مدافع تطلق الى الخلف
بعد ان تخلت عن اطنان من المفردات الاستهلاكية المعلّبة في مصانع الايدلوجيا والمجهّزة للتوزيع عبر وسائل اعلام معروفة تحت شعارات مقاومة الاحتلال واسترجاع السيادة.. او الوقوف بوجه الامبريالية والصهيونية والدفاع عن شرف الامة العربية! وغيرها من شعارات السراب، بعد كل ذلك فالجماعات التي تحمل السلاح بعد ان دخلت في حوار مع المحتل وجلست على طاولة الامريكان في مناسبات كثيرة مما افقدها البريق الذي كانت تراهن عليه وهو لافتة ( المقاومة والجهاد ) لذلك كان لابد لها من البحث عن لافتة براقة اخرى تستنفر دول المنطقة من اجل الاستمرار في الدعم، لذلك رفعت لافتة ( الاحتلال الايراني ) وانطلاقا من تلك النقطة يطالب العرب السنة بقوات امريكية لحمايتهم بدل من القوات العراقية كما جاء على لسان اكثر من قيادي في جبهة التوافق منهم على سبيل المثال لا الحصر عدنان الدليمي كما صرح بذلك جلال الطالباني في مؤتمر صحفي قبل مدة.
ان شعار ( الاحتلال الايراني اهم من الاحتلال الامريكي ) تكرر كثيرا على لسان قيادات تلك الجماعات وكذلك على لسان ابراهيم الشمري الناطق باسم مايسمى بالجيش الاسلامي، ولان هذا الاخير اسلامي جدا ولايؤمن بالدولة القطرية كما يقول لذلك كان عليه ان يحارب البلدان الاسلامية اولا قبل غيرها فيبدأ بايران قبل امريكا!
ان ذلك الشعار يهدف بالدرجة الاولى الى اجبار الحكومات العربية على التدخل في الشأن العراقي لصالح هذه الجماعات واعطائها مساحة كبيرة في وسائل الاعلام العربية، وفي نفس الوقت كسب الشارع العربي الذي يتعامل بموازين عاطفية هياجة، مما يعني ابقاء الطريق مفتوح امام مزيد من المقاتلين او المفخيين العرب لقتل المدنيين العراقيين قبل كل شئ، تحت ذريعة الاحتلال الايراني.
ان البحث عن ذلك الشعار ورفعه كبديل للشعارات السابقة جاء كضرورة ملحّة بعد ان انكشفت الاوراق وعرف الجميع ان زوبعة الجماعات المسلحة ليس من اجل المقاومة بل من اجل مصالح ضيقة، وهذا ما دفع بالكثيرين لاستهواء فكرة الصحوة التي تهدف لطرد جماعات التخريب، التي عقدت صفقات ومكاسب ودخلت العملية السياسية بحماية الاحتلال، هذا من جهة ومن جهة اخرى فان الواقع يؤكد بان المناطق الاكثر امنا في العراق هي المناطق التي لا تتواجد فيها الجماعات المسلحة ( الارهاب ) وهذا ما حصل في مدينة البصرة على سبيل المثال.
مقاومة تكرّس الاحتلال!
كثيرة هي التيارات والاحزاب الموجودة في الساحة العراقية بشكل خاص والعربية بشكل عام التي ادمنت ظاهرة تثير الاشمئزاز وتستحق الاشفاق، والمقصود بتلك الظاهرة: هو رفع الشعارات من اجل انتاج وتكريس ما لها من اضداد وبالتالي ينتج من جميع ذلك تسمية للاشياء بمسميات نقائضها.
ان ابطال تلك الجبهة ( وهم كثيرون ) رفعوا من قبل شعار الوحدة فانتجوا التجزئة وتقلدوا شعارات الحرية فانتهت بهم الى نماذج اشد غطرسة وطغيانا على مستوى العالم.
ان ذلك الفهم المقلوب للحقائق المحاط بدوامة من التخلف التي تقف على ارضية من الامية تصل الى 70 مليون في العالم العربي ناتج بالضرورة لشعارات التقدم والازدهار التي رفعتها قياداتنا الحكيمة ( يحفظها الله ).
ان هذه الظاهرة السرطانية ليس غريبا عن ادبياتها ان لا تترك لقبا يشير الى الانتصار الا وتطلقه على هزيمة كارثية تعرض لها العراق في حرب الخليج الثانية على سبيل المثال لا الحصر!
فتسمي ما حل في العراق من هزيمة وانهيار هو النصر بعينه مع ان العراق لازال حتى هذه اللحظة يدفع فاتورة التعويضات للعدو والصديق!
اما اليوم فعلى مرأى ومسمع الجميع ترفع الجماعات المسلحة ( ما يسمى بالمقاومة ) شعارات تدعو لطرد المحتل... ولكنها في ذات الوقت توجه فوهات البنادق الى المدنيين العراقيين بالدرجة الاولى! وبالمناسبة فان ذلك الاستهداف تقر به تلك الجماعات المسلحة ذاتها وتتعاون مع المحتل في مناطق كثيرة من العراق كما حصل في ديالى وبغداد والانبار.
ولانها مدافع تطلق الى الخلف فقد كرست الاحتلال في المناطق التي تنشط فيها بشكل واضح، خصوصا بعد
بعد الانسحاب البريطاني خارج مدينة البصرة بشكل تدريجي والذي يراعي عامل الاستقرار والتهدئة في تلك المناطق، وبموازاة ذلك هناك توجه امريكي يسعى لزيادة القوات العسكرية في مناطق التوتر وهي مناطق معروفة للجميع.
ان ما تقدم يثير علامات الاستفهام حول جدوى رفع السلاح اصلا... ناهيك عن الاضرار الناجمة عن توجيه السلاح الى ابناء الوطن الواحد وهو ما تقوم به اغلب تلك الحركات ( المقاومة! ).
اذن لازال المنطق الذي يحرك دعاة رفع السلاح في العراق ذات المنطق الذي يحكم اهداف واليات العديد من التيارات البائسة في منطقتنا المريضة والممتلئة بالدخان، انها يافطات ملئت الخافقين ضجيجا لتمجيد وتلميع ممارسات التخريب التي لم تكرس الا مزيدا من الاحتلال.
انها لعبة السياسة التي لا تنجح الا اذا كانت بعيدة عن العواطف، ولكن العاطفة لازالت هي سيد الموقف للاسف الشديد.
جمال الخرسان
كاتب عراقي
التعليقات