عندما نشرت مقالا بعنوان جامعيون ينظفون شوارع لندن وتحدثت عن مئات الشباب الجزائريين وبعضهم جامعيون الذين تحولوا إلى كناسي طرقات عاصمة الضباب، شن عليّ من وصفوا أنفسهم بالحريصين على سمعة الجزائر وسيادتها حملة شعواء واتهموني بالانحراف في الكتابة عن بلد المليون ونصف المليون شهيد، وقالوا إن هؤلاء قلة لا يمثلون الأغلبية.

لذلك فإنني أدعوهم إلى قراءة هذا المقال:

القنصلية البريطانية في الجزائر أعادت فتح أبوابها أمام طالبي التأشيرة ووضعت حدا لعناء سفر الجزائريين إلى تونس لطلب التأشيرة.

المسؤولون في السفارة البريطانية قاموا بدعوة الصحفيين لاطلاعهم على مقر القنصلية الجديد في (واد كنيس) الذين تفاجؤوا بحجم الإجراءات الأمنية المبالغ فيها حسب وصفهم. وهذا من حق السفارة التي تحاول ضمان أمن موظفيها، لكن ما لم يعطه الصحافيون حقه من التغطية ومروا عليه مرور الكرام تلك الشروط الثلاثة عشر التي فرضتها السفارة على الجزائريين.على رأس هذه الشروط:

أن يكون المتقدم لطلب التأشير تجاوز عمره الخمسين.

أن يكون بصدد إعداد شهادة جامعية عليا.

هنا بيت القصيد أن يكون ذا خبرة في مجال التنظيف ( كنس الشوارع)!!

هذا الشرط الغريب لم تفرضه السلطات البريطانية على أي طالب للتاشيرة في العالم! فلماذا فرضته على الجزائريين! فهل الجزائر خلت من أطباء ومهندسين وأساتذة وطيارين وأصحاب كفاءات في الاختصاصات الأخرى؟ لتضعهم في خانة الكناسين؟

الأدهى والأمر أن الخارجية الجزائرية لم تستدع السفير البريطاني أندرو هندرسون لاستفساره عن هذا الشرط الغريب! فيما تواطأت الصحافة المملوكة للدولة والخاصة بعدم تناولها الخبر بالتفصيل.

أحاول أن أقلب الآية لأتساءل ماذا لو وضعت السفارة الجزائرية في لندن شرط حصول البريطانيين على التأشيرة إلى الجزائر بأن يكونوا طهاةً مهرة في قليْ السمك بالبطاطا fish amp; chips طبعا هذا لا ولن يحصل لأن الجزائر ليست بريطانيا!

لكن وفي العرف الديبلوماسي فإن آخر دولة في العالم تهبّ للدفاع عن كرامة مواطنيها، فلماذا لا تتخذ الجزائر ولو اجراءات شكلية في هذا السياق؟ حتى من باب حفظ ماء الوجه!

عندما أكتب عن تشريد الآلاف من خريجي الجامعات الجزائرية في ديار الغربة يتصل بي صحافيون محسوبون على البلاط ويقولون لي نعم هناك خطأ لكن بالله عليك لا تنشر الغسيل أمام العالم! أقول: المشكلة هنا أن العالم وضعك في الخانة التي يريد أن يراك من خلالها، لكنك أنت الذي تغطي رأسك كالنعام وتعيش على ذكريات وأمجاد الماضي.

عندما تندر البطاطا في الأسواق الجزائرية وتستورد المافيا بطاطا كندية فاسدة تُقدم للخنازير ( هذه حقيقة وليست مجازا) لإطعام الشعب تقول الحكومة نعم هناك خطأ!

حينما يفقد المواطن أمنه ويستعين بعصا غليظة وهو يتسوق للحيلولة دون اعتداءات المنحرفين عليه وسلب أمواله في الأسواق الشعبية، نقول نعم هناك خطأ!

عندما يلقي الآلاف من الشباب بأنفسهم في زوارق الموت للوصول إلى الضفة الشمالية عبر البحر، نقول نعم هناك خطأ!

عندما تستطيع القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي توظيف عشرات من الصبيان لتخريجهم كانتحاريين يقول المسؤولون الأمنيون نعم هناك خطأ!

لكن ماذا لو استبدلنا كلمة (خطأ) بالفساد؟ فهل آن الأوان أن يُحاسَب المخطئون؟

سليمان بوصوفه