فى طفولتى كنا نسكن فى أحد أحياء بغداد القديمة، وكنت أسمع الأذان من مكبرات الصوت بعد ظهورها فى الخمسينات من القرن الماضي. ربما رحب بها المؤذنون انفسهم ولكننى أكاد أن أجزم ان معظم الناس قد صدموا بها حيث اختطفت منهم ساعة أو أكثر من نوم الفجراللذيذ، وذلك لأن المؤذنين تعجبهم أصواتهم فيبدأون بتلاوة من القرآن الكريم وبعد الانتهاء من ذلك يقرأون الأدعية، وقد يستغرق ذلك أكثر من ساعة كاملة، ومن ضمن الأدعية التى كنت أسمعها يوميا:(اللهم انصر الاسلام وأهله وأذل الكفر وأهله وانصرنا على القوم الظالمين).


ترى ماالذى حصل للعراقيين بعد خمسين عاما من هذا الدعاء؟ لا أجدنى بحاجة الى تعداد، فقد ضاع العراق وضاع العراقيون، بينما زاد عدد المساجد ومكبرات الصوت زيادة هائلة بالرغم من انقطاع الكهرباء الذى عوض بالمولدات، واستمر الأذان والدعاء ليزعج الكبار ويفزع الصغار ويزيد فى توتر الأعصاب المتوترة أصلا.

الآية 186 من سورة البقرة: (واذا سألك عبادي عنى فانى قريب أجيب دعوة الداع اذا دعان فليستجيبوا لى وليؤمنوا بى لعلهم يرشدون). لا ريب ان الناس كانوا يدعون الله ان يرفع عنهم العذاب الذى نزل بهم طيلة نصف قرن بسبب حروب طاحنة قتلت مئات الألوف منهم و شوهت الملايين، اضافة الى جيوش الأرامل واليتامى، ومن هربوا من بيوتهم ليسكنوا فى خيم تنعدم فيها كل وسائل العيش، ولايكادوا يحصلون على قوت يومهم. اضافة الى من غادر البلد وأصبح لاجئا فى بلاد الغربة بعد ان كان العراق هو من يحتضن اللاجئين. ألا يستحق هؤلاء الرحمة من خالقهم؟

الآية 33 من سورة الأنفال: (وما كان الله ليعذبهم وانت فيهم). اي ان الله لا يفرط برسوله فيعذب العاصين وهو بينهم. أفلا يوجد كثيرمن الناس عابدين ناسكين مخلصين لله ولرسوله بين ملايين العراقيين المعذبين فيعفى عن المذنبين اكراما لهؤلاء العابدين؟ وما هو ذنب الأطفال والرضع الذين هم دائما اول الضحايا من الناس من أول نازلة تنزل بهم لرقة أجسامهم وضعف مقاومتهم؟

نحن البشر مهما تعلمنا وتقدمنا فان معرفتنا بأسرار الكون والخليقة ستبقى ضئيلة. لقد غصنا فى أعماق البحار، وحطت مركباتنا الفضائية على سطح المريخ، وتجولنا على سطح القمر.
اكتشفنا الأدوية والعلاجات الشافية لأمراض كثيرة، وطورنا وحسنا انتاج المحاصيل الزراعية، واستخدمنا المواد الخام بعد معالجتها للانشاء والتعمير، وبنينا السدود لخزن المياه، وتطول القائمة وتطول، ولكننا مقابل كل ذلك صنعنا وسائل القتل والدمارفسفكنا دماءنا بأيادينا. لم يردعنا خوف من خالق ولا مخلوق. ترانا وديعين كالحمل أحيانا وكالذئاب الكاسرة فى أحايين أخرى.

هناك بالتأكيد سرا لاندركه ولا نفهمه، فاننا لم نصنع عقولنا بأنفسنا وانما ولدنا بها، ونتصرف بحسب تكوينها، وعلى ذلك لا نكون مسئولين عن أعمالنا أمام خالقنا. الآية: (وما تشاؤون الا ان يشاء الله رب العالمين) والأخرى: (ونفس وما سواها ألهمها فجورها وتقواها) الا تعنى الآية الأولى اننا لا نعمل شيئا الا بارادة الخالق وموافقته؟ الا تشير الآية الثانية بوضوح الى ان الخالق هو الذى غرز فينا الخير والشر بنسب متفاوتة ولذلك تجد بعضنا صالحا والآخر طالحا بحسبما ألهمه الخالق؟ فلماذا يعذبنا على أخطائنا ونحن لم نكون أنفسنا ولم نصنع غرائزها؟ واذا ما أصابنا سوء وكنا عاجزين عن رده نلجأ الى الدعاء. ولكن تندر الاستجابة، واذا حصلت فربما لم تكن استجابة من الخالق بل صدفة حسنة انقذتنا.

عاطف العزي