طريف للغاية، لكن مؤلم أيضا ً، أن يجد الإنسان نفسه محاصرا ً بالأحذية؛ من الجهات الست. شخصيا ً : أشعر أنه الزمان العربي الحذائي بامتياز. المؤيدون والمعارضون، في آن ٍ معا ً، يشهرون أحذيتهم في وجوه بعضهم بعضا ً، ونادرا ً ما يـُواجـَهُ حذاءٌ طائرٌ بابتسامة استنكار أبلغ من كل حذاء ٍ مضاد.
شخصيا ً، أيضا ً، يقع تاريخي المعاصر ndash; في عهد الفتح الديمقراطي المبين ndash; بين حذاءين، كل منهما لايفتقر إلى سيكولوجية جماهيرية جارفة : حذاء السيد quot; أبي تحسين quot; الذي أشترك معه في الكنية، وحذاء الشاب منتظر الذي أشاطره اللقب والانتماء العشائري.
بين حذاءين، أتلقى، من بين ملايين المتلقين، مطراً حذائيا ً منهمراً أو متطايراً في كل الإتجاهات، بين داحس وبين الغبراء، أو بين الهوتو و بين التوتسي، وليست ثمة ابتسامة استنكار كابتسامة الرئيس الأميركي جورج بوش وهو يتجنب فردتي الحذاء، ثم يطوى الأمر وتنتهي القصة.
إذا كان السيد quot; أبو تحسين quot; بطلا ً معبـّراً عن مشاعر شعب تم خنق صوته طويلا ً ndash; وهو كذلك بالفعل ndash; بطلا ً، يرفع حذاءه ويهوي به على صورة طاغية شرس لم يتأكد سقوطه بعد، فما المانع من أن يكون منتظرالزيدي ndash; وفق النظرة الحذائية ذاتها التي تقدسها الأمة ndash; بطلا ً أيضا ً، فعل فعلته إثر تصاعد وجداني سبـّبه شعور ما بالإضطهاد، إزاء محتل في عزّ غطرسته، محتل ليس له سجل نظيف، ماخلا إسقاط حكم الطاغية دون أن يتيح الإنفعال لهذا الشاب العشريني التفكير بالموت المحتمل على ايدي ذئاب quot; بلاكووتر quot;، ما المانع وما الفرق ؟
quot; أبو تحسين quot; و منتظر الزيدي عبـّرا عن quot; ثقافتنا quot; الحذائية الضاربة أطنابها في عمق وجداننا. آباؤنا وأمهاتنا يتحاورون فيما بينهم ومعنا وفق هذه quot; الثقافة quot;.
وجيراننا ومرتادو مقاهينا بلغتها quot; يتفاهمون quot;.
وأسوأ شتيمة عندنا بعد الشتائم الجنسية والكلبية quot; إبن أو بنت الحذاء quot; رغم أن الحذاء يعانق في رحلتنا اليومية أديم أمنا الأرض وأبينا التراب !
طوى الرئيس بوش كشحا ً عن وعلى الأمر وتجاوزه بعقلية المتمدن، ولم يتقدم بشكوى قضائية، شأنه شأن العديد من المسؤولين الغربيين الذين يضربون بين حين وآخر بالطماطم والحجارة والبيض الفاسد، بل ويكادون أن يـُخنـَقوا بيد منفعل هائج، مثلما جرى لنائب رئيس الوزراء البريطاني السابق جون أسكروفت، وتفتقت أذهاننا التي ينهشها العصاب عن تهمة باطلة بتوجيه فردتي الحذاء إلى رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي عوضا ً عن الرئيس الأميركي، تمهيدا ً لمقاضاة الشاب الزيدي.
وسنخرج يوم غد أو مابعده، بعشيرة بني زيد، وهي تطالب بالقصاص لبوش الذي لم يتقدم بشكوى، من ابنها العاق، على طريقة المعدوم إياه !
لاأرى فرقا ً بيننا وبين الجماهير العروبية الهائجة من فرط خيباتها المتلاحقة في ميادين التقدم الحقيقية، إلا أننا نساويها في الفعل ونعاكسها ndash; فقط ndash; في الإتجاه !
كلنا أمة حذائية واحدة.. ذات رسالة ارتكاسية خالدة!
علاء الزيدي
التعليقات