بداية لا نشكك ابدا في وطنية كائن من كان من ابناء العراق الأصلاء، ولكننا نتسائل فقط من المسؤول عن هذا التخريب والتغيير في البنية الانسانية العراقية، وما هو الحل وكيف نبدأ لاعادة العراق الى وضع طبيعي يزهو بين الأمم!


كلنا علم بان اميركا هددت حكومة وبرلمان العراق بانه اذا لم يوافقا على الاتفاقية الأمنية معها، فان العراق سيلقى وضعا مأساويا وشاذا وسوف لن تتدخل اميركا في حمايته، وهذا ما سيزيد من صعوبة ايجاد الحلول، لقد سارع العديد من اعضاء الحكومة والبرلمان الى تغيير مواقفهم السابقة رأسا على عقب حين سماعهم التهديد، والغريب ان هناك ركضة غير مسبوقة في البرلمان للموافقة على الاتفاقية، خاصة الكثل الاسلامية والتي لطالما وصفت اميركا بالشيطان الأكبر ودولة الكفار!

لكن الامتيازات التي منحت لاعضاء مجلس النواب العراقي من زيادة في الرواتب والمخصصات ومنحهم المزيد من قطع الأراضي والسيارات وغيرها وذلك قبيل دعوتهم للاجتماع والتصويت بنعم او لا على الاتفاقية الأمنية مع اميركا...قد تكون هي السبب الذي خلق جوا من الطمأنينة والسعادة بين النواب اثناء اجتماعهم للتصويت مما حدا ببعض الاعضاء ان يوصف التدافعات والركلات والضرب على المناضد والاشتباك مع حمايات الوزراء بالجو الديمقراطي!!!!، ولكن الحقيقة ان الجو كان هرجا ومرجا.

ان تشبيه رئيس مجلس النواب لجلسات مجلس النواب ولعدة مرات على انه كمجلس كهوة عزاوي او الجالغي البغدادي، دليل على ان حضورهم ليس جديا لصالح الشعب، والا لما تجرأ رئيس المجلس ولعدة مرات انتقاده اللاذع والمستمر لبعض من اعضاءه اثناء مناقشاتهم والتي يعتبرها السيد الرئيس كمناقشات المقاهي، وهذا دليل يكفي لمعرفة الكثير عن اهمية ونوعية ومستوى مناقشات هذا المجلس.


ان الديمقراطية الحقيقية والتي يرغب العراقيون في تبنيها، هي تلك السلوكيات الشفافة والتعامل الجدي والمسؤول وابداء الحرص الشديد والذي تمارسه الحكومة والبرلمان اتجاه شعبهم، وهذا ما لم يشعر به العراقيين بعد تغيير نظام صدام، لأن الحكومة والبرلمان لم يستطيعا توفير الأمن والاستقرار والخدمات الصحية والتعليمية للعراقيين، ان المتابعين للشأن العراقي يعتقدون بان علاقة غالبية الشعب العراقي مع غالبية اعضاء البرلمان ليست ودية، فالوضع الأمني والإقتصادي والإجتماعي والثقافي ما زال منحطا وبائسا، وان خطاب الحكومة السياسي والإعلامي لا زال مهتما ويحمل في طياته التهديد اتجاه من عارض التغيير الفاشل، ان من اهم الأسباب التي ادت الى فشل جميع الحكومات التي تناوبت على العراق منذ الغزو والى حكومة السيد المالكي هي اعتمادها ولا زالت على توزيع المهمات والمسؤوليات الحكومية على اساس المحاصصة السيئة الصيت والتي فتحت الأبواب لظهور شراهة الأطماع الشخصية والحزبية والتي سيبقى العراقيون يعانون منها.

