بطبيعة الحال العراق بلد عربي وفيه تنوع قومي وديني ومذهبي. هكذا وجد وهكذا تكون لم يوخذ برايه او موافقته على هذه العروبة التي نتشرف بجانبها المشرق والمضيء، والذي اصبح من النادر جدا رؤيته وسط ركام متتالي من الظلام الانساني والديني والدنيوي على حد سواء.
لكن ومع انطلاق الحملات المسعورة لاغلب وسائل الاعلام العربي منددة ومحرضة ومستهدفة الاتفاقية العراقية الاميركية على اعتبار انها quot; اتفاقية خيانة لحكومة عميلة وغير شرعية!!quot; فسيكون من الواجب الاخلاقي الرد اولا على هذه الادعاءات البائسة قبل الدخول الى جوهر الاتفاقية. ان حكومة المالكي هي الاولى في التاريخ السياسي والانساني العراقي تاتي بالانتخابات الحرة وبتوجه وكثافة واندفاع وطني قل مثيله في كل تاريخ العراق، فكيف فقدت هذه الحكومة وهذا البرلمان شرعيته وهو يمثل وايضا لاول مرة كل العراقيين دون استثناء quot; طائفي اواقصائي quot; كما كان الحال قبل عام 2003. ووجود الاخطاء في عمل الحكومة والبرلمان لايلغي الشرعية الجماهيرية والدستورية. اما وجود القوات الاميركية في العراق فهو استثنائي بكل المعاير وكل القياسات ومن باب التذكير لاهذه الحكومة ولاهذا البرلمان الذي جاء بهم الى العراق بل الذي فتح ابواب العراق ولاذ بحفرة حقيرة هو بطلكم quot; ألقومجي quot; ذلك القزم الذي حكم العراق بنظرية شاذة من حكم الاقلية لعقود طوال. ومع كل ذلك ايضا ان القوات الامريكية ومخازن اسلحتها موجودة في كل البلدان العربية بشكل علني او سري بل ان مقر قيادة الشرق الاوسط يقع في قطر ومقر الاسطول السادس الامريكي يوجد في البحرين ومقر قيادة القوات الامريكية في افريقيا يوجد في الجزائر. ومع هذا وذاك كله ان الرئيس بوش تم استقباله في كل البلدان العربية quot; بالهوسات والعرضات والهدايا الثمينة quot; ويتمنى كل الرؤساء العرب زيارته في البيت الابيض وهو نفسه بوش وليس غيره القائد العام للقوات الامريكية في كل العالم وفي العراق.
ثم كثير من عواصم التحريض والضجيج الاعلامي يوجد فيها سفارات او مكتب تمثيل اسرائيلي. بل ان زعماء اسرائيل يتم استقبالهم بالاحضان وعلى موائد الدعوات الرسمية والخاصة. أذن لماذا هذا الانفصام الشخصي والجماعي والنفسي التي تعاني منه هذه الامة المغلوبة على امرها.
ثم الاتفاقية العراقية الاميركية شأن عراقي داخلي بحت ومن المأخذ الشعبية والرسمية على الحكومة العراقية ان تعرض بنود هذه الاتفاقية على الحكومات العربية او دول الاقليم. فما دخل هولاء بشأن عراقي يخص ابناء العراق وبلدهم!! ثم ان العراق ليس بلد quot; قاصر quot; او هامشي في المنطقة والاقليم والعالم بل ان العراق بامكانياته البشرية وثرواته الهائلة وتنوعه المميز وتاريخه العميق والاكبر في كل الكرة الارضية، يشكل مركز اهتمام وجذب للكبار قبل الصغار. وشخصيا لااعتقد ان العراق بحاجة ماسة الى الدول العربية، بل هذه الدول ومنذ سقوط نظام الصنم منحتنا فرصة عظيمة لاثبات هذه الحقيقة الكبرى. فاذا تقربوا للعراق فاهلا وسهلا بهم واذا ابتعدوا فلن يجفا نهري دجلة والفرات ولن يتبخر نفط العراق ولن يموت نخيله ولن تختفي صدى قصائد الجواهري ونازك والسياب، لكن اكبر خدمة يقدمها لنا العرب ان يكفوا شرهم عنا من خلال ايقاف بهائم التفجير والتفخيخ والتخريب.
