المتتبع لأخبار حذاء الصحفي العراقي منتظر الزيدي، المراسل في قناة البغدادية العراقية، والذي عبر أمس الأحد، به ومن خلال quot;حريةquot; تصويبه و رشقه، عن quot;رأيه الديمقراطي جداًquot; في وجه بوش، سيكتشف أن هذا الحذاء، هو quot;حذاء مفرد بصيغة الجمعquot;، يعبر عن quot;رأيquot; الكثير الكثير من الشارع العربي، الذي أبى ولايزال الدخول في التاريخ، إلا عبر هذه الثقافة ووسائلها الماضية جداً..quot;ثقافة القندرةquot;.
المتصفح لجهات النت العربية، بعامتها وخاصتها، مثلاً، سيلحظ مدى التعاطف العربي الكبير، في مستواه الشارعي، مع quot;حذاء الزيديquot;، وكأن بهؤلاء quot;الرفاقquot; وquot;الأخوةquot; وquot;المؤمنينquot;، المدافعين عن quot;أحذيتهم الديمقراطيةquot;، يقولون له: quot;كلنا حذاؤك..كلنا لك حذاء...قلوبنا مع حذائك..عقولنا في حذائك..مستقبلنا وكل القادم منا ومن بلادنا وأكبادنا فدية لحذائكquot;.
هذا الشارع الغارق في ثقافة الحذاء، أصيب إثر quot;حرية حذاء الزيديquot;، بنوعٍ مما يمكن تسميته بquot;هذيان أو هستيريا الحذاءquot;. الأمر الذي أدى بهؤلاء الغارقين في quot;ماضي الحذاءquot;، إلى وصف هذا quot;الحذاء الصحفيquot;، بquot;الحذاء الشهمquot;، وquot;الحذاء البطلquot;، وquot;الحذاء الأصيلquot;، وquot;الحذاء الأسطوريquot;، والحذاء الثوريquot;، وquot;الحذاء المستقبلquot;،وquot;الحذاء المنتظرquot;، والحذاء الخلاص، وquot;الحذاء الأكيد المنتصرquot;...إلخ.
ولكي لا يبقَ هذا الشارع، وحيداً، في التعبير عن تعاطفه quot;الغوغائيquot;، مع quot;حذاء الزيدي الصحفيquot;، أصدر مجلس إدارة تلفزيون البغدادية، عقب quot;موقعة الحذاءquot;، بياناً طالب فيه بضرورة quot;إحترام حق التعبير والديمقراطية وحق المراسل القانوني والإفراج الفوري عنهquot;.
هكذا دافع تلفزيون البغدادية، كجهة إعلامية، عن حرية حذاء الزيدي وديمقراطيته، وطالب بquot;الإفراج الفوريquot; لquot;أمير الحذاء الصحفيquot;.
أما قنوات وجهات عربية رسمية كبيرة أخرى(تلفزيون الجزيرة مثالاً)، فلم تخفِ فرحتها الكبرى، بهذا quot;النصر الحذائي المبينquot;، وكأن الزيدي قد فتح به العالم لأمة العرب من المحيط إلى الخليج.
الزيدي، أدخل الصحافة عبر لسان قندرته، في مرحلةٍ جديدة.. التاريخ سيحفظ اسمها المغلف بحذائه المختوم بإسمه، لأجيال أخرى قادمة..أنها صحافة في زمان الحذاء..حرية وديمقراطية وتعبير في زمان الحذاء!
الإشكالية الكبرى، ههنا، بالطبع، لا تكمن في quot;حادثة الحذاءquot; هذه بعينها، ولا في كون هذا الحذاء quot;الفاتحquot;، قد رمي إلى وجه رئيس أكبر دولة في العالم.
المشكلة، ههنا، ليست في quot;بوشquot;، المفتوح والمقذوف بحذاء الزيدي، الذي كسر به، بحسب المناصرين لquot;حرية تعبير الحذاءquot;، quot;إسطورة أمريكاquot;، وإنما كل الإشكالية وكل المشكلة تكمن في quot;الحذاءquot; بإعتباره quot;ثقافةquot; ماضيةً، للتعبير عن حق quot;العقل الماضيquot;، في اختيار الحذاء جهةً لتفكيره.
الإشكالية، إذن، هي في هذا quot;العقل الضرورةquot; الغارق والغائر في زمان الحذاء، والمصّر على quot;ضرورةquot; البقاء المزمن في الماضي quot;الحذائيquot;، وعلى الخروج من كل العقل وكل التاريخ، وبالتالي الإقامة الأبدية خارج المستقبل من العقل، والمستقبل من الثقافة، والمستقبل من الإجتماع، والمستقبل من الحياة، والمستقبل من الوطن والأمة والسياسة والإنسان والله.
الإشكالية، بالطبع، لا تكمن في بوش، وسواه من سادة الغرب، ممن عودتهم ثقافاتهم على استقبال البيض والطماطم على وجوههم، كطريقة للتعبير الديمقراطي عن الرأي ومشتقاته، وإنما الإشكالية الكبرى تكمن في quot;صحافةٍquot;، يفترض بها أن تكون quot;سلطةً رابعةquot;، شاءت أن تختار القندرة، لساناً فصيحاً، للتعبير عن quot;حريتهاquot; وquot;ديمقراطيتهاquot;.
المشكلة، ههنا، لا تكمن في ديمقراطية الغرب المفتوحة على الكل، وإلهها المفتوح، بأن يدلي كلٌّ برأيه وبدينه، ويعبر عن أفكاره، وبأن يقول الكل كلمته ويمشي، ويترك للآخرين كلمتهم وحريتهم ودينهم، وإنما المشكلة ههنا، تكمن في أن يركب البعض الكبير من quot;الرأي العامquot; في بلاد العرب أوطاني، هذه الديمقراطية المفتوحه وغربها المفتوح، وفرصها المفتوحة، ويمسخها إلى quot;ديمقراطية مغلقةquot;، هي من الحذاء إلى الحذاء.
المشكلة، ههنا، لا تكمن في بوش المتهور، الذي هوّر، بلا شك، أمريكا وأوقعها في فخاخ سياساته، والذي لن يرحمه القادم من أمريكا، والقادم من أمة أمريكا وحرية وديمقراطية وصحافة أمريكا، وإنما المشكلة الكبرى تكمن في البعض الكبير من العقل العربي الماضي، الذي اختار الحذاء quot;فلسفةًquot;، للتعبير عن حدود تفكيره.
الحذاء في الغرب أرجل، فيما هو في الشرق عقل.
في الغرب، الحذاء يمشي، وفي الشرق يفَُكّر به وفيه وعليه ولأجله.
في الغرب الحذاء جمال وذوق وجنس وأناقة، فيما هو في الشرق ثقافة، وإهانة، وطريقة للتفكير والتعبير عن الرأي، ولسان، وإعراب وقواعد ونحو..
في الغرب الحذاء فن، أما في الشرق فهو سياسة وسلطة وحكم.
في الغرب الحذاء مكان، فيما هو في الشرق تاريخ وزمان.
هوشنك بروكا
التعليقات