شهدت الأيام القليلة الماضية اختلافا واضحا في المواقف السياسية العراقية تجاه القضايا الحساسة، وتضاربا في المصالح وتبادلات للأتهامات بين دولة رئيس الوزراء نوري المالكي ورئيس الجمهورية جلال الطالباني، وصل الى حد التهجم الاعلامي المتبادل، وبالتالي عدم الثبات والأستقرار في مجرى العلاقات الحكومية وصعوبة الأتفاق على حد أدنى من التعامل الثابت بين سلطات النظام وتصاعدا في درجة تدخل بعض القوى الأقليمية والدولية في القضايا العراقية وزيادة أختراقها للنظام الرسمي العراقي والتأثير على توجهاته.

وبطبيعة الحال توجد أسباب ذاتية داخلية ايضا، بجانب حقائق موضوعية وسياسات اقليمية ودولية تتفاعل في خلق هذا المأزق.
ومنذ اللحظة الاولة من موافقة الحكومة العراقية على الاتفاقية الامنية مع الولايات المتحدة تثار اشكاليات وتساؤلات حول واقع و مستقبل السيادة والامن في العراق، ووصل الأمر الى حد دعوة رئيس اقليم كردستان العراقي البرزاني لأنشاء قواعد عسكرية امريكية في الشمال،فبدا النظام الرسمي في بغداد عاجزا عن مواجهة التهديدات والمخاطر التي تهدد بقاء الدولة العراقية. وليس من المبالغة القول أن الأزمة العراقية الراهنة أصبحت أزمة وجود ومصير فهو يواجه خططا لتقسيمه على أسس مذهبية ومناطقية.

ورغم هذه الخطورة فأن شركاء الحكم مشغولون بحالة التراشق السياسي والتهجم الاعلامي المستمر،ليسجل غيابا عراقيا رسميا شبه كامل عن التعامل مع أحداث العراق والمنطقة وتطوراتها بفاعلية.

فالقادة العراقيون بعيدون تماما عن الأحداث، وكأن الذي يجري في الشرق الاوسط يحدث في قارة اخرى فهم من الأن بدأوا برسم خططهم الأنتخابية لمرحلة الحكم القادمة،تاركين العراق لكي يعيش حالة من التمزق والتراجع وفقدان الرؤية المستقبلية.

ومثلما ذكرت فأن مؤسسات الدولة في العراق تسوده ظاهرة الدوائر المتقاطعة الجزئية، من دون بناء جسور تربط بينهما جميعا في منظومة حكم قوية عصرية متقدمة، تملك الية حركية فاعلة ومنظمة للعلاقات بينها، بل يشهد عدة انقسامات على كل المستويات. انقسامات حول العلاقات المستقبلية مع الولايات المتحدة، واخرى حول سياسة التعامل مع تركيا وايران وسوريا، واثارة انقسامات مذهبية وقومية حول قضايا خلافية لم تحسم، هدفها تسييس الخلافات المذهبية والقومية واشعال الفتنة الداخلية لاسباب حزبية وانقسامات بين قوى عراقية معتدلة لم يحققوا سوى القليل من الأنجاز السياسي والأقتصادي، واخرين متشددين مثل التيار الصدري يذهب اليهم كثير من المحبطين بسبب سياسات قوى الحكم ومواقفهم،والغاضبين على الأعتداءات الأمريكية المتواصلة، ليس لديهم بدورهم ما يقدمونه، وبين قوى الأعتدال في الحكم وافلاس التشدد عند المعارضة دخل العراقيون طريق الضياع وأصبحت التهديدات بسبب حالة عدم الأستقرار في العراق تمس أمن دول الشرق الأوسط في الصميم ومن يثور التساؤل! هل ما زال النظام العراقي يمتلك القدرة على وضع اليات تمكنه من أجتياز الأزمة الراهنة وهي أصبحت أزمة وجود ومصير؟


الدكتور راوند رسول
[email protected]