تقوم الفاشية على مبدأ بسيط وهو العصبوية والفئوية وتمجيد وتفضيل وتفوق قوم، أو عرق، أو دين على سائر الخلق والبشر أجمعين واحتكار الحقيقة وامتلاك أدوات الخلاص. لقد انهزمت وسقطت الفاشيات، ذاك السقوط المريع، في منتصف القرن الماضي في أوروبا لتقوم على أنقاضها ديمقراطيات حديثة تقدس قيم المواطنة والتعددية والمساواة. واعتبرت نهاية الحرب العالمية الثانية حداً فاصلاً بين مرحلتين حاسمتين من التاريخ الإنساني تميزت بالطلاق النهائي، وتجريم الفكر النازي والعصبوي والفاشي ومحاربته بكل السبل والأدوات الممكنة وملاحقة رموزه الدوليين.
والوطنية والانتماء الوطني هما العماد الأساس في بناء الدول العصرية قائمة على مبادئ التعددية والعدل والمساواة وتكافؤ الفرص، وهذه الأمور مجتمعة ساقطة من حسابات الإخوان المسلمين، ولا تعني لهم شيئاً. فالتنظيم الدولي لحركة الإخوان المسلمين قائم أساساً على نزعة مذهبية فئوية تدّعي تفوق أعضائها العنصري وتميـّزهم وإخضاع الآخرين الذين يشاركونهم في الهوية الوطنية، وبأنه الفرقة الوحيدة الناجية والمحببة إلى الله من مليارات من العباد الطيبين. ويعتبر واحداً من المنظمات الفاشية القليلة الباقية على سطح الكوكب الأرضي والتي تعلن عن برامجها الفاشية والعنصرية، على الملأ، ويدعو لإقامة دولة الخلافة على أساس ديني وفئوي وفاشي لا يتورع شيوخه عن التصريح عن رغبتهم في تطبيقها بكل ما في ذلك من اضطهاد وحط من قدر ومكانة المكونات الاجتماعية الأخرى في المجتمع وصدام مع الآخرين والإعداد المتعمد للحرب والنزاع الأهلي والمدني(فرض الجزية وتأثيم وتكفير المختلفين عقائديا). هذا التنظيم بالمناسبة هو الأب الروحي الذي خرجت من تحت عباءته جميع الحركات القاعدية والجهادية التي فرّختها الحقبة البترودولارية بأذرعها المالية المتنوعة، والتي تملأ الكون صخباً وضجيجاً إرهابياً.
خطاب وفكر الإخوان المسلمين يتناقض كلياً مع أية عقلانية فكرية، ومنهجية منطقية، وقائم على نزعة شمولية توتاليتارية غيبية محضة، تصطدم مع كافة الشرائع، والمواثيق، والأعراف الدولية والوضعية التي تلبي حاجات المجتمعات، والتي توصلت إليها البشرية في صراعها المرير والطويل ضد العبودية، والعنصرية، والديكتاتورية، والاضطهاد، والتفرقة، والتمييز. ويحاول الإخوان المسلمون بعث الفاشية القائمة على أسس دينية في نفوس منتسبيها عبر احتقار، والدعوة إلى إخضاع المكونات الاجتماعية الأخرى وبث الحقد والكراهية والبغضاء ضد أي مختلف معهم في العقيدة والرأي، وهذا غير خاف ولا مبطـّن في فكر وأطروحات شيوخهم وزعمائهم وأئمتهم الكبار التاريخيين.
