من الدكتاتورية إلى الدميقراطية طريق يبدأ من كركوك و ينتهي داخل قاعة في البرلمان الأوروبي

أنهى مؤتمر بروكسل الخاص بتركمان العراق أعماله يوم 27 مارت المنصرم ، و الذي إستغرق يومين بدأ 26 مارت ، و غادر التركمان على إثره قاعة البرلمان تماماً مثلما دخلوها ، دون أن يغيروا من الحقائق أي شيء ، رغم كل المغالطات التي جاءت في سياق مداخلاتهم و محاضراتهم ، و رغم كل محاولات تشويه ديموغرافية مدينة كركوك و كأن التأريخ يعيد نفسه لكن تحت قناع الضحية و في جلباب تركيا ، و ها قد وجد التركمان الطريق إلى داخل قاعات البرلمان الأوروبي لكن بغطاء تركي.


وقد حضر المشاركون التركمان البرلمان بأغلبية من الجبهة التركمانية و برعاية تركية ، و بأعلام رموزها مستوحاة من العلم التركي ، حيث القمر و بداخله نجمة مع فارق بسيط و هو اللون ، فالعلم التركي أحمر و العلم التركماني أزرق ، و على جانبي العلم خط أبيض للتمويه و إبعاد الشبهات..
المهم لست بصدد مناقشة العلم و دلالاته ، فالكل أحرار في إختيار العلم الذي يشعر بالأمان في ظلاله ، و الرموز التي يحمله العلم و حتى لونه ، لكن ما ليسوا أحرار فيه هو تشويه الحقائق التأريخية و مثبتة في أرشفة عالمية و مصادر تأريخية محايدة و موثوقة ، أن يقول أحدهم أن الكورد هاجروا من الجبال و أستوطنوا كركوك لابد أن نقول عنه أنه جنون حقيقي..


الآن ، ما الفرق بين الديمقراطية و الدكتاتورية؟ و ما الذي يفصل الديمقراطية عن الدكتاتورية ، قد يظن البعض أن ما يفصل الديمقراطية عن الدكتاتورية هي شعرة ، و قد يحمل من يدعي الديمقراطية في دمه بعض مكونات و جينات الدكتاتورية ، و العكس أيضاً صحيح بالنسبة للدكتاتوري!! غير أن الطريق بين الدكتاتورية وصولاً إلى الديمقراطية الحقيقية و تطبيقها و ممارستها تبدأ أحيانا من داخل البيت ، تبدأ من داخل المعاقل كما عشناها و كما جربناها ، و قد نختلف الآن على نوعية الديمقراطية المتاحة الآن في العراق ، لأن البعض يقول أو يدعي أنها ديمقراطية بمواصفات أمريكية ، لكنها في النهاية ديمقراطية و علينا إستغلالها و العمل بها و جعلها في خدمة رفاهية شعوب العراق ، و لا أن نعبأها على شكل رمانات و قنابل يدوية نفجر بها الرؤس البريئة.. و لكن ما لن يختلف عليه إثنان هو نوع الديمقراطية و قدرها في إقليم جنوب كوردستان ، لأنها ديمقراطية كوردية محلية خالصة ، و إن كانت برعاية أمريكية ، لكنها ديمقراطية بمواصفات كوردية ، تماماً كالزي الشعبي الكوردي و التراث الكوردي الأصيل ، تلك الديمقراطية التي لا تفرق بين كوردي و عربي و تركماني و لا حتى آشوري ، و الدليل الأعداد الكبيرة من العرب الفاريين من بغداد و الجنوب ، و الذين وجدوا بين أحضان كوردستان المأوى و الملاذ و الأمان ، و نفس الشيء تماماً بالنسبة للتركمان الذين كانوا مازالوا إخوة لنا ، و أرض كوردستان مفتوحة أمامهم في كل الأوقات و الأزمان ، تماماً كما كانت مفتوحاً لهم منذ تحرير كوردستان عام 1991 و النعم التي تنعموا بها منذ ذلك الحين ، و آخر دليل هو المكتسبات العظيمة التي نالوها بين سطور الدستور الكوردستاني ، الذي منحهم من الحقوق ما لم يكن بإمكانهم أن يحلموا بها إبان حكم الطاغية و لا حتى في ظل أي نظام حكم آخر في أي بقعة من البقاع التي يقطنها التركمان..


فتركيا التي تستميت اليوم من أجل دخول الإتحاد الأوروبي ، عاجزة عن تتخلى من أحلامها التوسعية و هاهي تلعب بعقول التركمان و تدفعهم على معاداة أهل بلدهم ، تركيا التي ترفض أن تمنح الأقليات غير التركية على أراضيها أبسط حقوقهم ، فكيف تصدق و تعطي تركمان العراق حقوقهم ، و هي تستخدم ورقتهم اليوم لإشعال فتيل التناحر و الصراع الأخوي في كوردستان و العراق بشكل عام..


