يجمع الباحثون الاستراتيجيون أن التفاوض على السلام يحتاج الى قوة أكثر مما تحتاج اليها الحروب، وذلك لأن الطبيعة البشرية مفطورة على التوازن، وإذا ما حصل خلل في هذا التوازن فإن القوي يفرض شروطه كما يشاء. وقد انتبه البشر الى ذلك منذ غابر الأزمان، وقبل أن تكون هناك معاهد وباحثين في الاستراتيجيات، وتحضرني هنا حكاية شعبية تقول أن أحد الأعراب باع فرساً أصيلة معروفة وموثقة النسب، وكانت العادات والتقاليد تلزم المشتري أن يعيد للبائع أول مهرة تنجبها الفرس المبيعة، وبعد سنتين أنجبت الفرس مهرة، ورآها بائعها، فذهب بعد ثلاثة شهور من ولادتها لأخذها من المشتري، فنفى المشتري أن تكون الفرس أنجبت مهرة، فأشار البائع الى المهرة قائلاً: هذه هي المهرة، فرد المشتري هذه عجل، فالفرس أنجبت عجلاً، فغضب البائع وقال: أنا أطلبك للحق العشائري، فقال له المشتري: أنا موافق ولكن أنصحك بأن تستشير أحد القضاة العشائريين قبل التقاضي، فذهب البائع الى احد القضاة العشائريين واستشاره في الأمر، فقال القاضي: ان كان الحيل ndash; القوة ndash; قدر الحيل، فرسك تنجب quot; مهير quot;- تصغير فرس للتحبب -، وان لم يكن ففرسك تنجب quot; عجيل quot; ndash; تصغير عجل وهي هنا للتحقير -.
والمتابع لتصريحات ايهود أولمرت رئيس الحكومة الاسرائيلية، وتصريحات كونداليزا رايس وزيرة الخارجية الامريكية قبل عقد قمة الرياض العربية لن يحتاج الى كثير من الذكاء ليرى فيها غطرسة القوة التي يقابلها الضعف العربي.


فأولمرت صرح بأن الأولويات للنواحي الأمنية وللقضايا الانسانية، أي أنه يريد الأمن مع الاحتفاظ بالأراضي العربية المحتلة، وعلى الفلسطييينين خصوصاً والعرب عموماً: أن يتجندوا في خدمة الأمن الاسرائيلي، مقابل تسهيلات انسانية للفلسطينيين، مثل رفع الحصار، وتخفيف الحواجز العسكرية، وتسهيل المرور عبر المعابر والحواجز.


ورايس تطالب العرب بإبداء حسن النوايا من العرب لاسرائيل، وحسن النوايا يتمثل بتطبيع العلاقات العربية مع اسرائيل، واقامة علاقات دبلوماسية معها حتى تطمئن اسرائيل.
والمتابع للصراع العربي الاسرائيلي منذ بدايته وحتى الآن يجد ان اسرائيل لم تطبق اي قرار من قرارات مجلس الامن الدولي أو الجمعية العمومية للأمم المتحدة، وتمارس في الأراضي المحتلة جرائم حرب لم يردعها أحد عنها.


ولم نجد أي من الدول ذات الفاعلية في السياسة الدولية من يضغط على اسرائيل لتطبيق القرارت الدولية، وحتى لتطبيق قوانين حقوق الانسان في الأراضي المحتلة، بل ان قوى عظمى وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية طرحت خططاً ومشاريع للالتفاف على قرارات مجلس الأمن الدولي مثل خطة خارطة الطريق وغيرها، وهي واسرائيل تتهربان حتى من التفاوض على الحل الدائم مما يعني أنهما غير معنيتين بالوصول الى اتفاقات سلام وانهاء حالة الحرب.


بينما نجد التهديدات بالحلول العسكرية قائمة عندما يتعلق الامر بأي دولة عربية، مثل قرار مجلس الأمن بخصوص ارسال قوات دولية الى اقليم دارفور في السودان وغيرها. ومثل القرارات المتلاحقة بخصوص الملف النووي الايراني في حين أن الملف النووي الاسرائيلي غير قابل حتى للنقاش في المحافل الدولية، مع أن اسرائيل معتدية ومحتلة لأراضي دول عربية منذ أربعين عاماً، بل ان منطق القوة فرض حصاراً ظالماً على الشعب الفلسطيني منذ عام مع أن هذا الشعب ضحية للعدوان الاسرائيلي، وأمريكا واسرائيل ترفضان الاعتراف بحكومة الوحدة الوطنية الفلسطينية مع انها حكومة منتخبة، وتمثل كافة الأطراف السياسية على الساحة الفلسطينية، ووجدنا بعض الدول وفي مقدمتها امريكا تقاطع وزراء فلسطينيين بحجة انهم من انصار حركة حماس التي حصدت غالبية مقاعد المجلس التشريعي في انتخابات حرة نزيهة، في حين أنهم يغضون النظر عن وزراء اسرائيليين ممثلين لأحزاب غاية في التطرف، وتدعو الى الطرد الجماعي للفلسطينيين من أراضيهم بمن فيهم الفلسطينيون المواطنون في الدولة العبرية، ويرفضون الانسحاب من أيّ شبر من الاراضي الفلسطينية التي يعتبرونها ndash; أرض اسرائيل التاريخية ndash; فهل التطرف الاسرائيلي مسموح به والتطرف الفلسطيني - اذا ما اعتبرنا التمسك بالحقوق تطرفاً ndash; مرفوض؟.


والفلسطينيون يطالبون بدولة على 22% من فلسطين التاريخية، ومع ذلك فإن طلبهم مرفوض، وحتى النص الذي جاء في المبادرة العربية مبادرة العاهل السعودي المتعلق quot; بإيجاد حلّ عادل لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين يرتكز على قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 194 quot;. يطالبون بشطبه، مع أن قرار مجلس الأمن الدولي 242 الصادر قبل أربعين عاماً دون أن يُطبق ينص على quot; ضرورة ايجاد حلّ عادل لمشكلة اللاجئين quot; فهل تريد أمريكا واسرائيل أن تبقى مشكلة اللاجئين معلقة الى أبد الآبدين؟؟


واذا كانت المبادرة العربية مبادرة العاهل السعودي التي اكد عليها مؤتمر الرياض قد جمدت quot; عربياً quot; خلال السنوات الخمس الماضية، فهل سيعمل على تنشيطها وتفعيلها الآن أم أننا سنبقى ندور في حلقة مفرغة؟؟


واضح ان أمريكا تعيش مشاكل صعبة نتيجة عدوانها على العراق وأفغانستان، والملف النووي الايراني، وأنها تريد الخروج من مأزقها ولن يتأتى لها ذلك الاّ بحل المشكلة الفلسطينية التي تمثل حجر الأساس في صراعات الشرق الأوسط، بل في العالم أجمع، فهل ستنشط الدول العربية لاستغلال هذا الوضع لتحقيق حلّ لهذا الصراع، خصوصاً وأنها تمتلك مقومات قوة كثيرة يمكن استعمالها لتحقيق أهدافها وهي القوة الاقتصادية مثل البترول وغيره أم اننا نبقى خاضعين لارادة أصدقائنا في أمريكا الى ما شاء الله؟؟
فالعلاقات بين الدول تحكمها المصالح، ومصالح أمريكا مؤمنة في المنطقة بالرضوخ العربي، وبضياع الحقوق العربية، وهذا ما لا يمكن ان تسكت عليه الشعوب العربية الى الأبد.

جميل السلحوت