برغم من انتظار الاشوريين الى عام 1917 لاتخاذ موقف من دعم الحلفاء ضد الدولة العثمانية، الا ان الاشوريين وخصوصا من السريان والكلدان القاطنيين في المناطق الداخلية في تركيا الحالية وخصوصا الساكنيين خارج اطار حكاري التاريخية تعرضوا لمذابح كبيرة طالتهم ايضا وليس الارمن فقط وهذا يثبت ان المذابح لم تكن موجهة ضد الارمن لمطالبهم القومية بل ضد كل المسيحيين وخصوصا الاشوريين من السريان والكلدان و كذلك الاغريق ولعل من المفارقات في هذا الامر نسيان الجميع ان فتوة مفتي تركيا بقتل الكفار كانت قد صدرت منذ خريف عام 1914، ولعل ارتكاب المذابح بحق الاشوريين وهم لم يتخذوا موقفا هو الذي اضظر الشهيد مار بنيامين شمعون ومجلس قيادة العشائر لاتخاذ الموقف في اخر سنة من الحرب العالمية الاولى. كما انه للتذكير فقط فان مواطنيننا العثمانيون كانوا ينتقمون من المسيحيين في اعقاب كل هزيمة تلحق بالقوات العثمانية في حربها مع الاوربيين، وكما لو كان مواطنيهم المسيحيين هم السبب في الهزائم المتكررة.

ان خداع الحلفاء ومنهم بريطانيا لشعبنا الاشوري ابان الحرب العالمية الاولى لا يعني البتة عدم البحث عن الحلفاء وخصوصا ونحن نرى الاستهداف الدائم لنا كمسيحيين من اطراف متعددة متخذين الاسلام غطاء لهذا الامر، فبريطانيا وعدت العرب بدولة قومية واحدة الا انها لم تفي بوعدها لهم ووعدت الكرد ايضا وقد صدرت اتفاقيات لضمان حقوق الاشوريين والكورد ولكن هذه الاتفاقيات نقضت باتفاقية لوزان لعام 1923 فهل علينا السكوت واللطم وانتظار رحمة الله والله يقول اطرقوا لكي يفتح لكم، ام علينا البحث الدائم لحل الاشكاليات التي تصادفنا، وهنا نحن لا نصادف اشكالية عادية بل استهدافنا في الحياة وهو اخر خط للدفاع عن الذات، وفي مجال بحثنا عن مخارج لاشكاليتنا العويصة، لم نطالب باخذ ما ليس لنا، او الاعتداء على حقوق الغير، انها طروحات سياسية تطرح وتناقش وتطور، وهذا البحث الدائم عن الحل لم يكن يوما عدائيا الاهم اذا اعتبر مجرد البحث عن الحلول اعتداء على حقوق الاخرين والذي اعتبرونا ذمة من الله في يدهم..

برغم من وقوف الاشوريين كشعب موقف الحياد اي لم يدخلوا الحرب التي اندلعت بين الكورد والحكومة العراقية ايلول 1961 بشكل شعب او تنظيمات سياسية قومية، الا ان نتائج الحرب كانت وبالا عليهم لان اغلب قراهم دمرت واحرقت وتم سلب كل ممتلكاتهم من قبل قوات المتحالفة مع الحكومة حينذاك، واضطروا للهجرة الى المدن وهم لا يملكون شروى نقير، ولمن يتذكر احوال ابناء الشعب في تلك الايام سيدرك المعاناة التي عانوها لكي يتمكنوا من بناء ذواتهم من نقطة الصفرة مرة اخرى ودون ان تمد يد لمساعدتهم في محنتهم هذه.

في الحرب العراقية الايرانية والتي اشعلها النظام العراقي لاجل تحقيق طموحات مريضة، شارك ابناء شعبنا باداء واجبهم العسكري كمواطنين عراقيين وقدموا التضحيات الجسام ويقدر عدد ضحايا من ابناء شعينا بما يقارب الخمسون الف بين قتيل ومفقود وجريح وما يقابلهم من الفتيات ممن بقوا بدون زواج وما ادى اليه ذلك من التاثيرات الديموغرافية السلبية لشعبنا، وهذا كله لم يفيدهم في تخليص ما تبقى من قراهم وكنائسهم واديرتهم التاريخية من التدمير والحرق اعوام 1977 _1988 وكانت بحق ثروة وطنية قبل ان تكون ثروة مسيحية مشرقية.

