صحيح أن العنوان هو جزء من خطبة الحجاج ابن يوسف الثقفي المشهورة في مسجد الكوفة عندما تولى ولاية العراق بطلب من عبدالملك بن مروان والتي اكملها بوصف العراقيين بأنهم quot;اهل نفاق و شقاقquot;, الا ان الهدف من اخذها كعنوان هو دراسة مقولة البعض ان العراقيين لا يُحكمون الا بالسيف ولا ديموقراطية ولا حرية تنفع معهم وليس الهدف منها أبدا إيذاء مشاعر العراقيين أو مدح هذه الخطبة المتعجرفه أو تمجيد صاحبها الجزار.
كبداية علينا ان ندرس تاريخ العراق لنعرف ماهية الشعب العراقي وطرق حكمة على مر العصور.

حكام العراق في العصور القديمة... نبوخذ نصر نموذجاً
ان بدايات العراق المعروفة تاريخيا كانت مع الأشوريين والبابليين فقد وصل مجد بلاد ما بين النهرين في عصر نبوخذ نصر الى أوجه، وعلى الرغم من قلة الكتابات عن طريقة حكم نبوخذ نصر للعراق فإن الكتابات البابلية المسمارية والتوراة تسهب في وصف طريقة حكم نبوخذ نصر للبلاد التي سيطر عليها ، فكان السبي البابلي الأول لليهود في العام 596 قبل الميلاد والثاني عام 586 قبل الميلاد تقريبا، وتحكي التوراة والرقم الطينية البابلية كيف قام نبوخذ نصر بفقئ عيني الملك اليهودي وجره على الأرض بواسطة الدواب من مملكة اسرائيل الى بابل لتخويف اليهود بأن أية محاولة للتمرد سوف تقابل بالقتل، كما تتحدث التوراة كيف قام نبوخذ نصر بقمع كل حركات الأستقلال في الممالك العمونية والمؤابية و المجازر التي حدثت في تلك المناطق، مع هذا كله لا بد هنا ان ننصف نبوخذ نصر فلقد أوصل مملكتة إلى مستوى متقدم بين الحضارات الكبرى في ذاك العصر.

حكام العراق في العصر الأسلامي... الحجاج نموذجاً
و بعد عصر الحضارة البابلية تصادف قدوم عاملين أساسيين هما الإسكندر المقدوني والفرس ، حيث انتهى الحكم العراقي للعراقيين و تناوب الأجانب على حكمة فكان الأغريق ثم الفرس ثم المسلمين، وفي العهد الأسلامي برز من حكام العراق الحجاج ابن يوسف الثقفي المعروف ببطشه وقوتة ، فهو الذي ضرب الكعبة بالمنجنيق وقضى على الثورات في الحجاز، فما الأسباب التي ادت بقدوم الحجاج إلى العراق .
لا شك ان العراق كان من اكثر البؤر اضطرابا في فترة الخلافة الأموية خصوصا مع الظلم الذي الم بأهل البيت بعد مسلسل الوراثة في الخلافة الأموية اضافة للخوارج الذين كانو يحاربون الخليفة عبدالملك بن مروان، فلم يستطع عبدالملك العثور على شخص اكثر جبروتا وقوة من الحجاج خصوصا بعد نجاحاته الكبيرة في الحجاز فيقول الحجاج نفسه في خطبته سيئة الذكر: quot; إن أمير المؤمنين عبد الملك نثل كنانة بين يديه، فعجم عيدانها عوداً عوداً، فوجدني أمرّها عوداً، وأشدها مكساً، فوجهني إليكم، ورماكم بي quot;
لم ينتظر الحجاج وقتا طويلا لكي يكشف عن لثامه ويهدد العراقيين في اول خطبة له كوالٍ للعراق فبعد بيت الشعر المشهور قال: quot; أما والله فإني لأحمل الشر بثقله وأحذوه بنعله وأجزيه بمثله، أما والله إني لأرى رؤوساً قد أينعت وحان قطافها، وإني لصاحبها، وكأنني أرى الدم بين العمائم واللحى quot; وزاد بعد ذلك شتما بأهل العراق : quot; يا أهل العراق، يا أهل النفاق والشقاق ومساوئ الأخلاق، إنكم طالما أوضعتم في الفتنة، واضطجعتم في مناخ الضلال، وسننتم سنن العي، وأيم الله لألحونكم لحو العود، ولأقرعنكم قرع المروة، ولأعصبنكم عصب السلمة ولأضربنكم ضرب غرائب الإبل، إني والله لا أحلق إلا فريت، ولا أعد إلا وفيت،quot;
لا شك ان الحجاج وبهذه التهديدات والشتائم وأستخدامة للقوة المفرطة استطاع السيطرة العراق وجعلها بلاداً مستقرة للحكم الأموي بل وأستطاع حكم الحجاز واليمن من مقره في الكوفة. ولكن هل نستطيع ان نسقط هذا المثال على الواقع الحالي في العراق كما يزعم البعض؟

