كنت بأحدِ المحالِ، لحاجةٍ يتطلبُها المنزلُ، البائعُ كانَ في حالةِ قرفٍ وسخطٍ، يسبُ ويلعنُ، الزمالك يلعبُ مع فريقٍ آخرٍ، جمهورُه أسوأُ بشرٍ، يستأهلُ الحرقَ. سألتَه أليسوا من المصريين؟ لهم نفسُ الصفاتِ والأخلاقِ والطباعِ؟ هل كونُهم زملكاوية غيرَ منهم؟ هل جعلَهم من طينةٍ أخري؟! تعصبُه دفعني لمحاولةِ تقصي جوِ المباراةِ، صراخٌ وشجارٌ وسبابٌ، ما بين اللاعبين ومع الحكمِ، لا كرةَ ولا فنَ، مباراةٌ في سوءِ السلوكِ والنفوسِ.


خرجتُ من المحلِ وأنا أتساءلُ، آإلي هذا الحدِ وصلَ بنا ضيقُ الأفقِ؟ رفضُ الآخرِ أصبحَ طابعَ حياةٍ، في الجيرةِ والعملِ والشارعِ، في كل مكانٍ، احتكارُ الصوابِ سمةُ عقولٍ قَصُرَت عن فهمِ الغيرِ، تجبسَت علي ما فيها. لا غرابةَ إذن إذا ثارَ المئاتُ للتعدي علي أهلِ دياناتٍ أخري، لمجردِ شعاراتٍ موتورةٍ تفتعلُ غيرةً دينيةً وحميةً. هل يُضارُ الإسلامُ بعدَ مئاتِ السنواتِ لبناءِ كنيسةٍ أو أكثر؟! وماذا إذن عن التخلفِ والجهلِ؟ ماذا عن إهدارِ وقت العملِ والتكاسلِ والتخاذلِ؟ ماذا عن الكذبِ والسرقةِ؟ ماذا عن إهدارِ حقوقِ الإنسانِ وأهمُها حياتُِه ومعتقداتُه؟ ماذا عن الانغماسِ في الخزعبلاتِ والخرافاتِ؟ أتهونُ كلُها وتقومُ القيامةُ لبناءِ كنيسةٍ؟!


وضعٌ مأساويٌ، لا نهايةَ له، تبريراتٌ سطحيةٌ مخادعةٌ للهوسِ بالتقاتلِ، عجزٌ تامٌ عن الاتعاظِ من عظاتِ ماضٍ قدمَ دروساً في الهزيمةِ والانسحاقِ بسبِ رفضِ الآخرين، بسببِ العجزِ عن الإيمانِ بتنوعِ البشرِ وأفكارِهم ودياناتِهم. ما أسهلَ ما يتباكون ويتشنجون علي سوءِ المعاملةِ في الخارجِ، علي كلمةٍ أو رسمٍ أو فيلمٍ، ما أيسرَ ما يتناسون ما يقترفونه من خطايا. هل الاجتراءُ علي حقوقِ الغيرِ ودياناتِهم أصبحَت صفةً لصيقةً؟ هل الاقتتالُ لأهونِ سببٍ تأكيدٌ علي عجزٍ عن التأقلمِ مع الحياةِ؟ هل هي ثقافةُ مجتمعاتٍ حجريةٍ قبليةِ لا أملَ فيها ولا رجاءَ؟


ا.د./ حسام محمود أحمد فهمي