يعتبر التشبه بالكفار( اليهود، والنصارى وغير الوهابيين عموماً)، واحدة من الكبائر العظام التي يحذر منها وعاظ السلاطين سدنة أولي الأبرار الميامين الطهار، وفي محاولة حثيثة مستميتة لا تخلو من خبث ومكر ودهاء، لإبقاء هذه المجتمعات على ما هي عليه من جهل وتهافت وتواضع وانحدار إلى أبد الآبدين. ولكي لا تشب هذه الشعوب، وتخرج عن الطوق المرسوم لها من قبل كهنوت التعتيم ومؤسسة الإظلام. فالتشبه بالكفار، ولاسيما الغربيين منهم، وفي إحدى معانيه، سيعني تفتح العقول والوعي، وعدم التسليم إلا بحكم المنطق، وانطلاق الأدمغة من كثير من الأغلال، والقوالب الجامدة الصماء، التي وضعهم فيها الفقهاء تاريخياً، وأبقتهم في حال يؤسف له، ووضع ميئوس منه، على كافة الأصعدة والجبهات. وهو سيعني، بالمآل، مزيداً من الديمقراطية، وتداول السلطات، والانتخابات الحرة النزيهة، واحترام الحريات، وحقوق الإنسان، وتحريم التعذيب والاعتقال التعسفي، وتقديس المبادرات الفردية والعلم والتقيد بالوقت والمواعيد، والرفاهية والازدهار، والعقلانية في الطرح، والتخفيف من الغلو والتطرف والإرهاب، وغزو الفضاء، لا غزو القبائل للقبائل، والجيران للحصول على الغنائم والسبايا والعبيد ونهب الثروات والخيرات.

كما سيعني الموضوعية بشكل عام، وإدراك أهمية الوقت والثانية والعمل المبدع الخلاق في حياة الإنسان، فيما يهدر المسلمون أعمارهم بالانقطاع عن العمل، وهدر الزمن من دون طائل، والدعاء لرب السماء والحلم وانتظار ليلة القدر ومصباح علاء الدين السحري، والتضرع للغيب والأقدار والأمطار، لكي يحن عليهم قراصنة الأوطان بمكرمة تبث فيهم الأمل بالحياة ويغدقوا عليهم بعض الفتات مما تبقى من نهب وفضلات. ولذا ترى من يستجيب لدعوة عدم التشبه بالكفار الإيمانية الخالصة، ولوجه الله، وقد أضحى شبه كائن حي، مشلول الإرادة، وشبحاً قادماً من عصور غابرة، وأزمان ميتة لا علاقة له البتة بما يجري من حياة وتطورات على كوكبنا. وتراه منبوذاً، وعاجزاً عن التأقلم مع مختلف صنوف النشاطات التي تطلبها الحياة المعاصرة وهو يحاول تقليد ذاك السلف البدوي في سلوكه وتفكيره حين صدر لنا حضارته العظيمة في القرن السابع الميلادي.

ولكن هل يستطيع المسلم اليوم، ولو حاول، إلا أن يتشبه بالكفار، ورغماً عنه، ومتنكراً، بآن، لدعوة أولئك الفقهاء؟ وهل بإمكانه أن يهرب من هذا القدر الذي كتبه عليه الكفار، والذي يشعره بعقدة الذنب والألم على الدوام؟ وعلى العكس من ذلك تراه، وحتف أنفه، مضطراً لتقليد الكفار في كل شيء يومياً عشرات المرات حيث يسطو على حضارة الغرب quot;الكافرquot;، ويعيش طفيلياً على منجزاته ومخترعاته وإبداعات أبنائه وتضحياته، ولا جزاء ولا شكوراً، طبعاً، بل تشف وغي وضلال؟ فمثلاً يحاول نجوم الإسلام السياسي اليوم، وشيوخه الأبرار، جاهدين، الحصول على فيزا للدخول إلى باريس ولندن ونيويورك quot;معاقل الكفرquot; والردة والانحلال الأخلاقي العام، وديار الكفار. وتراهم يقضون نصف أعمارهم في طائرات الجامبو التي أطلق شرارتها الأولى الأخوان الأمريكيان الكافران quot;رايتquot;، لحضور مؤتمرات للم شمل القبائل والعشائر والبطون المتناحرة والأفخاذ المترافسة في عموم العالم العربي والإسلامي، في مؤتمرات وندوات تجميل وإخراج عمليات القتل والنحر والتفجير والانتحار، ويتهربون من إدانتها على الملأ، وينفقون ملايين الدولارات البترودولارية لتجميل صورتهم المتواضعة والمهزوزة، والتي لا تسر الحال في جميع القارات.

