هل الفساد الإداري ينتج الفساد الخلقي؟، أم العكس هو الصحيح؟.. قد تكون الإجابة على هذا السؤال صعبا، ولكننا شاهدنا الكثير من الأفلام، وقرأنا بالقدر ذاته قصص الجرائم التي تروي كيف أن موظفا يمد يده الى أموال الدولة بعد أن يرتاد الملاهي أو أوكار العاهرات الموبوءة بالجنس والمخدرات، فتغريه تلك المناطق المعبقة بروائح الأجساد المعروضة للمتعة ودخان الحشيش المتطاير فيتجرأ بالسرقة من المال العام لكي يمتع نفسه بأجساد الراقصات أو العاهرات المدربات في أفضل مراكز التدريب الجنسي على إغواء الزبائن في الملاهي والمراقص والفنادق.
فبإعتقادي أن تلك الملاهي والمراقص التي تفوح في قاعاتها رائحة الجنس والرذيلة هي مرتع الإغواء وسقوط الإنسان في براثن الفساد، فساد الذمة والضمير الذي يدفع بالإنسان حتى الى إرتكاب جريمة من الجرائم. وكم هي كثيرة تلك المراتع في المجتمعات التي تعاني من الكبت والحرمان، ومن الأمراض الإجتماعية كالبطالة والبؤس والفقر والجوع..
كانت كردستان يراد لها أن تكون بحسب بعض المسؤولين المتفاخرين بأنفسهم والمتبجحين بتحررهم من الدكتاتورية بمثابة (دبي) العراق من حيث التقدم العمراني والإقتصادي، لكنها اليوم تكاد أن تتحول الى مونتي كارلو الشرق أو لاس فيجاس العراق من حيث إزدياد عدد ملاهيها ومراتع الجنس فيها، فاليوم يمكن لأي زائر لها أن يشعر بوجود ظاهرة جديدة في هذا الإقليم (المتحرر)؟!،من حيث تحول معظم الإستثمارات الإقتصادية المتدفقة على الإقليم الى قطاع الفندقة والخدمات السياحية، على حساب القطاعات الخدمية الأخرى الماسة بحاجات الإنسان الكردي الذي يعاني اليوم من أزمات معيشية طاحنة في مختلف مجالات الحياة!.
وكثير من هذه الفنادق التي يديرها العرب بينهم لبنانيون على ما أعتقد وهم متمرسون في إغراءات جذب الزبائن، أستقدمت لها فتيات من شتى بلدان العالم، فليبينيات، كوريات، هنديات، عراقيات عربيات وغيرهن من جنسيات أخرى يغري مجرد وجودهن في تلك الفنادق على جذب الزبائن إليها، وما يقدمن من خدمات خاصة بما فيها خدمة (المساج الياباني)، فيما هنالك بعض الفنادق التي تتوفر فيها مسابح مختلطة مغلقة ومكشوفة، وهذه من الظواهر والحالات الجديدة غير المألوفة في المجتمع الكردستاني..
أنا لا أرتاد مثل هذه المناطق الموبوءة، ولكني أسمع الكثير هنا وهناك عن حكايات وروايات لما يحدث فيها، فهناك حسب الروايات تصرف آلاف الدولارات كل ليلة سواء بنثرها فوق رؤوس الراقصات، أو على موائد الشرب على شرف الحسناوات، أو ثمنا لليالي الحمراء التي تشهدها غالبا غرف تلك الفنادق، ناهيك عن قصص وروايات أخرى تتحدث عما يجري في المزارع الخاصة المملوكة لبعض المسؤولين والبعيدة عن أعين الناس على جانبي الطرق الخارجية لمدن كردستان، وهي أيضا حالة جديدة في كردستان تشبه الى حد بعيد ما كان عليه أعوان النظام الدكتاتوري السابق الذين كانوا يمتلكون مثل هذه المزارع الخاصة هدية من الدكتاتور في مناطق الراشدية والجادرية وغيرها من مناطق بغداد وكانوا يستقدمون إليها كل ليلة فرق الغجر للسهر وقضاء الليالي الحمراء برفقتهن، وهناك صور وأفلام منشورة تشهد بتلك الحالات من الفساد الخلقي لدى رموز وأعوان النظام السابق الذين يواجهون اليوم مصائرهم جراء غرورهم وغيهم داخل أقفاص المحاكمات الجارية اليوم أمام أنظار العالم، ولا أستبعد أن يلاقي فراعنة كردستان اليوم نفس تلك المصائر السوداء في قادم أيامهم، فالله يمهل ولا يهمل، وتلك الأيام نداولها بين الناس.
نحن اليوم في عمى عما يجري من حولنا إلا من بعض النتف من الأخبار والتقارير التي نقرأها بين ثنايا بعض المواقع الكردية التي غالبا ما تبث أخبارها من بعيد، وكيف أن بعض المسؤولين في كردستان يمارسون الرذيلة والفحشاء سواء بأموالهم الطائلة المسروقة من الشعب، أو من خلال إستخدام نفوذهم الحزبي أو الحكومي لإيقاع الضحايا في حبائلهم الشيطانية، ولم تسلم بعض الحالات حتى من قتل الضحايا لطمس معالم جرائمهم، بينها جرائم هتك العرض.
من يزر واحدة من هذه المرابع ومراتع الجنس والرذيلة في الفنادق ذات الخمس نجوم، قد يعذر مسؤولا أو موطفا عندما يقع فريسة الإغواء الجنسي، فيمد يده الى المال العام ليسرق، أو تدفعه حاجاته الى إشباع غرائزه الشيطانية الى الإرتشاء بإستغلال المنصب لجمع ما يكفي لقضاء الليالي الحمراء في تلك الفنادق، فهناك دائما ما يغوي لإرتكاب جريمة خصوصا عندما تطغى الغرائز الحيوانية عند البشر.
نحن لا ندعي في هذا المقال أننا نحرص على إعادة كردستان الى عصور التخلف الظلامي وفرض الشرائع الدينية لتقويم أخلاق الناس وأفراد المجتمع طريقا للخلاص، ولكننا نعتقد أن تشجيع حالات الفساد الخلقي الذي ينتج الفساد الإداري في بلد لم ينهض بعد على قدميه سيقضي على كل آمال التقدم والتطور الحضاري، فالفساد الإداري الذي أعتقد أنه ناجم في كردستاننا بدرجة كبيرة بسبب إشاعة الفساد الخلقي غير المألوف هو من أكبر الآفات التي تعرقل مسيرة النهوض والتقدم الحضاري لأي مجتمع أو بلد.
إن بلدنا اليوم بحاجة الى سواعد تبني، وليس الى أرداف تهز وتطرب، الى أيادي تضع حجرا على حجر في مسيرة بناء ما هدمته الدكتاتورية العنصرية لعشرات السنين، وليس الى الأيادي التي تعمل المساج لظهر مسؤول ممدد على طاولة يرخي مشد وسطه تلذذا بالأيادي الفليبينية الناعمة؟!.

[email protected]