لا يـُقبل، وكما هو معلوم، أي منتسب إلى جماعة الإخوان المسلمين، إن لم يكن مسلماً سنياً تحديداً وحصراً، ومن المذهب الحنبلي أو الوهابي المؤمن بتفرد، وعصمة وتميز المسلم السني، حصراً، على غيره من المسلمين، أولاً، وعن باقي الناس أجمعين، تالياً. وإن أي مسلم طيب، ومتسامح لا مكان له في جماعة الإخوان المسلمين. فالحقد، والطائفية، والسُمـّية، والدعوة إلى التحريض وتكفير الآخرين هي أحد أهم مؤهلات المنتمي لهذا التنظيم الفاشي الدولي. والمجتمعات الحديثة كلها مجتمعات جاهلية يجب القضاء عليها حسب فكر الإخوان وأئمتهم المشهورين. وقيم المواطنة والعدل والمساواة والاختلاف في الرأي والمعتقد، لا قيمة ولا وزن لها في فكر وعقيدة الإخونجي. وإن تحديهم لمنظومة القوانين الوضعية ومحاولة تقويضها وعدم الاعتراف بأي شكل من أشكال نظم الحكم الموجودة، (الحاكمية لله)، يظهر تماماً نظرتهم الفاشية المتطرفة لكل ما توصلت إليه البشرية حتى الآن من تجارب وقوانين ورفضهم الكلي لها جملة وتفصيلاً. وإن الإيمان بالعنف والدعوة إليه لتحقيق مكاسب سياسية محضة، هي أهم ما يميز الفكر الفاشي في تعامله مع الآخرين. ويشكل تكفير، وازدراء، وإهدار دماء الآخرين واحدة من الدعامات الأساسية التي يقوم عليها فكر الإخوان المسلمين. ولهم تنظيم عسكري سري ظهر جلياً في الاستعراض العسكري الذي قام به شباب منهم في قلب جامعة الأزهر. كما أن عمليات الاغتيال السياسي التي بدؤوها في مصر وانتشرت في عمق العالم الإسلامي أسست لهويتهم السياسية وفكرهم الإرهابي وسلوكهم الدموي. كما أن المواجهات الدموية التي قاموا بها في كل من مصر وسوريا والجزائر والسودان والأردن، وأخيراً في غزة ستان، تثبت بما لا يدع مجالاً للشك عن تبنيهم المطلق ومباركتهم لهذا الخيار العنفي، والإيمان به. وأما التقية السياسية فقد ظهرت جلياً بما قامت به حماس( أحد الفروع البارزة للتنظيم)، من تصفيات دموية ووحشية ضد أخوة لهم في العقيدة والدين وتبين المدى الذي يمكن أن يذهبوا إليه في تمسكهم بخيار العنف الدموي التي يقوم عليها التنظيم في حسم الاختلافات والصراعات السياسية والوصول إلى القصور الرئاسية.
ولا يعترف الإخوان المسلمون بأي دستور، وأي فكر، وأي نظام حكم آخر في الأرض سوى رؤيتهم القائمة على الغيب والحاكمية لله (الحكم بما أنزل الله فقط). لا بل يدعون، علناً، إلى محاربة وقتل والتخلص من كل من لا يؤمن بفكرهم ويخضع لسلطانهم. ويعتبرون أن سقف التجربة التي توصلت إليها البشرية ونهايتها هي تلك التي خاضها وقدمها لنا أولئك البدو الجهلة الأميين، ويحيطونهم بهالة من العظمة والتقديس وهم الذين أورثوا هذه الأمم والشعوب المنكوبة البائسة خلافات دامية، وصراعات مريرة، وحروباً ضروساً، ومواجهات طائفية ومذهبية عنيفة لا تنتهي بإذن الله، بنهاية التاريخ نفسه، نتيجة للانتقال غير المتدرج وغير المدروس من مرحلة البداوة المطلقة ورعي التيس والإبل، إلى مرحلة الكيان الهيراركي ذي الطابع الديني القائم على الولاء العصبوي المطلق والتسليم الغيبي. وكانت تلك الصراعات نتيجة حتمية لتواضع ولقصور رؤيتهم السياسية، وانتفاء البعد القدسي من القضية، كلياً، لا بل تكريس الاتجاه الدنيوي وإضفاء بعد سياسي عليه، وعدم تمرس البدو في الحكم وفي إدارة المجتمعات على أساس وضعي وعلمي مدروس، وتباين مصالحهم الدنيوية، واستشراء مطامعهم السلطوية إلى حدود التصفيات الدموية، واستباحة دماء وأعراض وأموال بعضهم البعض، بالتوازي مع حروب إعلامية لا تبقي ولا تذر حيث استمر سب وقذف أحد quot;الخلفاء الراشدينquot; وهو بالمناسبة من العشرة المبشرين بالجنة، أيضاً، مائة عام، بالتمام والكمال، على المنابر.