إكتشفت يومي 26 و 27 مارت ، أن الفرق بين الديمقراطية و الدكتاتورية هي نفس الفرق بين الصوت و السكوت ، أو بين الحرية و العبودية ، و ما يفصل الديمقراطية عن الدكتاتورية هو الطريق المؤدي من العراق إلى داخل قاعة البرلمان الأوروبي ، مثل باقي شعوب الأرض المضطهدة ، لكن باب الثرلمان الأوروبي كان مفتوحاً حتى أيام الطاغية صدام ، ليس اليوم فقط ، فلو لم تكن هناك ديمقراطية في كوردستان لما تمكن تركمان العراق إيجاد طريقهم إلى تلك القاعة و رفع صوتهم ، مثلهم مثل شعوب الأرض الأخرى التي من حقها أن تمارس حقها الديمقراطي في رفع صوتها و مطاليبها إلى المجتمع الدولي ، لكن أن يكون الصدق أساس ما يقولون و ليس المغالطات التأريخية و التهم الجزاف و الإدعاءات الكاذبة..
فقبل عام 2003 لم يكن بمقدور أحد من التركمان مثلاً ان يستدل على طريق البرلمان الأوروبي في العاصمة البلجيكية بروكسل ، إلى أن سقط الصنم ، و حتى بعد سقوطه لما كان بإمكان أحد أن يصل إلى أمام باب البرلمان الأوروبي لولا توفر ذلك القدر من الديمقراطية في كوردستان ، بحيث يسمح لكل من يقطن أرض كوردستان أن يمارس حقوقه الطبيعية ، من سياسية و ثقافية و غيرهما ، على عكس عهد الطاغية صدام حسين.. فلولا وجود الديمقراطية لما كان بإمكان أحد أن يسمع صوته للعالم الخارجي ، أو أن ينشط سياسياً بهذه الطريقة و يعارض فقط من أجل المعارضة ، أو من أجل إرضاء غاية في نفس إحدى الجارات..


حضر تركمان العراق إلى بروكسل بحماية و إشراف تركي واضح ، و الدليل غياب الحضور الكوردي عدا ممثل حكومة إقليم كوردستان ، الذي مقره في بروكسل نفسها.. أما الباقي كانوا عبارة عن تركمان ، لكن أيضاَ غلبة أعضاء الجبهة التركمانية كان ملفت للنظر ، و حضور ممثل عن البرلمان التركي و مسؤول شؤون التركمان في البرلمان التركي ، ذلك الحضور غير المبرر ، عدا عن حضور مراسلين و ممثلين عن جرائد و وسائل إعلام تركية أثناء عقد المؤتمر الصحفي في نهاية أعمال اليوم الثاني..


ما لفت إنتباهي إسم إحدى المشاركات في المؤتمر (نرمين المفتي) التي إدعت لأحد الحضور أنها تركمانية، و الإسم الذي إختارته لنفسها كوردي ، و حسب علمي فإن (المفتي) موجودون في منطقة أربيل..
و لفت إنتباهي ايضاً البعض من إخوتنا الأشوريين المعروفين طوال التأريخ بمواقفهم المتزعزعة و غير الصريحة و التي يغيرونها حسب المصالح و الأهواء..فقد قدمت إحدى المشاركات مداخلة قرأتها بشكل سريع بحيث لم تعطي فرصة للترجمة بشكل جيد ، ليفهم الحضور ما تريد قوله ، لأنها أصلاً لم تنظق بكلام موزون ، كلامها كله كان عبارة عن سيل من الإتهامات و الأسطر المسطرة ، و الإدعاءات البعيدة عن الصحة ، و التي كتبت لها بإتقان ، و قرأته ببراعة و لكنة إنكليزية ممتازة..
للأسف الشديد لم يشر أحد من الإخوة التركمان أثناء جلستي المؤتمر إلأى دستور كوردستان و المنجزات التي تحققت لهم من خلاله ، تلك الحقوق التي لم تذكر لهم في أي وثيقة عبر التأ{يخ القديم و الحديث ، و التي لن تذكره لهم حتى تركيا التي يستظلون بها ضد الكورد ، ناسين أن تركيا تستخدمهم كورقة ضد الكورد و ضد التجربة الديمقراطية في كوردستان..


يرفض تركمان العراق تطبيق المادة 140 في الدستور العراقي الخاص بتطبيع الأوضاع في مدينة كركوك ، و التي وضعت بموافقة أغلبية ساحقة و بآلية قانونية و لم تفرض على أحد ، تلك المادة التي تقف بالمرصاد للأطماع التركية ، عليه فهي فقط التي تعطي لنفسها الحق بالتجاوز على إرادة شعوب العراق و النيل من وحدتهم من خلال تحفيز و تشجيع التركمان على التمرد لزرع بذور الفتنة ، و للأسف الشديد ينجذب التركمان و معهم البعض من إخوتنا الآشوريين وراء دخان تركيا ، ناسين أن تركيا هي حجر عثرة في طريق الديمقراطية في المنطقة باسرها..
مع ذلك شخصياً أعتبر عقد مثل تلك المؤتمرات مهمة جدة لعدة أسباب من ضمنها أن من كل الشعوب أن تمارس حقوقها بديمقراطية ، و ذلك بعقد مثل هذه المؤتمرات ، و سبب آخر هو لكي نعرف نحن أيضاً بالمقابل من هو الصديق و من هو العدو ، رغم أن من كان موجود في المؤتمر لم يكن يمثل كل التركمان ، و لا حتى كل الأحزاب ، فهم كانوا بأغلبية من الجبهة التركمانية ، و الجبهة التركمانية لا تمثل كل تركمان العراق..و لا حتى الأخوين الآشورييين لا يمثلون في كل الأحوال كل آشوريي العراق..

فينوس فائق
[email protected]