لبعض النخب العربية التائهة في صحراء الصراع إيراني- الأمريكي!

أصبحت إيران دون شك لاعبا مهما في السياسة الإقليمية في الشرق الأوسط منذ الحادي عشر من سبتمبر الذي هز الولايات المتحدة الأمريكية في العمق. وهذا الدور الإيراني جاء بسبب جهل سياسة الإدارة الأمريكية لما يمكن ان ينتج من احتلالها لأفغانستان بحجة الإرهاب، وللعراق بحجة امتلاكها لسلاح تدمير شامل، حيث مكنت أمريكا بذلك من حيث تدري أو لا تدري إيران من أن تتحول إلى لاعب أساسي، صعب تجاهله في أي سيناريو سياسي جديد في المنطقة حد الأقل في المرحلة الحالية. واستغلت القيادة الإيرانية التي كانت تعيش ضغوطا داخلية متزايدة الفرصة ونقلت مشاكلها من الداخل الى الخارج وتحديدا الى العراق وتمكنت في المرحلة الثانية من إستراتيجيتها هذه ان تحقق ما لم تستطع ألثمان سنوات حرب ضد العراق تحققه لها، حيث تمكنت في المرحلة الأولى ومن خلال حلفائها من الأحزاب العراقية التي كانت تتخذ من إيران مقر لها، تمكنت ان تدفعهم للتعاون مع أمريكا. وتنتقل اليوم ايران الى المرحلة الثالثة من هذه الإستراتيجية وهو التدخل المباشر، حيث يدعوا رئيس جمهوريتها أحمدي نجاد الى مليء الفراغ الذي سيسببه خروج القوات الأمريكية في العراق! وبهذا الانتقال، ستتمكن ايران من توسيع رقعة تدخلها ومجازرها وحروبها الطائفية وتصفيتها للعناصر الوطنية التي قامت بها في العراق حتى تشمل الدول العربية المجاورة التي هدد قائد الحرس الإيراني الجديد جعفري بـ quot; سقوط بعض أنظمتهاquot; مستقبلا.

ان الخطأ الأمريكي القاتل كان سماحها للتغلغل الإيراني في السياسة الداخلية العراقية من البداية وهي التي كانت تعرف ان لم يكن ذلك قبل الإحتلال فكان من المفروض ان تحصل هذه القناعة لدى الإدارة الأمريكية بعد الإحتلال للعراق ان سماحها للأحزاب الحليفة لإيران بالسيطرة شبه الكاملة على السلطة في العراق سيعطي الفرصة لإيران بالقيام بما تقوم به اليوم. التغلغل الإيراني في العراق كان واضحا لكل مراقب للشأن العراقي بعد فترة من الاحتلال، لكن الأمريكان لم ينتبهوا لخطأهم هذا إلا بعد ما تحولت إيران إلى مصدر إزعاج حقيقي للسياسة الأمريكية في العراق وفي المنطقة، ودقيقا في الوقت الذي بدأت فيه القوات الأمريكية وحلفائها يغرقون في الوحل العراقي بفعل المقاومة الوطنية العراقية من جهة والإرهاب والتخريب الإيراني والمجازر الجماعية التي تقوم بها مليشيات النظامين الإيراني والعراقي والقاعدة من جهة اخرى، وهذا ما اجبر الأمريكان ان يطأطئون الرأس هذه المرة لأهم أقطاب الشر بالأمس، إيران وتتحاور معه.

