وبعد ان أنجلى الدخان الکثيف للثلاثاء الفاصلة في الولايات المتحدة الامريکية و حسم باراك اوباما النتيجة و صار الرئيس القادم، وبعد أن ظنت الکثير من القنوات و أجهزة الاعلام العربية أنها قد حققت إنتصارا مبينا على الجمهوريين و إدارة الرئيس جورج بوش من خلفهم، هذه الاجهزة نفسها بدأت بالحديث عن الوجوهquot;الصهيونيةquot;التي ستتبوأ المناصب الحساسة في إدارة الرئيس الامريکي الاسود اوباما مشيرة الى الدور الخبيث وquot;السرطانيquot;للوبي اليهودي في واشنطن بعد أن کانت قد موهت قبل ذلك على المتابع العربي بأن إنتصار اوباما سيعني تغييرا في المواقف الامريکية بإتجاه العرب.


اوباما الذي أفرحquot;مستضعفيquot;العالم برمته و أدخل الامل الى صدور مختلف الشعوب و الاعراق و الاديان، لم يکن يشکل إطلاقا أية علامة أو إنتکاسة ما في التأريخ الناصع للديمقراطية الامريکية العريقة التي تتحکم بالنظام السياسي في أمريکا، وإنما شکل نصرا جديدا مبينا آخرا لهذه الديمقراطية و أثبت للعالم برمته شفافية إدارة السلطة في أقوى و أعظم دولة في العالم. اوباما، حينما رفع شعارquot;التغييرquot;في أمريکا التي هي أساسا في تغيير مستمر و دؤوب، فإنه قد بعث برسالة بليغـة لکل الانظمة السياسيةquot;العرجاء و العمياء و الخرساء و الطرشاء و ذات التشوهات الخلقيةquot; في العالم مفادها أن واشنطن التي لعبت دورا في تغيير أنظمة و مسارات سياسية و إقتصادية و حتى تأريخية في العالم، هي بنفسها تخضع لهذا القانون و لا تحييد عنه أبدا، ذلك أن جوهر التفوق الامريکي و سره الاساسي يکمن في التغيير الحيوي المستمر في هذا البلد المهيمن على الخطوط الاساسية للسياسات الدولية.


اليوم، عندما نرى مجددا التسابق بين أجهزة و قنوات الاعلام العربي لتسليط الاضواء علىquot;صهيونيةquot;کبير موظفي البيت أو صهيونية الوزير الفلاني أو ذاك الذي دعم اوباما للوصول الى البيت الابيض، فإننا نتيقن مرة أخرى من الواقع المتخلف و البائس لهذا الاعلام و ندرك عقمه في فهم مغزى و عمق الذي يجري من أحداث و أمور استثنائية في العالم. خصوصا عندما يرکض خلف مظاهر الاشياء وليس مضامينها و يراهن عليها وکأنها ستکون الفيصل في تغيير مسار الامور أو تعديلها بما سيخدم المصالح العربية لکن هذا الاعلام المکبل بشکل يکاد يکون عاما، هو نفسه الذي يصفق و يطبل و يزمر للمظاهر البراقة في العالم العربي و يمجد بشکل أو آخر للنظام السياسي العربي القائم و لا يکاد يجرؤ على طرح مبادئ أو مقومات تمهد لإحداث عملية تغيير في جوهر هذا النظامquot;الفاشلquot;من أساسه والذي يسيره في کثير من الاحيان بضعة ملتحين متناثرين هنا و هناك وحتى أن الرائج بين المثقفين العرب أن النظام العربي يسير بقدرةquot;إلهيةquot;وليس للإنسان في الامر من شئ سوى التصفيق أوquot;حبل المشنقةquot; وليس هناك بين الامرين من أمر ثالث!


وبقدر ماکان الاعلام العربي مهتما بظاهرة اوباما، فإنه لو کان قد منح عشر هذا الاهتمام لواقع النظام السياسي العربي القائم و بحث في آفاق تغييره بإتجاه يخدم کرامة و حياة الانسان العربي لکان قد حقق معجزة مخلدة في التأريخ.
دعوا اوباما للاوباماويين الحقيقيين الذين يدرکون و يفقهون معنى و جوهر التغيير و إنشغلوا بقادتکم الذين يتمسکون بالسلطة لا الى الرمق الاخير من حياتهم وإنما الى الرمق الاخير من حياة عوائلهم و سلالاتهمquot;المنتجبة المنتقاةquot; أيضا و حاولوا أن تنهوا تلك الابتسامات الساخرة التي ترتسم على وجوه الاوربيين کلما تحدثت التقارير الخبرية عن ديمقراطية أو حقوق انسان في بلدانکم!

نزار جاف
[email protected]