قد يكون العنوان غريباً على الباحث في علوم القرآن وتفسيره وذلك لأن المتعارف عليه إن المحكم والمتشابه من علوم القرآن فقط دون تدخل الشعر لأنه تعالى قسم القرآن إلى قسمين محكم ومتشابه وذكر مرة إن القرآن بأكمله محكم ومرة أخرى إن القرآن بأكمله متشابه.. فقد قال تعالى: ( الر تلك آيات الكتاب الحكيم ) يونس 1.. ثم ذكر الإحكام زائداً التفصيل بقوله ( الر كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير ) هود 1.. ووصفه أيضاً بأن جميعه متشابه بقوله ( الله نزل أحسن الحديث كتاباً متشابهاً مثاني تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله ) الزمر 23.. وذكر إحتوائه على القسمين المحكم والمتشابه في قوله ( هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات ) آل عمران 7... وما نجده على لسان أهل التفسير إن المتشابه إذا صعب علينا تفسيره فإنا نرده إلى المحكم عند ذلك يتضح المعنى المراد من الآيات المتشابهه.. إنتهى كلامهم..

لكن هذا ليس هو القول الفصل في فهم المتشابه فكما إننا نحتاج إلى المحكم في معرفة المتشابه كذلك نحتاج إلى أدوات أخرى لفهم المحكم والمتشابه على حد سواء.. ومن هذه الأدوات.. السنه النبويه.. العقل والإستنباط.. ماتعرفه العرب من لغاتها كما ذكر ذلك الزركشي. في التفسير والمفسرون.. وأهم ماهو متداول عند العرب لمعرفة القرآن ( الشعر ) لأنه ديوان العرب لأنه يبين ما كان غامضاً من الكلام المتشابه أو الطريقه البلاغيه التي يصعب سياق ألفاضها دون الرجوع إلى أدوات العرب فإرتباط الشعر في التفسير يكون من طرق مختلفه فأحياناً نلاحظ النبره الفطريه في الشعر قد وجدت في القرآن.. فمثلاً قوله ( والسابقون السابقون ) الواقعه 10..... نرى هذا النوع من التكرار الذي يشير إلى الأهميه مدحاً أو ذماً كما في قوله ( وأصحاب المشئمة ما أصحاب المشئمة ) الواقعه 9... نراه كان متعارف عليه على لسان الشعراء.. فهذا أبو النجم العجلي يقول.. أنا أبو النجم وشعري شعري............ لله دري ما أجن صدري... تنام عيني وفؤادي يسري.............. مع العفاريت بأرض قفري..

فتكرار ( شعري شعري ) يلفت إنتباهنا إلى أن شعره في غاية الأهميه.. ومرة أخرى نجد وضوح الكلمه في الشعر يكون مفسراً لما أبهم علينا من خلال سياقها القرآني كما في قوله تعالى ( أفلم ييئس الذين آمنوا أن لو يشاء الله لهدى الناس جميعاً ) الرعد 31... فاليأس هنا ليس على بابه بل هو بمعنى العلم.. كما قال الشاعر... ألم ييأس الأقوام إني أنا إبنه........... وإن كنت عن أرض العشيرة نائيا.. يعني ألم يعلم الأقوام إني أنا إبنه.. وكذلك نجد القرآن يعطف الكلمات على أخرى.. دون ذكر أداة العطف كقوله ( ذلك الكتاب لا ريب فيه هدًى للمتقين ) البقره 2... أي هو لا ريب فيه وهو هدًى للمتقين..

نجد الشعراء أيضاً لم يغفلوا هذا الجانب فهذا أحدهم يصف الذئب بقوله.. ينام بإحدى مقلتيه ويتقي.......... بأخرى الرزايا فهو يقضان نائم.. فقوله يقضان نائم كقوله تعالى ( لاريب فيه هدًى للمتقين ) أي عطف دون ذكر الأداة كقولك هذا حامض حلو.. ولم تقل حامض وحلو.. فإن قيل الشاعر جمع النقيضين والقرآن إستطردهما أقول هذا ليس ما نتكلم عنه بل إن القرآن حمل الصفتين في الكتاب وكذلك الشاعر جعلهما في الذئب...... لكن القواعد الشعريه لا يمكن تطبيقها على القرآن في كل الظروف كما يعتقد البعض فمثلاً معلقة أمروء القيس التي يقول فيها.. قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل............. بسقط اللوى بين الدخول فحومل.. ذكر إنه خاطب صاحبه وهو واحد بخطاب المثنى.( قفا ).. وذلك للضروره الشعريه وأراد البعض أن ينسب هذه القاعده إلى القرآن الذي هو غني عن الضروره..

وضربوا لذلك أمثله كقوله تعالى ( يامعشر الجن والإنس ألم يأتكم رسل منكم يقصون عليكم آياتي وينذرونكم لقاء يومكم هذا ) الأنعام 130.. فقالوا إن الرسل للإنس فقط دون الجن ولكن القرآن خاطب الإثنين وأراد الواحد على قاعدة الشعر.. أقول القرآن خاطب الإثنين وأراد الإثنين.. فهو ليس من صفاته أعذبه أكذبه.. التي تكون بمثابة الإطار المجمل للشعر.. إذاً الخطاب الموجه للجن والإنس يعني إن الرسل من جنسهم وليس بالضروره كل رسول هو نبي.. بدليل رسل عيسى إلى أنطاكيه أطلق عليهم القرآن رسل بقوله ( واضرب لهم مثلاً أصحاب القرية إذ جائها المرسلون ) يس 13... إذاً للجن رسل من هذا النوع كما ذكر ذلك تعالى بقوله ( وإذ صرفنا إليك نفراً من الجن يستمعون القرآن فلما حضروه قالوا أنصتوا فلما قضي ولوا إلى قومهم
منذرين ) الأحقاف 29... هذا ولنا لقاء آخر بعنوان ( وضع الكلمه القرآنيه في المكان الناسب ) إنشاء الله تعالى.....

عبد الله بدر إسكندر المالكي