لمن يعرف طبيعة مدينة البصرة الاجتماعية والحضارية.. يشعر بالصدمة واليأس من مستقبل الديمقراطية في العراق، فالبصرة التي أنتشرت فيها فجأة التنظيمات الدينية المتطرفة التي تحركها المخابرات الايرانية، كانت أبعد ما تكون عن التطرف الديني ومظاهره المتخلفة!
وللقاريء العربي الذي لايعرف البصرة أقول: ان البصرة اكثر مدينة عراقية انفتاحا اجتماعيا وثقافة وحبا للفن، فبحكم كونها مدينة ساحلية وعلى احتكاك مستمر بالحضارات الاخرى، وبحكم الطبيعة الخاصة لسكانها الذين يتصفون بالانفتاح الاجتماعي وحبهم للفن والادب والثقافة عموما، و هي أهم مدينة عراقية على الاطلاق، فهي أهم حتى من العاصمة بغداد بسبب امتلاكها للثروات النفطية وثروات النخيل وكونها الميناء الوحيد للعراق.
فصدمتنا كبيرة لما جرى من تراجع حضاري في البصرة التي كانت تعد قلعة الثقافة العراقية ونموذج رائع في التعايش بين الديانات الاسلامية والمسيحية واليهودية، والمنبع الدائم لإنتاج الابداع الفني والادبي والثقافي، وتقديم نموذج لنمط متطور من العلاقات الاجتماعية المتحضرة تفتقر له معظم مدن العراق.
ماذا يعني فشل التجربة الديمقراطية في البصرة تحديدا؟.. اذ ان فشل الديمقراطية في مدن مثل كربلاء والنجف والرمادي واربيل... قد يبدو مفهوما نظرا لظروف هذه المدن، ولكن دلالات فشل الديمقراطية في مدينة بحجم البصرة وظهور الجماعات الدينية المتطرفة فيها.. تجعل الواحد منا يصاب بالصدمة لدرجة الفجيعة!
فالبصرة تقدم لنا دليلا ساطعا على خطر الديمقراطية على الشعب العراقي وعموما البلدان العربية، وتنسف كل الأوهام الرومانسية عن الديمقراطية والتغني بها كحاجة انسانية ضرورية، وتحل محلها حاجة ملحة الى النظام الدكتاتوري ndash; وياللمفارقة ndash; أصبح النظام الدكتاتوري هو الضرورة للحافظ على البلد والثروات!
والدرس العراقي أكد بما لايقبل الشك ان البشر رغم أنهم متساوون في الحقوق والواجبات والقيمة الانسانية ألا انهم يختلفون من حيث الفروق الفردية كأفراد وجماعات ومواهب وقدرات، فليس بالضرورة كل المجتمعات البشرية قادرة على هضم الديمقراطية وتطبيقها، ونحن هنا لانتكلم عن الحاجة الى التعليم والثقافة والممارسة، وانما نتحدث عن بنية نفسية واجتماعية ثابتة ومتجمدة بوجه التغيير والتحولات الفكرية والاجتماعية!
وعليه يجب على الجميع العودة الى منطق الواقع، وليس الى الأوهام الرومانسية، وامتلاك شجاعة الاعتراف بالفشل والتخلف وعدم القدرة على تطبيق النظام الديمقراطي في العراق، فالعراق ربما يكون بحاجة الى الحرية الاجتماعية الخاصة بحرية أرتداء الملابس والذهاب الى المسرح والسينما واقامة الحفلات وحقوق المرأة وغيرها، ولكنه ليس بحاجة الى الديمقراطية التي أثبتت خطرها عليه.
والحل الذي نكرره دائما لمأساة العراق هو تشكيل حكومة طواريء عسكرية من الضباط المستقليين سياسيا وإلغاء العملية السياسية، فالحفاظ على البلد وحياة الناس والثروات الوطنية... أهم من الديمقراطية وشعارات حقوق الانسان الكارثية على العراق.
خضير طاهر
التعليقات