ان الدور المناط بحزب الدعوة الاسلامية، في ظل الظروف الصعبة التي يمر بها العراق، هو دور مركزي يرتكز على اساس الارث الاسلامي، الفقهي والفكري للحزب، المنطلق من فهم عميق للاسلام كدين يقوم على ثوابت اسلامية يحتكم اليها المتحرك في فاعليته، منها كون الدين واحد، يعبر عن الحقائق الكلية التي تمثل الوحي، سواءا اكان الوحي قرآنا كريما، وهو الثابت من حيث مصدره الالهي نصا ومعنى، او كان سنة مطهرة، جاءت لتؤكد ما نص عليه القرآن الكريم، اولتبين وتشرح وتفصل، وقد تكون السنة منشأة للحكم الاسلامي، وان كان دورها هذا نادرا، انحصر في عدد محدود جدا من الاحكام.


في هذا السياق يأتي كلام سماحة اية الله العظمى السيد علي السيستاني ( حفظه الله ) في حديثه مع وفد قيادة حزب الدعوة الاسلامية، الذي زاره بعد مؤتمر الحزب الاخير الذي انعقد ايام 19 و 20 و 21 من شهر نيسان المنصرم، حيث تساءل سماحته عن امكانية ان يحظى الحزب بشعبية توازي ما يمتلكه من فكر يتيح له الوصول الى شتى فئات الشعب العراقي والتفاعل معها ايجابيا، لتقريب وجهات النظر بين المسلمين الشيعة والسنة، مؤكدا ان هذا يتطلب التعريف بمنهج الحزب وافكاره على اوسع نطاق، والسعي لتطوير نظرية الحزب بما يضمن ملاءمتها للتطورات الفكرية التي يشهدها العالم بأسره.


في الحقيقة ان هذا الكلام لم يات منفصلا عن سياقاته التي انطلق منها، التي تمثل منحى متاصلا في عمق الفكر الديني، المنطلق اساسا من ان التعدد المذهبي لا يتجاوز كونه اجتهادا في الوسائل المؤدية الى هدف واحد، هي اصابة الحكم وهذا هو الفهم الذي اسست له المرجعيات الاسلامية على صعيد المذاهب الفقهية، فالمرجعية الرشيدة، ومن خلال الحوزة العلمية في النجف الأشرف وكربلاء والكاظمية، برجالها الذين قادوا مسيرة التـحرير و الاصلاح السياسي والفكري كالشيرازي، والحبوبي، والحيدري، والسيد محسن الحكيم، والشيخ محمد حسين كاشف الغطاء، والشيخ مهدي الخالصي، والشيخ محمد رضا المظفر، والشيخ عبد العزيز البدري، والسيد الشهيد محمد باقر الصدر، و السيد الشهيد محمد صادق الصدر، وغيرهم من العلماء الاعلام الذين خطوا بمدادهم ودمائهم الطريق الى الله سبحانه وتعالى،وايضا على صعيد الازهر الشريف من خلال الشيخين العالمين، البشري وشلتوت، وكان للحركة الاسلامية، وبالتحديد حركة الاخوان المسلمين وحزب الدعوة الاسلامية التي رسمت منهجها العقدي على وفق رؤية اسلامية اصيلة منطلقة من استراتيجية واضحة، هدفت الى تنقية المفاهيم الاسلامية من الاسقاطات التي انسحبت عليها بفعل التراجع الحضاري للامة، ومن ثم اعادة صياغتها باسلوب حركي معاصر، يستطيع ان يؤسس لخطاب جديد ينطلق من ثوابت الدين ويتحرك باتجاه الواقع ليعالجه، وقد اضطلع حزب الدعوة الاسلامية بدور ريادي من اجل تحقيق هذه المهام الجسام عندما عبر وبشكل صادق عن كونه ذراع المرجعية، باعتباره اولا وقبل كل شيء دعوة الى الله تعالى، فقد عرف عن نفسه في احدى نشراته، بالقول ( إن اسم الدعوة الإسلامية هو الاسم الطبيعي لعملنا، والتعبير الشرعي عن واجبنا في دعوة الناس إلى الإسلام. ولا مانع أن نعبر عن أنفسنا بالحزب والحركة والتنظيم فنحن حزب الله وأنصار الله، وأنصار الإسلام، ونحن حركة في المجتمع وتنظيم في العمل وفي كل الحالات نحن دعاة إلى الإسلام، وعملنا دعوة إلى الإسلام)، اما في نظام الحزب الداخلي، فقد عرف عن نفسه بالقول ( حزب الدعوة حزب سياسي يمثل الاسلام مرتكزه الفكري، ويشارك في الحياة السياسية العراقية ضمن الاسس و المباديء المعتمدة في النظام الداخلي للحزب ).
ونحن اذا ما اردنا ان نوازن بين منطلقات الحزب الاسلامية، و مضمون توصية السيد السيستاني، والقبلية المعرفية الاسلامية، فانه لمن الواضح ان مصادر التشريع في الإسلام ثلاثة، هي: كتاب الله وسنة رسول الله (ص) الصحيحة، والاجماع، والعقل، عند الشيعة، ككاشف عن الحكم الشرعي وليس منشا على الاطلاق، والقياس الذي تاخذ به معظم المذاهب السنية بتوسع ويقصر الجعفرية الاخذ به على ما كانت علته منصوصة او جلية، وهو الذي يطلق عليه القياس الجلي، و لا يرى المذهب الظاهري حجة للاخذ به، وعلى العموم فالقياس يرجع الى المقيس عليه ان كان قرآنا فهو قرآن، وان كان سنة فهو سنة، اما من حيث المذاهب، فهي متعددة في تناولها للفروع، تعد الرؤى والاتجاهت الفقهية، فهي أكثر من خمسة وعشرين مذهبا، لم يبق منها إلا ثمانية مذاهب، وهي المذهبان الشيعيان، الجعفري والزيدي، والمذاهب السنية الأربعة الحنبلي والشافعي، والمالكي، والحنفي، و المذهب الاباضي والمذهب الظاهري وان الفقيه او امام المذهب مجتهد، يبذل قصارى جهده في الوصول الى الحكم الشرعي من خلال الادلة المعتبرة لدية، الى الحد الذي يجعله يرى ان ما يقوم به مجز ومبريء للذمة، الا ان الامامية ينظرون الى مؤسس مذهبهم، الامام جعفر بن محمد الصادق (ع) كامتداد للنبوة ليس بمعنى التواصل مع الوحي، ولكن بمعنى الرواية الموثوقة عن رسول الله ( ص ) في مجالي التبليغ والتطبيق، ومن ثم فان الفقيه يصل الى الحكم من خلال فهم النص، وبما ان الافهام متفاوتة، فان ما تفضي اليه متفاوت ايضا، فقد كان الصحابة ( رض )، وعلى عهد قريب من الرسول ( ص ) يختلفون في اصابة الحكم الشرعي، وامثلة هذا الاختلاف كثيرة، منها وعلى سبيل المثال، ما وقع لابن عباس ( رض ) في الحج حول التمتع، اذ قال للمختلفين عندما بين السنة في التمتع وأنه سمعها من الرسول الكريم (ص)، قال : quot;توشك السماء أن تسقط عليكم بحجارة، أقول لكم قال الله، قال رسوله، وتقولون قال أبو بكر، وقال عمرquot;.


