العلاقة بين البلدين السوري واللبناني لم تعد قاصرة على الجيرة الجغرافية ورابطة الاخوة التاريخية فقط، فبفضل النظام السوري وعونه، تطورت تلك العلاقة وتحولت الى علاقة ظالمة بين تابع ومتبوع، علاقة فرضت اجندتها فرضاً على لبنان، لتصبح المحافظة رقم 15من القطر السوري، وبالتالي اصبح المصير المشترك للبلدين مرتبطاً كلياً بمصير النظام السوري.

بعد اكثر من اربعة عقود في سدة الحكم، اصبح النظام الشمولي السوري يتحكم بمصير كل الكائنات الحية والجامدة وكل مرافق الحياة في سوريا، ومن الطبيعي ان يكون وجوده الطويل في لبنان قد ترك نفس الاثر على الساحة اللبنانية وان لم يكن بنفس القوة، فالشقيق السوري الاكبر لم يبخل في الماضي ولن يتوانى في المستقبل بالتدخل في شؤون شقيقه الاصغر اللبناني والتحرش به والعمل علىquot;تكسيرهquot;، حيث لا يزال الوجود السوري الفعلي قائماً على الساحة اللبنانية، بالرغم من مرور عامين على انسحاب الجيش السوري، سواء عن طريق حلفاءه من اللبنانيين اللاوطنيين الذين يعمدون لشل الحياة السياسية والاقتصادية في ربوع البلد اللبناني، او عن طريق التدخل المباشر والعنيف للنيل من رجال السيادة والاستقلال من قوى 14 اذار، من خلال عمليات تصفية وحشية، وبدون ادنى شك، لن يستقر لبنان دون استقرار سوريا ولن يتحرر لبنان دون تحرر سوريا، والطريق الى لبنان امن ومستقر ومتحرر يمر حصراً عبر دمشق وتحرير الشعب السوري من هيمنة النظام السوري الاستبدادي.


ما يتعرض له لبنان، البلد الجميل، من هجمة شرسة منظمة، عبارة عن استحقاق وضريبة متأخرة الدفع لفاتورة السيادة والاستقلال اللبناني، والتصعيد الاخير في مخيم quot;نهر الباردquot; الفلسطيني شمال لبنان واغتيال النائب اللبناني وليد عيدو، ليس اكثر من حلقة في مسلسل طويل من الانتقام الجاري منذ فترة على الساحة اللبنانية، ولن يتوقف هذا المسلسل الا بانتصار الشعبين اللبناني والسوري معاً على النظام السوري.

سبعة اعوام من حكم بشار الاسد، والاستفتاء الرئاسي الاخير وما بعدها وما قبلها من اعتقالات تعسفية بحق المعارضين السوريين، قطعت الشك باليقين في طبيعة النظام السوري وتوجهه، لتتبخر على صخرة الحقيقة التاليةquot;لاتغير ولا تبديل في سياسة الحزب الواحد والقائد الاوحدquot; احلام المتفائلين بحدوث تغيير ولو طفيف في الحياة السياسية السورية، امام هذه الحقيقة تبقى فصائل المعارضة السورية امام خيار واحد فقط لاغير، يتطلب الحسم، والكثير من الجراءة والتضحية على الطريقة اللبنانية، فالخصم هو نفسه، والمعاناة هي نفسها، والمصير هو نفسه، والحل هو نفسه في كلا البلدين.

المعارضة السورية تتحمل مسؤولية كبيرة لما يحصل في كل من سوريا ولبنان، كونها لم تحسم امرها بعد، ولا تزال في حالة تخبط لا تنسجم وطبيعة المرحلة الخطرة والحساسة التي تعصف بكل من سوريا ولبنان، ومهما كانت حجج هؤلاء ومبرراتهم، فهم بصورة او اخرى، يساهمون في استمرار محنة الشعبين السوري واللبناني.

بعد اقرار المحكمة الجنائية الدولية الخاصة بمقتل الرئيس رفيق الحريري، الفترة القريبة المقبلة تعتبر فترة امتحان صعبة وقاسية ليس فقط للنظام السوري ومدى قدرته على المقاومة والتمسك بالسلطة والبقاء في سدة الحكم، بل الامتحان الاصعب بتقديري سيكون من نصيب المعارضة السورية، ومدى قدرتها للتجاوب لمتطلبات المرحلة الحرجة، والقيام بمسؤلياتها الوطنية والتاريخية لوضع حد لنظام التعسف والاستبداد في دمشق.

تحرير سوريا لن يكون اكثر صعوبة من تحرير لبنان، وكما تحرر لبنان بالامكان تحرير سوريا، لو توفرت لدى قوى المعارضة السورية الشجاعة والتصميم والاستعداد للتضحية، كما توفرت لدى شقيقتها قوى 14 اذار اللبنانية، تلك القوى التي اثمرت جهودها اخيرا عن خروج الجيش السوري واقرار المحكمة الدولية، بالمختصر المفيد المطلوب اليوم هو وجود قوى 14 اذار سورية على الطريقة اللبنانية، ليكتمل تحرير لبنان وتتحرر معها سوريا والى الابد.


درويش محمى

كاتب سوري

[email protected]