بعض الامور لاتحتاج الى التشنج والرد المتعصب، مثلما لاتحتاج الى تجنب الخوض فيها خوفآ مثلا من اتهام الكاتب بالطائفية. وشخصيآ اكون في قمة سعادتي وانا اخوض غمار هذه الميادين التي يتردد الكثيرين حتى من الاشارة اليها او طرق ابوابها من بعيد. لاني هنا اناقش واقع موجود على الارض ولم اصنعه انا، بل صنعه المفلسين والخاسرين وأفند خزعبلات مقيته استسهل روادها التجاوز على الغالبية الساحقة من الشعب العراقي. وعكس ذلك سيكون وكأن على المتهم والمظلوم أن يكون اخرس ضعيف ومتردد حتى ياخذ صك وطنيته وعروبته وحتى دينه من جلاوزة القتل والاقصاء الذين يتفنون باستباحة دماء الابرياء وبمحاولات بائسة وخائبة لسحب الهوية العراقية والعربية والاسلامية من الاخرين الذين لايتفقون معهم او الذين يقاومون مشاريعهم الدموية و الاقصائية والطائفية بكل معنى للكلمة. واذا كانت هذه الاوصاف يستسهل البعض اطلاقها على الناس كافراد او مجاميع جزافآ وبدون اي رادع قانوني او اخلاقي او وطني. فان رئيس حكومة العراق السيد نوري المالكي لم يستثنى من هذا الاستهداف وهذه الخزعبلات وبشكل يدعو للغرابة والدهشة الى حد يثير الاشمئزاز.

وايضا يطرح علامة استفهام كبيرة على هذا الاصرار الغريب في التبرع بعروبة العراق الى ايران وبشكل مجاني ومخجل. لانه في كل الاحوال ومع بدعة quot; الصفويون quot; هذه لايبقى عروبة في العراق لامن بعيد ولامن قريب. اذا تم التبرع باكثر من 65% من اهل العراق الى ايران وهم أنفسهم يشكلون بنفس الوقت اكثر من 83% من نسبة تعداد عرب العراق. اذن العراق ومثلما رد في احدى المرات الرئيس الطلباني على صالح المطلك ( هو بلد كردي وليس عربي اذا أخذنا بهذه الاتهامات الباطلة لان الاكراد ستكون نسبتهم الاعلى في البلد بعد الشيعة ).

ومثلما قلت ان المالكي نفسه لم يسلم من هذه الخزعبلات، فلقد كنت قبل ايام احد المدعوين لمشاهدة عرض موسيقي ومسرحي في احدى الحفلات. وفي فترة الاستراحة بادرني بالتحية والسلام صديق وهو كاتب صحفي عربي يكتب في عدد من الصحف العربية. ويبدو لي انه كان جدا مستعجل ومتمحس لاستغلال كل دقيقة من الاستراحة القصيرة ليطرح علي مجموعة اسئلة تتعلق بالوضع العراقي، وقدرت له ذلك باعتباره اعلامي يبحث عن الحقيقة او على الاقل جانبا منها. لكن سواله الاخير كان هو الصدمة التي استوقفتني كثيرآ وطويلا، وايضا نفس هذا السوال هو سبب كتابة هذه المقالة. فلقد سالني زميلي وشقيقي العربي وبدون تحرج او تردد وبشكل مباشر السوال التالي ( هل المالكي عراقي!!؟ ) وعندما أجبته طبعا عراقي ابن عراقي.