لذلك فان سؤال قد يطرح نفسه في مثل هكذا اجواء تحريضية quot; قومجية فارغة quot; لماذا مثلا يفضل العراقيين الاكارم عقد اتفاقيات ستراتجية مع الولايات المتحدة الامريكية وليس مع الولايات العربية الغير متحدة. اعتقد ان من الصواب ان يتجه العراق كبلد الى علوم وتجارب الغرب الناجحة والباهرة والعراق يملك عقول وكفاءات كبيرة ومميزة وايضا يملك سمات لايمتلكها اي بلد عربي اخر على الاطلاق من خلال امتلاكه الثروة والكفاءات. وهذه ميزة عراقية لاتملكها حتى دولة مثل مصر تملك الكفاءات ولاتملك الثروة فتضطر الى انتظار المنحة الامريكية السنوية التي نصت عليها اتفاقية كامب ديفيد في معاهدة الصلح مع اسرائيل وهي منحة لاتسد رمق سكان القاهرة وحدها. وايضا لاتملك هذه الميزة العراقية كل دول الخليج الثرية، لانها تملك الثروة لكنها لاتملك الكفاءات العلمية العالية المستوى بل ولاحتى الايدي العاملة لذلك مثلا تضطر لاستيراد ملايين من الايادي العاملة من اسيا وغيرها من الكفاءات من الدول الغربية. قد يكون هذا العرض والمقارنة البسيطة حافز لتقفي أثر هذه الهجمة العربية الكبرى على العلاقة التي يجب ان تكون مميزة بين العراق وامريكا وكل الغرب. لان العراق الناهض المتطور الصناعي الزراعي الديمقراطي الدستوري القوي بكل الجوانب سيكون كارثة كبرى على كل الدول المرتجفة رعبا لمجرد تخيل هذه الصورة. وبالمقابل ماذا يستفاد العراق من تجارب العرب الصيفية مثلا في اقامة مهرجانات الغناء او الشتوية في سباق الخيول!! ولااعتراض على هذا او ذاك لكن ليس هناك شيء مميز بين هذه الفعاليات سوى فراغ خاوي وثمانين مليون أمي وفكر تكفيري وقرصنة في البحر و خراب في الارض وتحريض على قتل خليفة الله في الارض الانسان.
العراق بلد عربي وهذا قدره، لذلك وفي ضوء الواقع العربي الحالي يجب ان يتعامل العراق مع هذا الواقع المرير من خلال التعامل مع الجامعة العربية وقراراتها التي لاتقدم ولاتاخر شيئا. واذا استجدت بعض الامور العربية الطارئة يجب ان تكون مساهمة العراق بارزة اكبر من كل الدول العربية الاخرى، لكن هذه المساهمة يجب ان تكون وتقتصر فقط على quot; الظاهرة الصوتية quot; التي تميز بها العرب خلال هذا القرن والذي قبله. لان أشقائنا العرب وكما يقول المبدع عادل امام في احد مسرحياته quot; بيحبوا الحاجات ديه quot; اما اي مساهمة اخرى من نوع اخر ستكون خيانة لكل تضحيات واوجاع والالام العراقيين الاكارم والتي ساهم معظم الدول العربية بصناعتها وساهم البعض الاخر بالتفرج عليها في احسن احوالهم. وحتى يتحسن الوضع والموقف العربي مع العراقيين حينها سيكون لنا كلام من نوع اخر ومع ذلك لايجب ان نفرط بعلاقاتنا الستراتجية المرتقبة ولو بعد حين مع امريكا وكل الغرب. وحتى يحين ذاك العصر العربي الموعود يجب ان يكون شعارنا العراقي مع العرب quot; وياهم وياهم عليهم عليهم quot; لكن ضمن حدود الظاهرة الصوتيه التي يعشقوها وينامون كل يوم على رنينها.
محمد الوادي
[email protected]
التعليقات