .. يا بغداد الشعر والشعراء
آه .. يا بصرة المرابد
آه .. يا نينوى التمّام
آه .. يا كل بقعة فيك لمستها الملاحم والحروف الطائرة نحو استمالة سماء خفيفة تحت أقدامنا .. لنبقى محلقين حتى عند سقوطنا ..
كيف أضمد هذا البيت وأقول لملوك كانوا يعرفون الشعر ويعشقون الشعراء .. إننا نسينا أن ننتبه لروحنا وهي تفر للمرة الألف نحو اقتراض يوم آخر .. فقط لنتمكن من التنفس
فكيف سنقول الشعر ونحن لا لم نعد نعرف غير التنفس ..
لمجرد البقاء لا أكثر
لا تبكوا معي يكفي ما قالته الكتب وهي تصرخ تحت السنة النيران
يكفي أني رأيت قمصانهم متوهجة بدماء ونور الكلمات التي أضعناه ولم نعد نعرف كيف نكتب الشعر..
لا تحتفل بنا إذا .. ولكن ارأف بنا إن سهواً بابك طرقنا .. أيها الشعرُ .


هناك
حيثُ يحظون بالكثير
لهم المَناشف البيضاء
التي تمتصُّ رغبات الحنين كلها
وعربات تجرها خيباتنا
مذهبة بأنفاسِ غلمان المملكة
يصبون في كؤوسِهم الفضّية
عيناً من شفقنا الأحمر

ويأمرونَ مسروراً آخر
بقطعِ رغبة التاريخ
بالعدول عن تصريحهِ الأخير:
لا نفع لحكايات شهرزاد
أمام النهود السلكونية
المعلَّقةِ بأفواهِِ السلاطين

إذاً قل لليلى
ألا تمرض
فليسَ ثمةَ من عراقٍ باقٍ
ليسرجَ لها نغمَ القصيدة
***
فلنُنهِ هذه المُجادلة
ولنستعر سلّة شاعرنا المطري*
وقبلَ أن نحكم إغلاقها مرة ثانية
سنُضيف:
ضعْ رأساً جنبَ رأس
وأشلاءً بلون الغياب ،
جيشاً يحملُ على كتفهِ قارة
والياتٌ تتعرف على لحمنا وعلى الإسفلت معا

وأضفْ أيضاً:
أراملٌ على أيتام
وأيامٌ تشبه مؤخرة غانية
لا تعرف أين وجهتها ولمنْ
والآن
هل نُحكِمُ إغلاقَ السلةِ ؟
أم نكتفي بسحبِ كرسيّ ونقعد ..
لقد طورنا تلكَ المهزلة
***

نسبة الى قصيدة الشاعر احمد مطر ( احضر سلة ) .

منال الشيخ
العراق