فهل يستطيع العرب والمسلمون، مثلاً، أن يتخلوا عن استخدام الأسلحة، التي اخترعها الغرب، لتصفية بعضهم البعض، ولشن حروب الطوائف والمذاهب والممالك؟ وترى أحد كبار زعماء quot;المجاهدينquot; وشيوخ القتل، وقطع الرقاب وهو ينفث سمومه القاتلة ضد بني البشر، ووراءه الكلاشينكوف الروسي الذي اخترعه الشيوعيون الكفار والعياذ بالله. وترى الفقيه المليادير والداعية الجليل تاجر الفتاوي الشهير وهو يجلس في استوديو مكيف، أرضيته من الرخام الإيطالي، ومن على أثير قمر الهوت بيرد، ولا يقبض إلا باليورو والدولار ويحرم التعامل بالدينار، ومن خلال ميكروفون أمريكي، وعلى سجادة quot;فارسية مجوسيةquot; حبكتها أنامل الروافض، quot;منجعصاًquot; على كنبة مخملها فرنسي، وخشبها هندوسي، وعمامته من حرير ناعم طبيعي نسجته ماكينات الشيوعيين والبوذيين الصينيين، وأستغفر الله، وهو يرغي ويزبد مهدداً كل تلك الحضارات والبشر بالفناء والزوال، وبقائه وحيداً بعد انتصاره النهائي عليهم، وفتحه للقسطنطينية وروما، وإعلان دولة الخلافة الموعودة، حيث ستمتلئ الدنيا عندها، كما سالف الزمان، بالظلم والجور والاضطهاد، وستعج وقتذاك، وبمشيئة الله وحمده، بلاطات الخلفاء، ورثة الله وممثليه على الأرض، بالجواري والصبيان والنسوان والعبيد والغلمان والسبايا العذراوات الأسيرات من بلاد الكفار. وهل يستطيع العرب والمسلمون التخلي اليوم مثلاً، عن الموبايل، والهاتف، والتلفزيون، والطائرات، والسيارات، والإذاعات، والتلفزيونات، والإنترنت، والكومبيوترات، والبلاستيك، والدواء، والغذاء،...إلخ، والأهم من ذلك كله البنوك، التي يتحكم بها الغرب من الباب إلى المحراب، والتي يهربون إليها ما جنته أياديهم من نهب وإفقار للعباد، والعودة بعد ذلك كله إلى عصر البعير والناقة والغزوات والصحراء حيث شح المياه وندرتها وتواضع العلوم يضطره للاستعانة ضد كل شيء ببول البعير، المادة العضوية الوحيدة المتوفرة في البيداء، والتبرك ببول الرسول، للبقاء على قيد الحياة، حسب آخر فتاوى عباقرة الإفتاء.

لقد تشبه العرب والمسلمون طوال تلك القرون المريعة النكداء بأسلافهم البدو الغزاة الرعاة، من مدمني البول وفحول تعدد الزوجات وتفخيذ الرضيعات، وطبقوا فتاويهم الطيبة السمحاء بالقتل، والغدر، والنحر، وقطع الرأس، وتحليل الأعراض والأموال والدماء وفض البكارات، واستباحة الممتلكات باسم الله، واحتقار النساء، وتطبيق الرجم، وازدراء الأقليات، وتكفير الناس، وأدلجة الجنس والحيض والنكاح والجماع...إلخ، فماذا كانت النتيجة؟ مجتمعات هشة جوفاء متآكلة تعيش الفقر والجهل والأمية والاستبداد وينخر فيها سوس الانشطار، وتسرح وتمرح فيها أوبئة الحقد والطائفية والمذهبية والعشائرية والغل والكراهية، وتتهددها بالانفجار والاضمحلال.

والسؤال لماذا لا يحاولون التشبه ببعض من قيم الكفار العظيمة، والتي ساهم تبنيها في بناء أعظم الحضارات الإنسانية قاطبة، حتى الآن، ولو لمرة واحدة في الزمان. ويرموا عن كواهلهم كل ذاك التاريخ والتراث المعمد بالأسى والدم والمرارات والنزاعات، ويتحرروا من أوهامهم العنصرية الفارغة بأنهم خير أمة أخرجت للناس، ويتبرؤوا من كل تلك التركة الثقيلة والتراث الذي تركه لهم quot;السلف الصالحquot;، وجلب لهم ذاك الكم المفزع من الحروب والكوارث والمآسي والأزمات والخراب، وجعلهم في حال دائم من الذل والعجز والهزيمة والتخاذل والضعف والانحطاط والهوان.

نضال نعيسة
[email protected]