فالمشروع الديمقراطي كما تؤكد تجارب العالم يتطلب وجود حكومة مستقلة وغير منحازة لطائفة او لقومية معينة، حكومة لها برنامج عمل يسير وفق خطوات سياسية ومنهجية تحترم وتطمئن ابناء الوطن دون استثناء، لأن الحكومة ذات النهج الدكتاتوري او الديني بكل مسمياته الطائفي او المذهبي او القومي المتعصب، لا يمكن ان تتتفق خطواتها مع المنهج الديمقرطي، وفي ظل هكذا اجواء لا يمكن قيام نظام ديمقراطي يمارس العراقيون بكل انتماءاتهم الدينية والقومية حياتهم الطبيعية، وكل من يصرح عكس ذلك فهو كذاب ومنافق، ولا بد ان اشير بان العنف الديني والطائفي والثأر الحزبي والفوضى والفساد لا يمكن ان استثني دور ميليشيات بعض الكتل والأحزاب في تأجيجه، وهذا ليس كلام العراقيين فقط انما هو ما اعترفت به القيادة الأمريكية وهيئة الأمم المتحدة.

لقد ثبت بالملموس عدم كفاءة الحكومات التي ادارة شؤون العراق منذ احتلاله وآخرها حكومة المالكي!، وبات الوضع بحاجة ملحة لحكومة صادقة وطنية بعيدة عن التكتلات الطائفية والحزبية، وفي اعتقادي ان ذلك من الممكن تحقيقه خاصة واننا نرى هذه الأيام بان السيد نوري المالكي قد دار دفة قاربه باتجاه آخر غير الذي رأيناه قبل سنتين، ولكننا نشد على يد كل من يقف مع العراقيين ضد المحاصصة والفئوية....اتمنى ان لا يكون هذا التغيير في مسار السيد المالكي بدعوة ايرانية او امريكية ولغرض ما!!

ان التأريخ لن يرحم احدا خذل وخان شعبه اوغيّب عنه الحقيقة..!

اؤكد بانه اذا ارادت اميركا والمتعاونين معها من العراقيين ان يقدموا الى العالم عراقا بحكومة ديمقراطية تحترم مكونات شعبها وتعمل على حث جيرانها بعدم التدخل في شؤونها وتقوية علاقاتها الاقتصادية والثقافية والعلمية مع المجتمع الدولي، وتعمل على محاربة الارهاب ونشر ثقافة السلام وتوفير فرص عمل لكل العراقيين للنهوض بالعراق نحو التقدم والازدهار والرفاهية ليس امامها الا الاقدام وبجدية لتنفيذ هذا المقترح......

المقترح....توجيه الدعوة لمجموعة معينة من الأساتذة والعلماء ومن القادة العسكريين العراقيين، ممن خدموا في العراق لأكثر من خمسة وعشرون سنة قبل غزوه في 2003، ممن لهم تأريخ مشرف ونظيف واعمال جليلة خدمت العراق علميا وثقافيا واجتماعيا واقتصاديا، شخصيات معروفة ولها حظور متميز في الأوساط الغربية والعربية، ثم وفي نفس الوقت دعوة اعضاء الحكومة الحالية واعضاء برلمانها وذلك لعقد اجتماع مشترك والتباحث بحسن نية عن حال العراق الحالي وكيف الوصول به الى مستقبل مشرق ان مثل هذه الدعوة والاجتماع دليل على حسن النوايا من اجل استقرار العراق حيث ستتاح الفرصة لانتخاب من بين الفريقين حكومة وطنية وبرلمان وطني لا غبار عليهما، ولا يفوتني ان اذكر بان مثل هكذا اجتماع مصيري يوجب دعوة الجامعة العربية وهيئة الأمم المتحدة للاشراف والطلب من الدولة المحتلة اميركا ان ترعى هذا الاجتماع ان رغبت، فان ارادت اميركا الاستقرار للعراق والمنطقة وكما تدعي بانها حامية الديمقرطية في العالم، عليها اذن مباركة هذا المقترح الديمقراطي، لان العراق بات بحاجة الى قادة عراقيين اصلاء مخلصين يتمتعون بالحيوية وبحب الحياة والسلام!

ادورد ميرزا
استاذ جامعي