آخر ما تمخض عنه العقل الإرهابى الشيطانى هو تجنيد الأطباء. شبكة جهنمية مؤلفة من العاملين فى المجال الصحى، ممتدة من استراليا إلى أمريكا إلى بريطانيا، بدأت تتضح معالمها بعد محاولات التفجير-التى أحبطت بمعجزة من السماء- فى كل من لندن وجلاسجو.
علينا أن نعترف أن إرهابى عصرنا يتمتعون بدرجة فائقة من الذكاء الشرير والقدرة على ابتكار أساليب يصعب التكهن بها. ولذا تجدهم دائما يسبقون بخطوة، بل بخطوات، كل المحاولات الرامية إلى إحباط مخططاتهم، وترى الأجهزة الأمنية فى أكثر بلاد العالم تقدما، تلهث فى محاولات اللحاق بابتكاراتهم التى لم يسبق لها مثيل فى تاريخ البشرية.
شئنا أم أبينا هم أساتذة فى استغلال أية فرصة سانحة، وفى التسلل من خلال أضيق الثقوب فى شباك أى نظام، وفى الاستفادة من أوهى ثغرة فى صياغة أى قانون.
اكتشفوا أن المحاولات المستميتة للحكومة البريطانية فى سبيل اختزال قوائم الانتظار للمرضى المتمتعين بنظام التأمين الصحى قد استلزم تعيين عدد ضخم من الأطباء. ونتيجة الحرص على و الاستعجال فى شغل الوظائف الكثيرة المطلوبة، حدث للأسف ليس فقط تساهل فى التيقن من الكفاءة العلمية العالية للمعينين، بل أيضا تراخى فى التحرى الدقيق عنهم. وفى الغالب فإن ظروفا شبيهة قد حدثت فى استراليا وأمريكا وفى أماكن أخرى ستسفر عنها الأيام؛ وكانت النتيجة أنه- بالتدريج وبنعومة- بدأت المنظمات الإرهابية فى زرع مندوبيها بين الأطباء وفنى المختبرات فى مستشفيات الغرب، حتى اشتد ساعدهم وخرجوا لأداء مهامهم الجليلة.
صحيح أنه ليس من النادر أن ينجدب الأطباء إلى، بل أن يتزعموا، الحركات الثورية. وأقرب الأمثلة التى تتبادر إلى الذهن: إرنستو جيفارا فى أمريكا اللاتينية وجورج حبش فى فلسطين ؛ ولكن يصعب المقارنة بين الأطباء quot;المجاهدينquot; والأطباء quot;الثورجيةquot;، فمهما كانت درجة ونوعية العنف الذى استخدمه الثوار، إلا أنه كان بالغ الرحمة بالمقارنة بالإرهاب؛ فهو على الأقل موجه لعدو محدد وغير مستهدف لقتل المدنيين بشكل جزافى.
تجنيد الأطباء فى الحقيقة quot;ضربة معلمquot;... خبطة أستاذ فى فنون الخبث والخديعة...
الإنسان فى كل زمان ومكان مطبوع على أن يثق فى الطبيب ويأمن جانبه. كيف يمكن تخيل أن حافظ الحياة هو أيضا مدمرها؟! المنقذ من الموت هو المتسبب فيه؟! أن شافى الجراح هو الساعى إلى حرق الأجساد وتمزيق الأوصال؟!
هذه العلاقة النفسية الخصوصية التى تربط المريض بطبيبه كانت وراء القصة العجيبة التى حدثت فى بريطانيا مند بضع سنوات: أحد الأطباء استطاع أن يمارس هوايته فى قتل المئات والمئات من مرضاه المسنين على مدى عقود طويلة بدون أن يتطرق الشك إليه؛ وحتى بعد ثبوت إدانته، استمرمرضاه رافضين تماما تصديق أن طبيبهم العطوف يمكن أن يكون قاتلا!
والأطباء بطبيعة عملهم الإنسانى (على الأقل كانوا كذلك فى المجتعات الغربية التى تمنح الثقة للناس) هم أبعد ما ما يكون عن موضع شك الأجهزة الأمنية وعن دائرة استخباراتها؛ وبذا يمكنهم ان يمارسوا أنشطتهم واتصالاتهم بقدر كبير من الحرية والأمان.
وبالإضافة إلى ذلك يتوفر للأطباء والعاملين فى المختبرات فرصة أكبر من غيرهم للوصول إلى المواد الكيماوية والسامة التى يمكن استخدامها فى العمليات الإرهابية.
ولا أحد فى الحقيقة يسعده ما يحدث؛ فالبرىء سيؤخد بجريرة المذنب، وكل طبيب قادم من هذه البقعة من الأرض صار يسير خافض الرأس بعد أن لحقه العار وصار موضع الشك والارتياب. ولكن، مرة أخرى، هوية المتهمين وتوجهاتهم كانت واضحة جلية؛ ولامهرب من الحقيقة.
فهل نلوم أى مريض بريطانى أو أمريكى او استرالى لو رفض أن يقترب منه طبيب ينتمى إلى هذه الأصول المشبوهة؟! أليس له كل العذر فى أن لا يأتمنه على حياته وعلى صحته؟! لأن من يقوى على القتل العشوائى، و ربما يكون بنى جلدته من ضمن ضحاياه، فلابد وأن يتلذذ بالقضاء على أى quot;عدوquot; يقع تحت يده.
وهل rsquo;يستغرب أن الحكومة البريطانية الجديدة قد استهلت قراراتها بضرورة إعادة النظر فى السياسة الخاصة بتعيين الأطباء؟! ومن المؤكد أن ذلك سيعنى تضييق فرص العمل أمام القادمين من شرقنا السعيد. فما الى يجبر هده البلاد على تحمل مخاطروجود ذوى الخلفيات المثيرة للشبهات؟! أمن أجل سواد عيوننا؟! وما عيب العيون الزرقاء والخضراء للأوربيين الذين بدأ تدفقهم بعد إزالة العوائق بين دول الاتحاد الأوربى؟! ألا يكفى أنهم لا يحملون معهم نوايا الغدر و مخططات الدمار للمجتمع الذى سيضمهم؟!
هؤلاء الذين يلقبون بالأطباء؛ لم يتمثلوا بمن هم الآن ملء السمع والبصر، بفضل علمهم وإنسانيتهم، كمجدى يعقوب ومحمد غنيم. ويبدو أنهم لم يسمعوا بسيرة أيقونات الطب من أمثال نجيب محفوظ وعلى ابراهيم. ودعنا من المئات من أعلام الطب الغربيين الذين قدموا للإنسانية خدمات جليلة (فإنهم ينتمون إلى الفئة المغضوب عليها)؛ أفلم يدفعهم شغفهم بالتراث إلى اقتفاء أثر علماء من أمثال ابن رشد وابن سينا؟!
من الواضح أن تأثير الدكتورأيمن الظواهرى وأشباهه كان أعظم من تأثير كل هؤلاء مجتمعين. هم المثل والقدوة وتعاليمهم هى المرشد والنبراس.
يبدو أن نور العلم أضعف من أن ينجح فى تبديد ظلمات عشعشت فى العقل والروح، وأن الحس الإنسانى و الرسالة السامية لمهنة الطب وميثاقها الأخلاقى لا يكفون للصمود أمام شلالات الحقد و التعصب والكراهية.
البشرية فى حاجة إلى معجزة لإنقاذها؛ فهل تأتى؟!
ليلى فريد
التعليقات