فى جميع دول العالم المؤمنة بحقوق الإنسان فى العدل والمساواة والحرية بكافة مشتقاتها ينظر المجتمع للإنسان نظرة حب وتكريم مفادها أنه شريف وكريم وحر ومحترم طالما لم يأت بفعل يخرق به القانون المطبق والمعروف فى تلك الدول التى تؤمن بأحقية الإنسان فى حياة كريمة تتميز بالحرية فى كل صورها شاملة حرية الدين والمعتقد والفكر والرأى والتوجه والجنسية والحركة والتعبير والتمثيل السياسى والعمل الشريف وإصدار الصحف وتأليف الكتب وإقامة المنشآت الإعلامية التثقيفية منها والإخبارية وحرية التنقل والتجارة من تصدير إلى توريد وحرية التعامل مع باقى أفراد المجتمع المحيط به والمجتمع الدولى عمومأ كما تسخر هذه الدول كل قواها الشرعية لحماية هذه الحريات وتأمين المواطن ضد اخطار الإرهاب والسرقات والأمراض وأخطار التجهيل والتغييب بما تنشره من عوامل توعية بين مواطنيها لأن هذه الدول آمنت أن المواطن الحر الكريم الآمن القوى الصحيح البدن والعقل والمتعلم والباحث والمثقف هو عماد البلد وهو كيانها الذى تقوم عليه وبغير هذا المواطن يفقد الوطن معناه ولا تصبح للحياة قيمة تذكر0


على النقيض تمامأ فى عالمنا العربى الميمون والذى من المفترض أصلأ انه مهد الرسالات السماوية ومنبع الخير والحب والسلام لكل الإنسانية على ربوع أرض الله وتحت سمائه ولكن ndash;للأسف--- فإن المواطن فى بلادنا العربية متهم دائمأ حتى لو لم يفعل ما يخالف به القوانين والأعراف وذلك بسبب الأنظمة الإستبدادية التى تنمو وتترعرع وتتغذى على مقدرات هذا المواطن الذى يعانى الأمرين فى كل مؤسساتها من مؤسسات التعليم إلى مؤسسات الصحة إلى مؤسسات الشرطة والأمن وغيرهم يعامل المواطن كمتهم وينتظر منه أن يثبت لمن حوله أنه طيب ومسالم وشريف ويحب الناس ولا ينوى الإضرار بالآخرين وأن قصده شريف وأنه يسعى فقط للحصول على لقمة العيش المرة ولا يطمع فى أكثر منها وليس من مخططاته أن يطمح لمنصب معين أو يضع عينه على شىء معين ويسعى للحصول عليه فكل هذه محظورات يقف الإستبداد وأعوانه حاجزأ بين أى مواطن وبين تحقيقها بما شرعوه من قوانبن تعجيزية وبما وضعوه من نصوص وبنود تجعل المشروعات ضربأ من ضروب الخيال والأحلام فى مستقبل أفضل شكلأ من اشكال الأساطير والخرافات
لماذا يتعمد الإنسان العربى التفتيش الدائم والمستمر فى قلوب من حوله والمحاولة المستميتة للوقوف على ما يفكر فيه الآخر وما ينوى عليه؟ بل لماذا يتهم كل منا الآخر فى دينه وعقيدته وفكره ورأيه بمجرد الشعور أنه يخالفنا وأن له إتجاهأ مغايرأ وأنه يستعمل عقله ولا يرضى أن تملى عليه الأفكار لكى يبتلعها إبتلاعأ كما يبتلع السمك طعم الصياد فيصطاده ويأكله؟ لماذا نعادى كل صاحب فكر متحرر عن طبيعة تفكيرنا التى ورثناها ونكيل له التهم ونصفه بأقذع الصفات وأبشع الألفاظ؟