وماذا تظن؟ اجابني هذه المرة بسرعة فائقة وبدون خجل ( تصورت انه فارسي!!). وللامانة لم انتظر طويلا واجبته بسوال ( هل رئيس سلطتكم يهودي ) فرد بقوة ممزوجة بالجد والمزاح. ( طبعا يارجل لا.. من اين اتيت بهذه الفكرة ) قلت له لاني اظن ان رئيسكم اقرب لليهودية من قرب المالكي للفارسية وذلك بسبب التداخل الذي بينكم مع اليهود. و الى هنا انتهى الحديث ولااتمنى ان تكون علاقتنا ايضا انتهت. لاني احترم هذا الرجل لكني لايمكن ان احترم مثل هذا الراي وهذا التجني الكبير والقاسي والمعيب. ولاني ادرك جيدا انما الرجل نطق بمنطق عام يمس الغالبية العظمى من العراقيين اخذ ينتشر في الوسط العربي بكل جوانبه وميادينه، وانما المالكي جاء ذكره كأشارة لانه ينتمي للطائفة الشيعية العراقية العربية الاصيلة.

وهنا اريد ان اطرح سوال كبير لماذا المالكي صفوي وعميل؟ مسالة انه صفوي لاتبتعد عن استهداف طائفي كونه شيعي وهذا جزء صغير من استهداف شامل لاكبر طائفة عراقية عربية، وهذه بحد ذاتها كارثة كبرى لان امير المؤمنين علي بن ابي طالب quot;عquot; نفسه وبكل أرثه الضخم الاجتماعي و التاريخي والديني والاسلامي والانساني قد يشمله البعض بهذه النظرية الخائبة في اي نقطة معينة تتقاطع فيها توجهاتهم الطائفية مع سيرته العظيمة. ولااعرف كيف ستتشكل حينها العروبة بدون ال بيت النبوه بيت رسول الله العربي الامين.

اما من ناحية الاشارة الى عمالة المالكي الى امريكا!! فهذه نكتة مسخة لاني هنا مستعد ان اثبت لاتوجد حكومة عربية واحدة لاتقيم علاقات واضحة وكبيرة ومترابطة مع امريكا مما يضمن بقائها في الحكم. اما المالكي فهو نتاج انتخابات وصل عدد المصوتين بها الى اكثر من 12 مليون مواطن عراقي، في تفرد وتميز لامثيل له في كل البلدان العربية. وهنا ليس دفاع عن شخص او حكومة المالكي، بقدر الدفاع عن عملية حق العراقيين بالتصويت والاختيار. وهذا يفرض حقوق على الاقلية ان تحترم صوت الاكثرية، ولتكن هذه الاقلية سياسية وليس مذهبية او قومية. ثم ماذا سنقول عن وطنية عواصم عربية يرفع فيها علم اسرائيل نفسها!!


اني على يقين ان المالكي ومثله أغلبية الملايين في العراق لاينتظرون اشارة النجاح الوطني او شهادة عروبتهم من اصحاب الابواق النشاز او الطبول الفارغة من خارج الحدود او حتى من داخلها من بعض الذين ارتضوا لانفسهم ان يكونوا جزء من هذه المهازل الشاذة. فالمالكي ينتمي لواحدة من منظومة العشائر العربية الآصيلة في الجنوب والفرات الاوسط وبغداد، مثل أهلهم وعشائرهم في غرب وشمال العراق. وعلى بعض العراقيين ان يتخلوا عن هذه الخزعبلات ( لان اذا شيعة العراق العرب هم صفويون وسنة العراق العرب هم بقايا العثمانيون والاكراد صهاينة!! ) اذا ماذا بقي في العراق وماذا بقي لاهل العراق. اما العرب المتحمسين جدا للخوض في هذه الشؤون العراقية الخاصة جدا. فعليهم على الاقل الانتباه الى هموم مواطنيهم وبلدانهم التي لاتعدوا اكثر من بيوت زجاجية قابلة للكسر باصغر حجر. وانا اجزم هنا لو مر على تلك البلدان ربع ما مر على العراق لتفتت تلك البلدان وتحولت الى ضيعات وكنتونات وجزر لايعلم بحجمها الاالله. وهذه هي ميزة العراق رغم كل الارهاب الذي يستبيح دماء ابنائه.

محمد الوادي
[email protected]