ايران من جانبها، ومن اجل ان تتمكن من التحرك المؤثر في الاتجاهات التي قصدتها وخططت لها خارج الحدود، وخلال فترة غير قصيرة، تغلغلت كثيرا في العالمين العربي والإسلامي أيديولوجيا وتنظيميا من اجل الحصول على تأييد شعوب المنطقة الذين يكنون كرها للسياسة الأمريكية التي عملت ضد مصالح شعوب المنطقة، وبذلك تمكنت ايران ومن خلال إعلانها المساندة للحق الفلسطيني والعربي لاسترداد الأراضي المحتلة، تمكنت من الحصول على ما تحتاج من مؤازرة الى حد كبير شعبية في المنطقة خلافا لما عملت أمريكا خلال هذه الفترة حيث وبالإضافة الى مساندتها اللا محدودة لإسرائيل مقابل الحق الفلسطيني، قتل حصارها الجائر على العراق اكثر من مليون طفل عراقي بين عامي 1990 و2003، مما جمع العالم بأسره متعاطفا مع معاناة الشعب العراقي ضد السياسة الأمريكية تحت غطاء الحرب على الإرهاب والقاعدة والقضاء على اسلحة الدمار الشامل العراقية التي لم تتمكن الإدارة الأمريكية من إثبات وجودها في العراق، بل وبالعكس من ذلك، كانت هذه الأسلحة تتطور وتصنع وتخزن في ايران بتكنولوجيا أمريكية وغربية وبعلم السي، آي، إ والمخابرات الأوروبية المختلفة دون رادع!

بين بغض السياسة الأمريكية الظالمة لشعوب العالم الثالث ومساندتها العمياء لإسرائيل واحتلالها للعراق الذي تسبب لمجازر ومذابح حصدت مئات الآلاف من الأرواح البريئة بالإضافة الى تشريد الملايين من وطنهم من جهة وجهل الإدارة الأمريكية واستخباراتها بالمناورات السياسة الإيرانية والأهداف التي خططت لها وبدأت بتنفيذهها إيران في ظل الإحتلالات الأمريكية من جهة اخرى، تمكنت ايران من بناء قاسما مشتركا بينها وبين مختلف شعوب العالم العربي وخصوصا لدى القاعدة العريضة من النخبة العربية التي رأت في إيران رأس حربة ضد الجبروت الأمريكي الذي بدا متهورا أكثر من اللازم بعد سقوط الاتحاد السوفييتي وعدم وجود منافس قوي له، حيث غدا صعب علينا نحن الأحوازيين، الوصول إلى الرأي العام العربي وكسب وده في نضالنا من أجل نيل حقوقنا القومية والوطنية، وقد عزز من هذه الصعوبة الاستهداف الأمريكي الظاهر لإيران والتهديد المستمر بإمكانية شنه حربا ضد إيران، ومعارضته الشديدة لسياسات إيران النووية التي اعتبرها كثير من العرب والمسلمين خطئا كما لو أنها قوة لهم، وأن ضربها يعني ضربا للشعوب المستضعفة من أجل بسط النفوذ الأمريكي على مختلف مناطق العالم الإسلامي.

