أثناء تواجدي في مصر في شهر أغسطس الماضي، شنت الصحافة القومية هجوماً شرساً وظالماً على عالم الاجتماع المصري، د. سعد الدين إبراهيم،حتى إن بعضها كتبquot;د. سعد الدين إبراهيم، رجل فقد عقلهquot;، في مقالي هذا لا أدافع عنه، لأنه أقدر مني على الدفاع عن نفسه، لكن أردت أن أوضح بعض الحقائق الغائبة لأحق الحق.


التقيت بالدكتور سعد ثلاثة مرات في ثلاثة مؤتمرات،فعرفته عن قرب، قرأته فاعجبني اسلوبه السهل الممتنع، وحادثته فأعجبني حديثه المقنع،فهو كمثقف ملم بمشاكل المنطقة،مدرك لأبعاد الموقف العربي الإقليمي والدولي، وجدته على اطلاع على صناعة القرار في أوربا وخاصة أمريكا،مما يزيد من مصداقية كلامة واطلاعه على مجريات الأحداث،وهو رجل متفائل بطبعه، وخاصة بإمكانية تغيير العالم العربي وإدخالة إلى الحداثة،ففي سؤال وجهه له أحد الزملاء في أحد المؤتمرات،قال له إن الصورة قاتمة ولا أمل في إمكانية إصلاح مصر والعالم العربي.أجابه :quot;لماذا لا ترون من الكوب إلا النصف الفارغ؟ لماذا أنتم متشائمون؟ فمصر بخير، صحيح أن هناك أخطاء فادحة للنظام الحاكم،صحيح أن الإصلاح يسير بسرعة السلحفاة،لكن هناك أمل في التغيير، هناك الآن صحافة حرة،هناك فكر وروح جديدة أخذة في الانتشار،نستطيع الآن نتكلم ونناقش قضايا كانت في حكم المسكوت عنه ولا نتكلم فيها إلا همساً،الآن وعلى الفضائيات تناقش كل القضايا علناً،هناك جيل جديد (وأشار إلى الحاضرين بيديه)بفكر ووعي جديد، الإصلاح قادم شئنا أم أبينا،لكنه بطيء في مصر والعالم العربي، لكن علينا أن نؤسس للمجتمع المدني، وهذه مسئولية مركز ابن خلدون الذي أديره ومسؤوليتكم أنتم كمثقفين، هناك ضوء في نهاية النفقquot;.


لا شك أن عالم الإجتماع المصري الكبير واع بأن إصلاح مصر وغيرها من البلدان المشابهة يمر من بوابة إصلاح التعليم، وخاصة التعليم الديني، بتطهيره من ثقافة الكراهية،والعنف والجهاد والإستشهاد وكراهية المرأة، التي هي الثدي التي يرضع منها الإرهاب لبانه السامة، ويمر أيضاً -وخصوصاً- بنزع فتيل قنبلة الانفجار السكاني، التي يفجرها فيه الإخوان المتأسلمين وتلامذتهم من صناع القرار. فلماذا لا نفعل كما فعلت الصين والهند فانتقلتا من التخلف إلى التقدم الأقتصادي والعلمي والتكنولوجي، لمجرد خفضها معدلات السكان إلى الحد الأدنى، فارتفعت معدلات النمو إلى الحد الأعلى، حوالي 8% في الهند،و11،5 في الصين.ولمثل هذا فليعمل العاملون في مصر وكل أرض الإسلام المريضة بقنبلة أنفجارها السكاني.


الحرب التي تشنها الصحف القومية والصفراء على د. سعد الدين أنه ناقم على مصر، خاصة منذ خروجه من السجن، وهذا لعمري كذب كبير على رجل عالم بقامة د.سعد، فهل فيما ذكرته من حديث على لسانه ما ينم عن كرهه لمصر أو للمصريين؟؟!! حتى أنه عندما سأله أحد الزملاء عن أن جمال مبارك هو الذي سيحكم مصر بعد أبيه؟ أجاب:quot;وما الضرر في ذلك؟! نحن مع من يحكم مصر ويلتزم بالإصلاحات ويؤسس للمجتمع المدني والديمقراطية وحقوق الإنسان والمواطنة الكاملة وحقوق المرأة،وحقوق الأقليات... ما عيب جمال مبارك؟ هل عيبه أنه ابن مبارك؟ فهو مصري ككل المصريين ومن حقه أن يرشح نفسه للرئاسة، وإذا انتخبه الشعب فأهلاً وسهلاًquot;. هل فيما قاله عيب؟ عجباً. أين كرهه لمصر ونظامها؟!!أما قولهم بأنه يكتب في quot;الواشنطن بوستquot; ويفضح مصر، فهذه كذبة اخرى، فالدكتور سعد كعالم إجتماع يشخص أمراض مصر لقرائه بمن فيهم صناع القرار في أوربا وأمريكا ليساعدوها على التغلب عليها، فالتدخل الأجنبي الأوربي والأمريكي مرغوب ومطلوب، فبدونه لن تتم الإصلاحات المنشودة، وسأضرب مثلين على ذلك،فالجمهورية الإسلامية الإيرانية،لم توقف حد الرجم إلا بتدخل وضغط من الاتحاد الأوربي، وتركيا ألغت عقوبة الإعدام والزنا، وألغت حد الردة بضغط من الاتحاد الأوربي، فأهلاً بهذا التدخل إذا كان هو الذي سيدخلنا إلى الحداثة رغماً عنا،كالدواء المر الذي يصفه الطبيب للمريض فيأخذه رغماً عنه لأن فيه شفاءه.


أما المأخذ الثاني على د. سعد، فيتهمونه بأنه متلون ومتغير الآراء والأفكار، وهذه والله تحسب له لا عليه، بمعنى أن يتخلي الكاتب أوالمفكر عن أفكار أثبت له الواقع فشلها، فهذه علامة نضج ومرونة فكرية نادرة وجديدة على عالمنا العربي والإسلامي، انطلاقاً من القاعدة الذهبية القائلة:quot;كل شيء يتغير إلا قانون التغيرquot;.


فلا ضير في أن يتغير الكاتب من إسلامي إلى شيوعي،الى قومي، ثم إلى ليبرالي حسب مقتضيات الواقع، فالمثقف الجدير بهذا الإسم هو الذي يخضع فكره لمحكمة الواقع وليس العكس، فالدكتور سعد مثقف جدير بهذا الإسم، وطني محب لمصر حتى النخاع، ولو كره المتأسلمون ومرتزقة الصحافة، وهو لم يفقد عقله كما يقولون عنه بل زكاه ونماه ووسع آفاقه.


فسر على بركه الله يادكتور سعد الدين إبراهيم،أدي رسالتك التي وهبت لها حياتك، فقافلتك الحافلة بالمشاريع البناءة تسير وكلاب المتأسلمين والمأجورين تنبح،وكان الله في عونك.

أشرف عبد القادر
[email protected]