بالمصادفة البحتة شاهدت اوبريت الضمير العربي الذي يبث حصريا على إحدى القنوات الفضائية العربية غير الرئيسة، وقد شدتني المناظر فتوقفت لبرهة، ثم أكملت المشاهدة، وعندما علمت بموعدها للبث في اليوم التالي جهزت نفسي وأحاسيسي ومصائب الأمة على الطاولة وشرعت بالمشاهدة وما أن انتهى العرض الذي يزيد عن 45 دقيقة إلا وجدت نفسي تعبا أكثر مما أتوقع ويائسا أكثر مما كنت عليه قبل المشاهدة، وأنا العربي المتابع لكل آلام الأمة ومصائبها منذ أن أدركت كنه الحياة، والسبب أني وجدت مادة متلفزة متكاملة تعرض أمامي من دون توقف تروي لي كل هذه الفواجع معا وليس على دفعات كما أشاهد فصولها عبر نشرات الأخبار ليليا كجرعات سم زعاف ثم أقاوم.خطرت ببالي فكرة أثناء المشاهدة وهي أن افرض هذه المغناة على طلابي في الجامعة وأشركهم بالرأي.

وحدث ذلك، فقد قررت على شعبتين دراسيتين مشاهدة الاوبريت ليلا منفردين ثم يأتون بتقارير مكتوبة عما أحسوا به اثناء وبعد المشاهدة لتناقش أمام الطلبة كي أتمكن من الوقوف على حال الأمة من خلال نموذج مصغر من أبنائها، والحقيقة أن الشعب(بضم الميم) تحوي طلبة من الأردن وفلسطين التاريخية ومواطني 67 ومن المتواجدين في الاردن وكذلك طلبة من السعودية وعمان والبحرين وقطر والكويت، وهم من كل تخصصات الجامعة لان المواد هذه حرة لكل طلبة الجامعة. ولقد أدهشني حال الشباب العربي من خلال تقاريرهم وأبحاثهم، فقد وجدت أن الطلاب ال 170 الذين احضروا التقارير أنهم عرب حتى النخاع، وان من يقولون بأنهم أجيال (مايعة) وضائعة مخطئون، فقد بكى طالب سعودي إثناء تلاوته لتقريره، وتحدثت طالبه أردنية عن مشاعرها الفياضة ما جعل الطلبة يقاطعونها بالتصفيق الحاد، وتحدث طالب فلسطيني من 48 عن حالة الاغتراب والعزلة وعن الأمل في المستقبل. وتوالت المداخلات بشكل جعلت نفسي تزهو تارة وتقشعر تارة أخرى.لقد أيقنت أن الأمة ما زالت بخير، وان الشباب العربي يفتقد فقط إلى التوجيه الصحيح والإعلام الراقي الملتزم، بل يفتقد هذا النشء الطيب القدوة الحسنة كي يسيروا خلفه، كان كثير من زملائي المدرسين ينعتون هذا الجيل بأنه جيل روبي ونانسي عجرم وغيرهما من المطربين الشباب وكانوا يقولون هذا جيل ( بوس الواوا ) تهكما على أحدى ألاغاني الحديثة، إلا أن ما وجدته من عينة عشوائية لهذا الجيل عكس كل التوقعات، وإذا كانت الأجيال الجديدة قد ضيعت مسارها فالحق كل الحق علينا نحن الأكبر ونحن الإعلاميين والساسة، وليس عيبهم.

نحن لم نقدم لهم قضاياهم ولم نشركهم في صناعة المستقبل، وتركناهم نهبا لثقافة الفضائيات الهابطة واستخدامات الانترنت والهواتف الخلوية غير المفيدة.نعم أيها الأخوة، قد يكون شبابنا أكثر تأثرا بقضاياهم العربية من أكثر من بعض الساسة الذين يتصدرون الفضائيات الإخبارية المتلفزة كل ليلة، لكنهم جيل مهمل وكم بلا كيف وغير مؤ طرين بأطر سياسية وحزبية ولا حتى حكومية. وهذا يذكرني برئيس وزراء عراقي سابق كان على أيام الملكية كنت شاهدت مقابلة له وعلى ما اذكر كان الدكتور يحي عبدالرزاق- أرجو ألا تخونني الذاكرة في الاسم - قال كنا في مقاهي بغداد نجلس ونناقش قضايا الأمة بكثير من الحماس والفكر الثاقب، وكنا لا ندري لماذا تسير سياسات الدول العربية على غير ما نهوى، يكمل فيقول وكنا نعتقد أن الساسة إما جهلاء أو خونة، ولم نكن نرجح الجهل، لأنه لا يعقل ان يكون هنالك وزير جاهل، وعندما أصبحت رئيسا لوزراء العراق.

تذكرت تلك المقاهي والحوارات الساخنة فوجدت أن كثير من الشباب المثقف لديه رؤية وبصيرة وثقافة أكثر بكثير ممن هم يتربعون على عروش الوزارات والحكم. فعرفت حينها مصدر دمار وخراب الأمة. الضمير العربي حي وسيبقى حيا ما زالت هذه الأفواج العربية الطالبة للعلم والمعرفة تؤمن أننا امة عربية خالدة وماجدة، وسيأتي اليوم الذي يتبن فيه الخيط الأبيض من الخيط الأسود، والمجد والخلود لكل ضحايا الأمة وبوركت أيادي كل من ساهم بإحياء الضمير العربي ولو بكلمة.

منور غياض ال ربيعات
* محلل سياسي أردني

[email protected]