شهدت منطقة الهرم فى مصر نموذجا جديدا لإستمرار إستفزاز البسطاء فى مصر.. فبينما الناس تتصارع فى سبيل العثور على رغيف العيش يجدون أمامهم مثالا حيا للبذخ والترف الذى تعيشه بعض الفئات الجديدة محدثة الثراء الذين لا يتركون الناس فى حالها فيقتحمون عليهم عزلتهم الإجبارية بتزاحمهم الشديد بسياراتهم الكثيرة التى أعاقت المرور فى كل منطقة الجيزة وفيصل والمناطق التى حولها.. والسبب الزيارة التاريخية للمطربة شاكيرا وغنائها أمام الهرم..

والغناء أمام الأهرامات وكذلك الرقص عادة ما يؤدى إلى كوارث وأكاذيب ليس فقط على الآثار ولكن أيضا على الناس جميعا وليس بعيدا مآسى تقديم أوبرا عايدة و إحتفالية الفرنسى ميشيل جار التى تتبعنا كل ما صاحبها من إدعاءات لا نصيب لها من الصحة مثل الترويج للسياحة فى مصر وملايين العملة الصعبة التى ستجنيها مصر من بث الإحتفالية فى العالم وغيرها من أقوال أثبتت الأيام أنها لم تكن أكثر من محاولة لإمتصاص غضب البسطاء من أهل مصر الذين سرعان ما إكتشفوا سر اللعبة.. وترحموا على الأيام الجميلة خصوصا عندما هاجم ميشيل جار موقف مصر وقضائها من قضية الشواذ الشهيرة..

الأمر تكرر مع شاكيرا ولكن ليس بمعرفة الحكومة هذه المرة ولكن بمعرفة رجل الأعمال نجيب ساويرس وشركة المحمول التى يملكها والقناة الفضائية الجديدة التى يمولها ويهتم بها كثيرا لأسباب لاشك أصبحت معروفة بسبب تأثير الإعلام الكبير على الرأى العام فى مصر.. أحضر ساويرس شاكيرا لتغنى فى مصر أمام الأهرامات وهذا حقه وحق كل الطبقة الثرية القادرة على دفع ثمن التذاكر الغالية، ولكن الحصول على هذا الحق كان يحمل إعتداءا على حق كل مصرى فى الوصول إلى بيته فى المناطق القريبة من منطقة الإحتفال بيسر وسهولة وهو ما لم يتحقق بسبب الفوضى المعتادة المصاحبة لمثل هذه الإحتفاليات الكبرى.. وكأن الناس فى منطقة الهرم لا يكفيهم ما يحدث فى المنطقة من إعتداءات كلاب الأمير تركى على بعض مرتادى فندق موفينبيك بالهرم أو تحول المنطقة ليلا إلى حلبة سباق لسيارات السكارى والضحايا ومنهم العازف الشهير عمر خورشيد..

وبالطبع كان لشاكيرا كل التبجيل والإحترام ليس فقط من منظمى الحفل ولهم أهدافهم المشروعة والمعروفة التى وإن كان أبسطها تحقيق الربح المادى وأيضا إشباع رغبة الأثرياء الجدد فى التعبير عن ثرائهم الفاحش بحضور الحفل المكلف ماديا ما يكفى لإعاشة أسرة مصرية أكثر من شهر مما قد يدفع بعضهم أمام هذا الإستعراض الواضح إلى مزيد من الإرتماء فى أحضان الأثرياء أو تحت أقدامهم أو على الأقل التسليم لهم بكل ما يريدون من أفكار وسلوكيات مادامت قوتهم وصلت إلى حد القدرة على وضع الهرم تحت أمر شاكيرا وكل شاكيرا!!

الغريب أن أحدا من المتباكين على الآثار الفرعونية الذين كانوا يتصايحون بالخوف على الآثار والتأثيرات الضارة الناتجة عن إساءة إستخدام حرم الأثر لم يظهر لهم صوت مع شاكيرا بل أكدت الصحف أن رئيس هيئة الآثار كان فى إستقبال شاكيرا أثناء تشريفها الهرم بمشاهدته!! ويبدو أن الأمر سيستمر إلى أن تصيب منطقة الأهرامات الأثرية كارثة ربما تستدعى تدخل اليونيسكو وربما تشكيل لجنة دولية لإدارة الآثار المصرية مادام الأحفاد ليست لديهم القدرة على حماية آثار الأجداد..

أما الفنانة التى تقاضت عدة ملايين مقابل وصلة الغناء والرقص فإن أمثالها فى مصر مئات وألوف من المغنيات الراقصات الذين يمتلكون نفس القدرة على التعرى والتأوه على نغمات الموسيقى وبالعربى.. وهو ما تدركه شاكيرا نفسها لذلك سارعت بغناء أغنية فيروز quot; أعطنى الناى وغنى quot; قبل أن ترقص فى النهاية على أنغام أم كلثوم وهو نفس ما تفعله كل الراقصات وكذلك عوالم شارع محمد على.. وبالمناسبة عندما أراد محمد على باشا بناء مصر الحديثة قام بجمع الراقصات وإرسالهن أو بمعنى أدق quot; نفيهن quot; إلى المنيا حتى يتفرغ مع أهل مصر لبناء مصر الحديثة.. وكان له ما أراد.. ثم تغيرت الأيام وعاد غزو الراقصات مع شاكيرا فأصبح للراقصات مكانة كبيرة تصل إلى حد فتح قاعة كبار الزوار لشاكيرا وإغلاق الشوارع من أجلها حتى تمتع الفئات الجديدة بينما البسطاء من فقراء مصر ليس لهم غير الوقوف الإضطرارى لمشاهدة المظاهر المصاحبة لتشريف شاكيرا للهرم.. وسط quot; الزفة الكدابة quot; التى يجيدها ولاشك كثير من الأثرياء الجدد ويجنون من ورائها الملايين مثل رجال أعمال الحديد والأسمنت وحديثا الفضائيات التى يوظفونها لتدعيم مكانتهم ومكاسبهم وكذلك شاكيرا.. فهل نصدق quot; كدابين الزفة quot;؟

د. حمدى الجابرى