المستغرب في هذا الصراع الأمريكي-الإيراني، هو تياه البعض غير القليل من النخب السياسية والثقافية والفكرية العربية المعادية لأمريكا بسبب سياسات الإدارة الأمريكية الفعلية المساندة لإسرائيل والمعادية للعرب والمسلمين عموما حيث ان كثير من هذه النخب وبعد كل ما ظهر وانكشف عما قامت به ايران في العراق من قتل وتفجير وزرع للطائفية وتصفية للوطنيين والقوميين والعلماء وذوي الكفاءات العلمية وكل ما انكشف عن خططها واهدافها التوسعية وأطماعها الإقليمية، مازالت تسند الموقف الإيراني في ما يجري في المنطقة مع العلم ان سياسة التوسع الإيرانية والتدخلات والتخريب الإيراني اصبح حديث الساعة عند القاصي والداني في المنطقة ولم يعد هناك عذرا مقبولا لهذه المواقف غير المبررة مع تفهمنا لخوف البعض منهم من الإحتلال الأمريكي الكامل للمنطقة! مثل ما يعلنون، لكن يا ترى هل القوة الإيرانية هي التي عليها القيام بحماية المنطقة من الإحتلال الأمريكي لها؟ الى يعرف هؤلاء ان القوة الإيرانية هي الخطر الفعلي على الدول العربية وعلى استقرارها ومستقبلها وهل ما أعلنته وفعلته ايران في الدول العربية حتى الآن غير كاف لتراجع بعض هذه النخب من مواقفها المبنية على وهم؟ ونقولها للأخوة من هذه النخبة الذين مازالوا يعطون لإيران مكانا نضاليا في المنطقة بحسن نية، ان ايران القوية لن تكون صديقا مدافعا عن المصلحة العربية مستقبلا وان ما تقوم به ايران في مساندتها لبعض التنظيمات المعادية لإسرائيل هو جزء من إستراتيجية طويلة الأمد لسياسة تمدد ايراني في المنطقة ومساندتها للأمريكان في احتلالهم للعراق خير دليل على ذلك، بالإضافة الى ان القوة لإيرانية و مناوراتها العدائية للسياسة الأمريكية في المنطقة ليس من اجل العرب بل بهدف تنفيذ سياساتها التوسعية في المنطقة العربية التي تعتبرها ايران الحديقة الخلفية حيث كانت جزء من إمبراطوريتها الفارسية التي يحاول النظام الفعلي إعادة بناءها! والنتيجة لكل ما جاء هو ان الخطر الإيراني على المنطقة العربية بسبب الأهداف التي خلفه هو الأكثر خطورة على مستقبل شعوبها واستقرار دولها. إن مساندة هذه النخبة من العرب للنظام الإيراني جلبت حتى الآن التعاطف الشعبي الواسع للنظام الإيراني في المنطقة على حساب مصالح العرب الوطنية، وعلى هؤلاء الذين أضعفت الشعارات الإيرانية المعادية للأمريكان نظرهم عن رؤية ما يجري في الأحواز والعراق والمنطقة من جرائم على يد جلاوزة النظام الإيراني، عليهم ان يعيدوا النظر في مواقفهم وان يعودوا الى مواقفهم الوطنية والقومية وينظروا بعمق للخطر الإيراني القادم وما يحمل من تهديدات لمستقبل الشعب العربي كأمة وهوية وحضارة وثروة حيث ايران لن تكتفي باحتلال الأحواز والجزر العربية الثلاث في المستقبل، بل ومثل ما طلبت من الأمريكان حتى الآن استبدال قواتهم بقوة إيرانية في العراق، ومثل ما هددت بإعادة البحرين على لسان مستشار المرشد الأعلى للنظام، ستطال يد التوسع الإيراني كافة الدول العربية واحدة تلو الأخرى.

ومن اجل ان لا يخلط البعض الأوراق ويرى سياسة أمريكية خلف فضح السياسة الإيرانية في العراق والمنطقة بسبب مواقف ايران المساندة للحق العربي في فلسطين، أو بسبب دفاعها عن الإسلام والمستضعفين! نقولها بدون تحفظ ان ليس للأمريكان يعود الفضل في فضح السياسة الإيرانية وتدخلاتها وتمددها وجرائمها في العراق خصوصا وفي المنطقة عموما، بل للأحوازيين والإعلام العربي وللمقاومة الوطنية العراقية التي وقفت بقوة بوجه الإحتلال الإيراني غير المعلن والتي تمكنت من تعرية خيانة حلفاءه من الصفويين في السلطة العراقية وكشفت أسرار مجازرهم التي قامت بها المليشيات المدربة والمسلحة إيرانيا، المقاومة التي تحظى بمساندة هذه النخبة من العرب خصوصا. كما ونقولها بدون تحفظ أيضا، ان المواقف المتخذة من بعض الجهات الرسمية العربية -التي تحظى بمساندة البعض من النخبة- لصالح الموقف الإيراني، لم تتخذ من أجل الدفاع عن الحق العربي بل من اجل الحفاظ على كرسي الحكم، حيث لو كانت هذه الجهات حريصة على الحق العربي، لما اعتقلت وعذبت وسلمت العرب الأحوازيين، المناضلين اللاجئين لديها الى سلطات الإحتلال الإيراني للأحواز.

محمود أحمد الأحوازي