لم تكن طروحات احزابنا وشخصياتنا السياسية قد خرجت للنور عندما طالبوا ابناء شعبنا لكي يذهبوا الى جورج بوش الاب لكي يمنحهم حصتهم من الارزاق والمواد الغذائية بعد اندحار القوات العراقية من الكويت عهام 1991، و لم تكن طروحات احزابنا السياسية عند بدء حرق الكنائس وخطف ابناء شعبنا والمطالبة بالفدية وتهديدهم نهارا جهار وعندما قامو بالاصطياف الالافي في دول الجوار قد طرحت ما بات يؤرق بعض سياسينا ورجال ديننا ممن يطالبوننا بان تكون طروحاتنا وطنية،ولا ادري ما هو مقياس الوطنية لديهم، هل هو السير خلف شعار الوحدة العربية التي لم تتحقق ولن تتحقق. لان الدول العربية كلها الان مشغولة للحفاظ على ذاتها من التقسيم الذي قد يطالها بسبب سياسات حكامها وليس لاي سبب اخر.

اذا كان للعربي وللكردي وللتركماني موقع في العراق فان العراق باطنه واسطحه كله يذكر شعبنا بما كان لهم فيه، فمن كرخ ميشان (البصرة) وميشان (ميسان) وقاديشتا (قادسية) وعاقولا (الكوفة) وبابل وبيتغدا (بغداد) وبلدا (بلد) وتغريت (تكريت) مرورا بنينوى وسهلها وقرانا المرصعة لوديان كردستان العراق كلها تذكرنا بعراقنا، وبتاريخنا الذي سطرناه في العراق كله، ولكن هذا شئ والاضطهاد الذي عانينا منه شئ اخر، اننا نحب العراق لاننا ابناء اصليون له، وهذا لن يتمكن احد من نكرانه، فنحن الوحيدون الذين لا زلنا نحمل نفحة الاستمرارية الازلية لسكان هذا البلد، ان وطنيتنا ليست مصطنعة بل نابعة من حقيقة الانتماء اليه انتماء وجدانيا.

لم نطالب بشئ وقد ذبحونا واحرقوا كنائسنا وفرضوا قيمهم علينا وسدوا ابواب الرزق امامنا، لا بل حاربونا وشككو في انتماءنا للوطن بسبب ديننا المشترك مع من يدعون انه عدوهم، انها تكرار لما قالته الامبراطورية الفارسية والساسانية لنا لاننا اشتركنا في الدين مع الروم، ولم يقولوا لنا لماذا هم اعداءهم؟، هل لانهم حرروا الاندلس الجنة الاسلامية المفقودة؟

نحن قلناها وهم يعرفون كل المعرفة اننا ابناء هذه الاصقاع لا بل انقى ابناءه ممن لا يزالون يتواصلون مع الماضي السحيق، اننا قد نشترك معهم بالاجداد، لا بل بالميراث الحضاري، لا بل بالكثير من العادات والتقاليد الاجتماعية وحتى السحنة والاوربي اذا قابل اي منا فهو لا يفرقنا عن بعضنا البعض، فنحن اقرب اليهم من قربنا للاوربي، ولكن كل هذا لا يغفر لنا لاننا مسيحيين كفرة، وفي احسن الاحوال اهل الذمة، اي اشياء اشياء هي ذمة في يدهم، وهم احرار في التصرف بهذه الذمة، وهل كان العبيد في عصر العبودية الا ذمة في يد صاحبهم.