ما السر فى أن معظم العرب قد ألهوا أنفسهم وجعل كل منهم من نفسه قيمأ على غيره يحاسبه ويؤدبه فى أى وقت ويتهمه ويطلب منه الدفاع عن نفسه وتبرير موقفه وتقديم الأدلة التى تثبت براءته ndash;لماذا ومن أنت؟ ومن كلفك بذلك؟ وما هذا التفكير العجيب الجاسم على العقول والقلوب؟ ألم يحن الوقت بعد فى القرن الواحد والعشرين أن نتحرر ويعيش كل منا فى حاله يبحث عن رزقه وأعماله تاركأ شأن القلوب وما بها والعقول وتفكيرها لله خالق القلوب والعقول والمطلع على كل ما فيها من أسرار؟


كل إنسان فى عالمنا العربى تحديدأ يريد من أخيه الإنسان أن يقدم له كشف حساب بأعماله وأفكاره وآرائه يومأ بيوم أو حتى ساعة بساعة والعجيب أنه ينسى أنه هو أيضأ مطلوب منه تقديم نفس هذا الكشف لآخرين ينتظرونه هو أيضأ لتفتيش قلبه والوقوف على أعماله وأفكاره وماذا قال وماذا فعل وما هو معتقده فى كذا ولماذا فعل ذلك ولم يفعل ذلك؟


محمكة تفتيش منصوبة داخل قلب كل منا ويا للعجب تفرغ كل منا لرصد أعمال الآخرين ونسى هو ما قدمت يداه وما ارتكبت من معاصى وآثام وتفرغ لمحاسبة أخيه الإنسان بأسلوب مقزز يجعل الحياة تمر صعبة ركيكة وخالية من الحكمة والإبداع لما أصاب العقل من قيود وراثية ونظرات شخصية وسلوكيات طائفية تجعلنا نتأخر عن ركب الحضارة ولا نجارى أقل الأمم شأنأ فيما وصلوا إليه من علم وتكنولوجيا وفكر وفلسفة وثقافة0
إن الله تعالى قد خلق العقل لكى يفكر ويبدع ويخترع وينعم بلذة الحياة التى حباها الله له وخلق القلب لكى يحب ويجيش بالعواطف ويحس ويبكى عند اللزوم وخلق العينين لكى ترى إبداع الله فى كونه وعظمة الله فى خلقه وخلق اللسان لكى يعبر وينطق ويتكلم ويوضح ويظهر ما خفى عن الآخرين ويتفلسف ويقول ويبدع القول، وخلق اليدين للعمل والعلم والكتابة والتأليف والتعبير وتوصيل الحقائق للناس بغير بخل أو حقد وخلق القدمين للسعى على الأرزاق والحركة من أجل صالح الإنسان وصالح البشرية كلها.


لم يخلق الله تعالى هذا الملكوت العظيم فى كل جسد بشرى لكى يقهر ويذل ويمنع من التفكير والتعبير والقول والرأى والحركة لا فما قيمة الحياة إذا حرم الإنسان من حريته بمختلف أنواعها وإذا حرم من كرامته وإحساسه بكينونته التى منحها له علام الغيوب سبحانه0


إننى أنادى من هذا المنبر برفع الإيدى والرعب والإرهاب عن الناس حتى يستطيع كل منهم التعبير عن نفسه وفكره ورأيه ومعتقده غير مكره على شىء ولا خائف من أحد ولا عامل أى حساب لشخص سيسجنه أو يقهره أو يذله لمجرد أنه يعبر عن رأيه وفكره ومعتقده فى كل مكان وعلى كل الصفحات وهو حق طبيعى كفله الله للإنسان الذى جعله الله خليفة فى الأارض فكيف يكون خليفة وهو مقهور أو مسجون ظلمأ او مجبور على شكل معين من الرأى والفكر والأإتجاه أو حتى الدين0


فليرفع كل منا يده عن أخيه ولنترك الحساب لرب السماوات والأرض وما بينهما وما تحت الثرى فليس من حق المخلوق محاسبة أخيه المخلوق ولا التفتيش عن محتويات قلبه ومكنونات عقله وطبيعة فكره، ولن ننهض ولن نرتقى إلا إذا حذونا هذا الحذو فليخرج كل منا أنفه من قلب وعقل وعمل أخيه الإنسان0


حسن أحمد عمر
كاتب مصرى
http://abohamdy.blogspot.com
عاشق الحب والسلام

لقراءة مقالات اخرى في ايلاف