بعد ان تبين زيف وبطلان خطاب القسم الشهير لبشار الاسد صيف عام 2000، اختلفت الاراء بشأن حقيقة ذلك الخطاب وتنوعت، البعض اعتبره مجرد كلام عابر وطيش شباب والرئيس حينها لم يكن قد تجاوز 34 عاماً ولكل جواد كبوة كما يقال ولكل رئيس هفوة كما يبدو، ومنهم من وصف ذلك الخطاب بالكذبة البيضاء، فالنية كانت صادقة لكن quot;للظروف احكامquot; وللناس اولويات، واولويات النظام السوري والقيادة السورية كانت وستبقى محاربة الاطماع الاستعمارية واحباط المؤامرات الاجنبية الخارجية وحماية ثوابت الامة العربية quot;وعيش ياغديش لينبت الحشيشquot;، لكن الاغلبية الساحقة ترى في خطاب القسم كالبرلمان الذي القي فيه، كذبة من العيار الثقيل، وكلام في الهواء وضحك على الذقون، ذقن النظام نفسه وذقوننا نحن ابناء التبعية السورية.

حقيقة الوعود التي تضمنها الخطاب المذكور لم تعد خافية على احد، والتغيير بفعل النظام السوري وارادته اصبح اليوم مجرد حلم، فلا تغيير ولا تبديل في ظل النظام الحالي، وهو امر غير وارد ومن سابع المستحيلات، وكل من يود ان يحلم فليحلم لكن على حسابه الخاص، لا بل ليوفر حتى على نفسه فالاحلام ببلاش، وان حدث وحصل تغيير ما، فمن المؤكد انه لن يشمل السلطة المطلقة للنظام ولا المبادئ الاساسية المعهودة في سوريا كالحزب الواحد والقائد الاوحد، وستكون مجرد quot;رتوشاتquot; للتجميل ليس الا، فالمبادئ الاساسية للنظام السياسي المعمول به حالياً، باقية بقاء فكر البعث ولن تزول الا بزواله.

في المقابل، ماذا عن فصائل المعارضة السورية التي لاتزال تتمسك بخطاب القسم الرئاسي الاول بالرغم من وجود خطاب قسم رئاسي جديد مختلف عن سابقه جملة وتفصيلا؟ وماذا عن تهاون العديد من قوى المعارضة السورية وتقاعسها عن القيام بدورها وواجبها الوطني في عملية التغيير؟ وبصريح العبارة ماذا عن كذبة المعارضة؟

تسجل للمعارضة السورية انها اتخذت منذ البداية، مواقف متوازنة ومسؤولة في صراعها مع النظام السوري من اجل عملية التغيير، بالرغم من المعاناة والمعاملة القاسية التي تعرضت لها على يد النظام واجهزته القمعية، فالتغيير السلمي والسلس كان ولا يزال الامنية التي عول عليها الجميع، لكن بمرور الوقت وبعد ان تجلت الحقائق وظهرت النوايا، اصبحت المعادلة معكوسة تماماً، فالامعان في استخدام نفس الوتيرة من اظهار حسن النية تجاه النظام السوري، وعملية وضع الخطوط الحمراء العديدة من قبل المعارضة لنفسها بنفسها، في الوقت الذي يخرق فيه النظام السوري كل الخطوط الحمراء وغير الحمراء، جعلت من المواقف التي عرفت بالمتوازنة في الفترة السابقة، مواقف غير متوازنة وغير مبررة لا تتناسب وطموحات السوريين ومتطلبات التغيير.

عدم اتخاذ مواقف واضحة وصريحة من مجمل عملية التغيير في سوريا، وعدم تحديد موقع النظام ومصيره في تلك العملية، وعدم تحديد طبيعة واهداف وحدود التغيير المطلوب، والاهم على الاطلاق عدم لجوء المعارضة الى خطوات عملية تترجم على الارض، جعلت من المعارضة السورية تفقد توازنها وحتى اسباب وجودها، فالمفروض ان فترة التعارف مع القيادة الجديدة للنظام السوري قد انتهت منذ زمن، والفترة الرئاسية الطويلة الاولى باعتقادي كانت اكثر من كافية لفهم طبيعة النظام السوري وقيادته الشابة، وما كان يصنف بالمواقف المتوازنة حينها، لايمكن وصفها اليوم الا بالمواقف الانبطاحية والمتملقة.

استمرار فصائل المعارضة السورية في استجداء عطف النظام وكرمه، لاجراء بعض التغييرات في الحياة السياسية السورية، امر لايمكن استيعابه وفهمه الا على النحو التالي، فاما ان تكون المعارضة السورية ساذجة سذاجة مطلقة على الطريقة الدونكيشوتية، واما انها عاجزة ومستسلمة للامر الواقع وتخشى جبروت النظام وقمعه، وفي كلتا الحالتين تثبت المعارضة السورية انها ليست بافضل من النظام، فهي تكذب على الجمهور السوري مثلها مثل النظام السوري، فايهما اخطر بالله عليكم؟ كذبة المعارضة ام كذبة النظام؟ وايهما اشد نفاقاً من الاخر؟ من وعد ولم يفي بوعده او من صدق ذلك الوعد وجعل منه حقيقة يركض خلفه لاهثاً باتجاه السراب؟

درويش محمى


كاتب سوري

[email protected]