حكام العراق في التاريخ المعاصر(1). الملكية نموذجاً مغايراً
أن تاريخ العراق المعاصر قد ينسف هذه المقولة نسفا، ففي العام 1921 ، وبعد الإنتداب البريطاني للعراق لم تستطيع بريطانيا حكم العراق حكما عسكريا فوجدت نفسها مجبرة على الطلب من الأمير فيصل بن الحسين الخارج من سوريا حديثا بعد معركة ميسلون ضد الفرنسيين القدوم للعراق، وبعد الإستفتاء في نفس العام حكم فيصل العراق حكما حتى أعداؤه يصفونه بالعادل وبعد وفاته حكم إبنة غازي ثم فيصل الثاني ، ودخلت العراق في العهد الملكي عصبة الأمم لتصبح أول دوله عربية تدخلها كما اصبح العراق من اقوى دول المنطقة ثقافيا واقتصاديا وعسكريا ، وكانت هناك معارضة تعارض وموالاة توالي ولم يسجن الناس ولم يقتلوا إلا فيما ندر. فهل يمكن استخدام هذا المثال بديلا عن مثال الحجاج؟؟؟
أن هذه الحالة السلمية لم تستمر ففي عام 1958 قام عبدالكريم قاسم بأنقلابة الدموي فرجع البطش والعنف للعراق، فأعدم الملك وعائلته ورئيس وزرائه وسحلوا في الشوارع وقطعو اربا، ليقطّع قاسم نفسه اربا ويرمى في الفرات بعد خمسة اعوام في انقلاب 1963 ثم اتى البعث بكل بطشه وعنفة وتوالى الحكام من عبدالسلام وعبدالرحمن عارف الى صدام حسين مرورا باحمد حسن البكر.

حكام العراق في التاريخ المعاصر(2). صدام نموذجاً مُكرراً
بدأ حكم صدام حسين كحكم الحجاج تماما ففي اجتماع قيادات حزب البعث عام 1979- بعد ايام من تنحيته لأحمد حسن البكر- قام صدام حسين بإعدام عدد كبير من قيادات الحزب و أمر بتصوير ذلك تلفزيونيا كي يرهب الشعب ويخيفه ونجح صدام بذلك وحكم العراق بقبضة من حديد ، وحارب إيران واجتاح الكويت وثار الشعب علية فقمعه في الشمال والجنوب ، ولم يستطع الشعب اسقاطه الا في عام 2003 مع اجتياح الأمريكان للعراق فأنزل تمثال صدام وسحل بالشوارع و كأن التاريخ يعيد نفسه ، ثم حوكم صدام واعدم اعداما اقل ما يقال عنه انه كان همجيا طائفيا.

الخلاصة
الأن ما الذي يمكن استخلاصه من هذه النبذة التاريخية؟ هل صحيح ان العراقيين لا يمكن حُكمهم الأ بالسيف والسوط؟ ام ان الديمقراطية والحرية ستنتصر ؟ هل نموذج الحجاج هو النموذج الوحيد الذي سينجح في العراق أم أن نموذج الحرية والديموقراطية سوف يقلب التاريخ ويثبت ان العراقيين يحبون التقدم والحرية والأستقلال ويبغضون الديكتاتورية وازلامها؟
ان الأجوبة على هذه الأسألة كلها هي من مسؤولية العراقيين أنفسهم فهم الذين يستطيعون نسف مقولة انهم لا يُحكمون الا بالسيف او جعل هذه المقولة واقعا و معيارا تعاير الشعوب الأخرى العراقيين به، ولكن وفي النهاية يؤسفني القول أن الوضع الحالي في بلاد ما بين النهرين وضع يقوي أصحاب القول الأول و يضعف اصحاب القول الثاني، وبالتالي فالمستقبل مرهون بالحراك السياسي للشعب العراقي، فهو كم اعتقد ككل الشعوب لا يليق به إلا الحرية والعدالة وإن غدا لناظره قريب .
[email protected]
كاتب اردني
*اريد ان اشكر ايلاف على نشرها اولى مقالاتي كما اريد ان اشكر الكاتب الكبير احمد مطر على مساعدته وتشجيعه.