فالمذاهب متعددة وان هذا التعدد مغن لوحدة الاسلام، ومعمق لها على صعيد الواقع، فهو تعبير عن حيوية عقلية وعملية، أدت إلى تنوع الآراء ونشوء المناهج في استنباط الأحكام الشرعية وفهم دلالات النصوص، بما يغنى الفقه الاسلامي ويتيح للمسلمين أن يؤسسوا لحوار حضاري ينظر برضى الى اختلاف الآراء والاجتهادات، الذي دل عليه قوله عز وجل { يا أيها الذين آمنوا أطيعوا اللَّه وأطيعوا الرسولَ وأولي الأمر منكم فإن تنازعتمُ في شيء فردّوه إلى اللَّه والرسولِ إن كنتم تؤمنون باللَّه واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلاً، النساء /59 }، اذ دلت هذه الآية الكريمة على امكانية حدوث الاختلاف حول أمر ما، ووجوب الرجوع، عند حدوثه، الى النصوص الثابتة في كتاب اللََّه تعالى وسنة رسوله (ص)، وهو رجوع يقوم على الاجتهاد، وقول النبي (ص) quot; من اجتهد فأصاب فله أجران ومن اجتهد وأخطأ فله أجر واحد quot;، افاد أن اجتهاد البشر ليس صواباً كله، وهذ الادلة النصية الواضحة تثبت وجوب الاجتهاد وتثبت في الوقت نفسه تعدده، ولكن بفعل عوامل دخيلة، تحول هذا التعدد المذهبي إلى فضاء لصراع إضعف الأمة، وقد التفت المسلمون الى خطورة هذا الامر، عندما ضمنوا البيان الصادر عن المؤتمر الاسلامي المنعقد في عمان بالاردن عام 2005م وصية نصت على : إن كل من يتبع أحد المذاهب الأربعة من أهل السنة والجماعة laquo;الحنفي، والمالكي، والشافعي، والحنبليraquo;، والمذهبين الشيعيين laquo;الجعفري والزيديraquo;، والمذهب الأباضي، والمذهب الظاهري، فهو مسلم، ولا يجوز تكفيره، ويحرم دمه وعرضه وماله، وأيضا لا يجوز تكفير أصحاب العقيدة الأشعرية، ومن يمارس التصوف الحقيقي، وكذلك لا يجوز تكفير أصحاب الفكر السلفي الصحيح، كما لا يجوز تكفير أي فئة أخرى من المسلمين تؤمن بالله سبحانه وتعالى وبرسوله صلى الله عليه وسلم وأركان الإيمان، وتحترم أركان الإسلام، ولا تنكر معلوما من الدين بالضرورة. إن ما يجمع بين المذاهب أكثر بكثير مما بينها من الإختلاف، فأصحاب المذاهب الثمانية متفقون على المبادئ الأساسية للاسلام.

حسن العاشور

العراق