بعد فترات متباينة من تجاذبات و صراعات إتخذت مضامينا و أشکالا مختلفة بين السيد نوري المالکي رئيس وزراء العراقي و السيد مسعود البارزاني رئيس إقليم کوردستان و التي کانت في النتيجة تتحدد و يتم تحجيمها بسبب من ما يمليه روح الاتفاق التکتيکيquot;الذي يعتبره البعض إستراتيجياquot; والذي يجمع بينهما منذ سقوط النظام الدکتاتوري البائد في العراق، بدأت التقارير تتسرب و تتوالى عن عمق الخلافات في الرؤى بين الجانبين و سعي کل منهما للعمل من أجل أجندته الخاصة بعيدا عن أي إعتبار آخر. ولعل السيد نوري المالکي الذي يسعى للعب على الاوتارquot;الوطنية العراقيةquot; و يؤکد علىquot;حرصه الشديدquot;على المصالح العراقية العليا، يهدف الى تحجيم و قولبة رئيس إقليم کوردستان عربيا و إقليميا و الحد من نفوذه المتزايدquot;دولياquot;، لکن البارزاني الذي يعاني هو الآخر من ضغوط کوردية راديکالية بخصوصquot;تساهلهquot;المتزايد أمام الضغوطات المختلفة بشأن ملفات کرکوك و خانقين و البيشمرکة، يريد من خلال تصريحاته quot;العنيفةquot;الاخيرة الموجهة الى المالکي أن يضع النقاط على الحروف ويؤکد مرة أخرى على مواقفهquot;التقليديةquot;السابقة فيما يخص النقاط الحساسة من الملف الکوردي و أن يرجع المالکي الى المربع الاول سيما عندما إتهمه بالدکتاتورية وهو إتهام يبدو أن الاجنحة السنية النافذة قد إستساغته و أيدته بقوة وهي التي کانت حتى الامس القريب لا تتوانى من إطلاق تصريحات بهذا المعنى.
ومع أن حظ المالکي في الصراع الحالي الدائر بينه و بين البارزاني والذي يبدو إنه يسير بإتجاهquot;تقليم أظافر البارزانيquot;بحسب مصادر عربية مطلعة، يحظى بدعمquot;إعلاميquot; عربي لا يستهان به خصوصا عندما تکتب کبريات صحف عربية مقالات بأقلام رؤساء تحريرها تشيد فيها بمشروع المالکي الاخير و تحذر فيها ضمنيا من البارزاني، فإن المالکي في نفس الوقت قد لا يحظى بنفس الدعـم على الصعيد الداخلي العراقي سواء من السنة أو حتى من الاطراف الشيعية ذاتها التي بدأت تتخوف من حالةquot;الانتفاخquot;التي بدأت تنتاب المالکي أمام مختلف القوى العراقية و محاولاته لطرح نفسه کشخصية بديلة ذاتquot;کاريزماquot;بإمکانها أن تسد ذلك الفراغ الذي خلفه حجاج العراق الحديث صدام حسين. وتشير دوائر سياسية و إعلامية اوربية الى تنامي نفوذ رئيس وزراء العراق و إزدياد سطوته داخل العراق بل وأن مجلة کبيرة کدير شبيغل الالمانية نشرت صورة للمالکي أثناء زيارته الاخيرة لألمانيا يحمل فيها سيفا طويلا وقد کان لنشر مثل هذه الصورة تلميحا قويا لصورة مماثلة يحمل فيها دکتاتور العراق السابق سيفا في يده مما إعطت معان و دلالات مهمة للقارئ و المتابع الاوربي و العالمي.
الصراع المحتدم الان بين رئيس وزراء العراق و رئيس إقليم کوردستان، هو في واقعه الوجه الحقيقي و الناصع لموقف الطرفين من بعضيهما وهوquot;البرquot;الذي سيرسيان عليه في نهاية الامر، رغم ان کلا منهما سيعانيان من تبعات جمة و ثقيلة جدا لتداعيات خوض هکذا صراعquot;ثقيلquot;وquot;نوعيquot; في هکذا مرحلة حرجة و حساسة وکأنهما يريدان إثبات قوتيهما أمام الرئيس القادم لأمريکا، لکن ذلك قد لايعني أن الکورد سيغيرون إتجاههم السياسي و يرسمون تحالفات جديدة ذلك أن خيار التحالف مع الشيعة مازال هو الافضل بالنسبة لهم کما أن البارزاني و من خلفه الکورد لا يثقون کثيرا بشخصيات مثل السيد صالح المطلك و غيره کماquot;يثقونquot;بشخصيات شيعية مثل عبدالعزيز الحکيم أو حتى نوري المالکي نفسه، بيد أنه و في نفس الوقت يبدو أن صبر الجانبين ببعضهما قد نفذ من حيث عدمquot;إذعانquot;أحدهما لسقف معين من مطاليب الطرف الآخر و أن کلاهما طفقا يحبذا ممارسة اللعب على المکشوف و من دون مواربة على أمل أن يقود ذلك الى واقع جديد قد يفرض أبجدياته المستجدة على الساحة و يرسم خطوطا بيانية مختلفة عن تلك التي کانت تزدان بها منذ عام 2003 ولحد الآن.
نزار جاف
[email protected]
التعليقات