شحذ الكثيرون ممن يعدون أنفسهم ليبراليين، على مستوى العالم، شفراتهم، لينهالوا على بابا الفاتيكان الحالي، بعد مواقفه الحازمة الشجاعة، الرافضة رفضاً قاطعاً للإجهاض بكافة صوره و أسبابه، معتبرين ndash; أي دعاة الليبرالية ndash; أن الإجهاض حق للمرأة، و أن منع الإجهاض، أو تقييده، إنما هو تقييد لإرادتها، و إعتداء على حريتها، متناسين - و هم من يعدون أنفسهم ليبراليين - حق الجنين في أن يحيا.


لهذا فإن كان كاتب هذا المقال، قد وقف مرة ضد بابا الفاتيكان الحالي، حين صرح بتصريحاته المسيئة للإسلام و رسوله، صلى الله عليه و سلم، فإنه يقف في صفه اليوم وقفة صلبة، بقلمه المتواضع هذا، فلكل قضية موقف منفصل، فالتعميم الأعمى يقود للمواقف الخاطئة غير المنصفة، و ها أنا ذا اليوم أقول بملء في: إنني أؤيد نيافته فيما ذهب إليه في قضية الإجهاض، بناء على قناعتي الإسلامية.


قناعتي الإسلامية، تقول لي بأن الإجهاض محرم على الإطلاق، منذ لحظة تكون الجنين الأولى، أي منذ إندماج الحيوان المنوي الذكري بالبويضة الأنثوية، لأنه كائن حي، و هذا عين ما تأخذ به الظاهرية الميزانية، أحد المذاهب الإسلامية، و أحد فروع المذهب الظاهري.


فالظاهرية الميزانية تحرم الإجهاض على الإطلاق، فهي تنظر للجنين على انه شخص حي بمجرد إندماج الحيوان المنوي الذكري بالبويضة الإنثوية، فتأخر التصوير، أي تمايز الأعضاء، و إتخاذ الشكل البشري المألوف، الأعراف 11، لا ينفي الحياة، و الحياة تعني وجود الروح، أي أن الجنين كائن حي حتى قبل تمايز أعضاءه. بهذه الأدلة لا قبول إطلاقاً ndash; لدى الظاهرية الميزانية ndash; للأخذ بالقول بأن الجنين تبث فيه الروح بعد أربعة أشهر من تلقيح البويضة الأنثوية بالحيوان المنوي الذكري، فلا وسطية في هذا الأمر، فإما حي، و بالتالي به روح، و إما ميت أو جماد، بلا روح.


و بما أنه لا يجوز قتل أي شخص في الإسلام إلا بالحق، الإسراء 33، و الفرقان 68، و بما إنه أيضا يستحيل أن يرتكب الجنين أي ذنب يجيز قتله، فإنه لا يجوز إجهاضه خاصة مع الأمر الإلهي الصريح الذي يحرم على الأمهات قتل أولادهن، الممتحنة 12، و الأمر الأخر بعدم قتل الأولاد خشية الفقر، الإسراء 31، و الأنعام 151، و هذا يشمل تحريم الإجهاض لأسباب إقتصادية، كما ان الإسلام لا يجيز قتل شخص لإنقاذ حياة أخر، فالفردية و المسئولية الشخصية المنفردة من خصائص الإسلام، و الآيات الدالة على ذلك كثيرة منها، المدثر 38، و فاطر 18، و بناء على هذه الثوابت القرآنية فإن الظاهرية الميزانية تحرم الإجهاض على الإطلاق، و لا تقبل أية تبريرات في هذا، حتى لو كان هذا التبرير هو الإدعاء بإن في الإجهاض إنقاذ لحياة الأم، مثلما أيضاً لا تقبل بناء على نفس المبدأ - مبدأ المسئولية الشخصية المنفصلة - قتل الأجنة، أي الإجهاض، في أي مرحلة، لو كان الجنين هو ثمرة جريمة إغتصاب ثابتة الأركان، لأن الجنين كائن بشري منفصل عن أبيه، مرتكب الجريمة النكراء، و ليس من الحق محاسبة الجنين على جريمة إرتكبها أبوه.


كما أن الإحتجاج بجواز قتل الجنين، أي إجهاضه، لمجرد ثبوت تشوهه أو مرضه، أو أي شيء من هذا القبيل، هو إحتجاج واه، لأن من يقبل بذلك، فعليه القبول بقتل المشوهين، و الغاطين في سبات الغيبوبة، و المرضى العقليين، من الأطفال و البالغين، كما كانت تفعل النازية، فالجنين - كما أوضحت هو كائن حي - و لا فارق بين أن يكون داخل رحم الأم، أو بين ذراعيها، و على الأباء و الأمهات، القبول بقضاء الله و قدره.


على إن من الضروري في موقف كهذا، أن أوضح هذا التأييد لموقف بابا الفاتيكان في مسألة الإجهاض، لا ينسحب، على موقف الفاتيكان الرافض لإستعمال وسائل منع الحمل، و التي تحرم إستعمالها، فمن الجائز في الإسلام إستعمال أي وسيلة تمنع الحمل، شرط ألا يكون في ذلك قتل لبويضة أنثوية تم إخصابها بالفعل بالحيوان المنوي الذكري، أي قتل لجنين، و لو كان حجمه لا يزيد عن خلية واحدة، و إلا عد ذلك إجهاض، و هو محرم.


إنني أتمنى أن تضع الدول الإسلامية، يدها في يد كافة المؤسسات الدينية و الإجتماعية، من كافة الأديان و العقائد و التوجهات الثقافية و الإجتماعية و السياسية، و التي ترفض الإجهاض بشكل مطلق، و تقف ضد تقنينه، من أجل مكافحة موجة إباحة الإجهاض التي تلف الكثير من المناطق في العالم بإسم الحرية الشخصية، حماية لحق الأجنة في الحياة.

أحمد حسنين الحسنية

حزب كل مصر