كما أن انتقال السلطات وتداولها وزوال الدول، في التراث والتجربة السياسية التي يتخذ الإخوان منها أنموذجاً مقدساً، لم يكن يتم بالطرق التقليدية والمعروفة حالياً، ولم تقم خلافة، ولا ترحل أخرى، إلا على جبال من جماجم البشر الأبرياء والضحايا المساكين، وإراقة دماء الأبرياء الذين لا يعرف أين يمكن تصنيفهم هل بين الشهداء أم القتلى المصروعين، ونبش القبور والتمثيل بجثث الأخوة وأقرب الأقربين. هذه هي الدول الأنموذج، وهؤلاء هم الأيقونات المقدسة الذين يريد الإخوان لنا ولغيرنا أن نتخذ منهم قدوة حسنة في سلوكنا وحياتنا ونتمثل قيمهم البدوية في الثأر والغزو والحرب والقتل والعداوات المستفحلة التي لا تموت. أولئك هم فقط، مع كياناتهم الدموية، في عرف الإخوان المسلمين، هم الأمثولات والقدوات التي يجب أن تحتذي بها كل شعوب وأمم الأرض، وعندهم تتوقف سقف التجارب الإنسانية والسلطوية والسياسية والاقتصادية التي يجب أن تستنسخ وتعمم ويقلدها الناس، ومن لا يفعل ذلك، فهو من الكفرة الضالين المارقين والخوارج الرافضة الآثمين. ومن هنا اعترى تفكيرهم التخشب والتحجر والجمود، فهم يرفضون أي تجديد أو تطوير ويعتبرونه بدعة وكفراً وخروجاً عن أصول الدين.
تتطلب التهيئة والإعداد العقائدي والتنظيمي ضروباً مضنية من عمليات التوجيه والإرشاد والإقناع والتعبئة تلجأ لها مختلف التنظيمات والأحزاب والهيئات والتنظيمات في عملية إعدادها البنيوي لحشد المؤيدين والمناصرين لها في النمط الإجرائي المعهود لأية عملية سياسية شرعية. أما الإخوان المسلمون فهم يستغلون سلفاً ويلجؤون بمكر مدروس لاستغلال موروث ديني موجودة، وثقافة جاهزة، رغم ضحالة بنيتها الفكرية وبعدها الفلسفي، ولا تحتاج لأية تعبئة عقائدية تدين وتؤمن بها الغالبيات في هذه المجتمعات، والتي تنطلي عليها وبكل أسف تلك الخزعبلة السياسية المحضة وتنجر وراء الشعارات البراقة التي لا تخلو من مضامين وأهداف سياسية بحتة، ويتحدّى الإخوان من خلال هذه اللعبة الرخيصة كافة أطياف العمل السياسي الأخرى بالاحتكام لصناديق الاقتراع، مدّعين بذلك أهلية سياسية وشرعية كاذبة.
متى يقر الإخوان بفاشيتهم ويتبرؤون من فكرهم وتاريخهم الأسود، ويتخلصون من حرباويتهم وخطابهم المزدوج السقيم، ويعترفون أن مشروعهم السياسي لا مكان له في عالم اليوم، واستحالة تكيفه مع معطيات وقيم العالم الحديث والمد الجارف العولمي، وأنه قد أصبح بحكم الميت والبائد، ولا ينفع البتة في بناء دول عصرية تقوم على التعددية، وقيم المواطنة، والعدل والمساواة بين الجميع. فهو لم يفلح في إنتاج أية نماذج سلطوية يحتذى بها، ويعول عليها، ويعتد بها في الماضي السحيق، وعلى أيدي quot;صحابيينquot; كبار مقدسين وملهمين ومنزهين، فكيف سيستوي ذلك على أيدي رهط من الدعاة المسترزقين والمتعيشين ووعاظ السلاطين؟ وكيف يتجرؤون على المطالبة ببعثه وإحيائه من جديد وبعد كل هذه السنين وبعد أن أثبت فشله الذريع، بل كان السبب فيما نراه من تشتت وهزال وضعف هذه الأمم التي لن تنهض من كبوتها المزمنة، وسباتها التاريخي، ما لم تنبذ ذاك التراث وتتبرأ منه وتعريه وتنظر إليه بعيداً عن العاطفة والرومانسية الدينية وبكل بحياد موضوعي، وتتبنى قيم الحداثة والعصرنة والتجديد.
نضال نعيسة
[email protected]
التعليقات