لقد ثبت بالملموس ان نظام الحكم والدولة المقامة على اساس المركزية لم يعد النظام الملائم للحكم في العراق، واذا كان السنة والشيعة يرتضون اليوم الفدرالية لكوردستان العراق، فهم وبالاخص القوى السنية القومية والمتلحفة برداء الدين يعادون الفدرالية فكرا وممارسة ولكن موازين القوى تفرض عليهم هذا القبول وهذا يدركه الاخوة الكورد لذا فهم يطالبون بضمانات جادة وحقيقية للفدرالية. ان الدفاع عن النظام المركزي السابق يعتبر بحق دفاعا عن النظام الاوتوقراطي في العصر الديمقراطي، فنظام الدولة المركزية الشديدة لا يلائم الدول المتجانسة القومية مثل المانيا وغيرها فكيف يلائم بلدا غنيا بشعوبه واديانه ومبتلي بحروب داخلية منذ تأسيسه ولحد الان، اليس من الواجب التفكير ولو قليلا بالحد من الانتحار الحماعي هذا والمستمر منذ ستة وثمانون عاما.

ان مطالبتنا بالحكم الذاتي هي مشاركة فعالة في بناء الوطن على اسس راسخة من قوانين تضمن حقوق الجماعات والافراد، هذه الحقوق التي يدرك الجميع انها كانت بالنسبة لنا امل بعيد المنال والان وبرغم التحسينات الدستورية الا ان الواقع وما نعانية يلغي كل تحسين، بل ان موقف القوى السياسية بغالبيتها يعادي التحسينات في الدستور ويريد الرجوع الى الوراء واعادة التجارب الفاشلة في افغانستان وايران والسودان والسعودية وغيرها من الدول التي اصابت نفسها بداء الجمود والخمول وبالثوابت التي لا يقرها المنطق الانساني، ان هذه القوى تريد تغيير الوجوه فقط ان كانت تريد هذا التغيير.

وبرغم من ان الاشوريين ينطلقون من مطالبهم من الاساس القومي، الا ان المجتمع والاحزاب الاسلامية والثقافة السائدة لا تزال تنظر اليهم كمسيحيين ومنطلقين من اسس اسلامية في هذه النظرة وبالتلي التعامل معنا كاهل الذمة وعلينا تقديم الشكر والامتنان لهم ليل نهار لانهم قبلوا استمرارنا على ديننا كل هذه السنين.

نعم يحب ان لا نكون خياليين وان ندخل الامور الواقعية والمستجدات السياسية في حسباننا، فكفى بالله عليكم التغني بالاخوة فنحن اول من يحترم الاخوة ويضحي من اجلها، ولكن لتكن الاخوة اذا كانت هناك من اخوة مشرعة بقانون يثبت حقوقنا المتساوية كافراد وكشعب مع بقية مكونات العراق القومية والدينية، ومن هذه الحقوق ان يمكننا اخوتنا المحافظة على ثقافتنا التي هي بالاصل ايضا ثقالفتهم وهي ليست مستوردة من اي بقعة من الارض، وان يمكنوننا من ان ندير امورننا، وان يحترموننا كما نحن كما يطالبوننا باحترامهم.

لم تكن السياسة في يوم من الايام مجال من مجالات الثقة، فالسياسة هي الممارسة التي تعبر عن المصالح والدفاع عن هذه المصالح، وبالتالي فالثقة والسياسة امران متناقضان، ان السياسة هي مجال استشراق المصالح المشتركة لتحقيق الاهداف المشتركة، ولذا فالمطلوب اليوم للحفاظ على العراق بلدا موحدا وقابلا للتطور ومتمتعا بالاستقرار السياسي والاقتصادي وبلدا مسالما، العمل جميعا لتقديم تنازلات علما ان هذه التنازلات ليس من الاملاك الخاصة، بل هي الحلول الوسطى التي يتوصل لها كل العراقيين لاجل ان يكون مواطنهم العراقي انسانا حرا مستقرا فاعلا. يقال ان السياسة الخارجية لاي بلد هي مرءاة سياسته الداخلية، فالحروب المتتالية التي دخلها العراق هي نتيجة لازمته الداخلية التي استفحلت وبقت بدون حلول منذ امد طويل، وحين يكون للعراقيين افرادا ومكونات، نساء ورجالا، اديان وقوميات صوت موحد ومتساوي في صناعة قارا بلدهم فحينها لن يكون بلدا مأزوما بكل هذه المشاكل مع الجيران ومع العالم.

تيري بطرس

[email protected]