يجمع المحللون الاتراك على ان الوضع في البلاد بالغ الحساسية ويضعها امام منعطف حاسم لا يمكن التكهن بنتائجه السلبية وما يمكن ان تفرزه من مخاطر تهدد طموحاتها الاوروبية ومستقبل الديمقراطية.


اردوغان يشعر بهذه الخطورة ليس على حزبه ومستقبله السياسي فقط، وانما على مسار الدولة وكيانها المؤسساتي، مما يفسر اختياره الاعتدال، وتخليه عن لغة المواجهة التي اعتمدها في بداية الازمة التي نشبت مع طلب مدعي عام التمييزحظر حزبه ومنع اكثرمن 70 قياديا فيه من العمل السياسي، و تراجعه حتى الان عن اجراء تعديلات دستورية و عرضها على استفتاء عام رفضته القوى العلمانية لانه برأيها يمثل استفتاءا على علمانية الدولة وهو يعتبرخطا احمر ليس من المسموح تجاوزه مهما كانت الاحوال و مهما بلغت الاثمان السياسية والبشرية.
قال اردوغان امام حزبهquot; ان من المهم ان تربح تركيا ولو خسرنا نحنquot;مضيفاquot; ان الدعوى ستأخذ مجراها و انها ليست مسألة شخصية و لاحزبية، بل هي مسألة تعني كل تركياquot;.


موقف اردوغان التهادني مع خصومه اثار عدم ارتياح، بل و خلافات داخل قيادة الحزب الحاكم، اذ انتقده رئيس كتلته النيابية احمد تورك قائلاquot; لو استخدم الصلاحيات التي منحها له الشعب لما وصل الى هذا الوضع، ولو اعطى المعركة مع قوى الامر الواقع حقها لما كانت الديمقراطية في خطرquot;.
ويواجه اردوغان بحسب جريدة quot; ميلليتquot; ثلاثة خيارات هي:
-اجراء تعديل دستوري محدود في البرلمان بدعم الاحزاب الموجودة يصعب من اجراءات حظر الاحزاب السياسية،بحيث تستلزم مثل هذه الخطوة موافقة البرلمان المسبقة على دعوى حظر اي حزب و اسقاط الدعاوى القائمة الان في المحكمة الدستورية.
-التوجه الى اجراء استفتاء عام على التعديل المقترح بعد حصولة على اصوات 330 نائبا على الاقل.
-الالتزام فقط بالمسار القانوني للقضية،وتقديم الحزب دفوعاته امام المحكمة الدستورية و التسليم بالحكم الذي ستصدره حتى و ان كان الحظر، واللجوء الى تشكيل حزب جديدوخوض انتخابات جديدة مبكرة.


ويرى المراقبون ان الخيار الاول ليس سهلا، فالحزبان الوحيدان اللذان يوفران كل على حدةمع نواب العدالة و التنمية غالبية الثلثين367 صوتا المطلوبه للتعديل الدستوري، يعارضان هذا التعديل بالطريقة التي يطرحها الحزب الحاكم، والاثنان يتفقان على اخراج اردوغان من العمل السياسي.
والخيار الثاني هو الاخر غير ممكن التحقيق، وصدرت تحذيرات من قانونيين تعتبر اي تعديل دستوري قد يؤثر على مسار قضية موجودة في المحكمة ولم يصدر حولها اي حكم، هو تعديل غير دستوري سواء في البرلمان او في استفتاء شعبي عام.


ويواجه الرئيس غول وضعا مختلفا بعض الشئ، فلقد اكد خبراء في القانون الدستوري في انقرة ان اي حكم يمنع رئيس الجمهورية من العمل السياسي لن يؤثر على بقائه في الكرسي الرئاسي، ولكن في حال انقضاء فترة حكم رئيس الجمهورية قبل انقضاء مهلة السنوات الخمس، فلا يمكن للرئيس ممارسة السياسة قبل اكتمال مهلة الخمس سنوات، وبما ان فترة الرئاسة سبع سنوات بدأت في الصيف الماضي فلن يؤثر اي حكم قضائي لخمس سنوات على رئاسة غول ولا بعد انقاضها.


المحلل في جريدةquot; يني شفقquot; المقربة من الحزب الحاكم علي بيرم اوغلو اعتبر قرار المحكمة قبول الدعوة بالاجماع، هو حكم مسبق بحظر الحزب واصفا اياه بانه quot; قرار سياسي بامتياز يطلق مرحلة 28 فبراير جديدةquot; مشددا على ان المعركة الان هي معركة حماية السياسة و الديمقراطيةquot;، فيما حذر المحلل الشهير جنكيز شاندار في quot; حرييتquot; اردوغان من مصيدة خصومه الساعين الى اقحامه في معركة شخصية quot; ونصحه بأن يحولها quot; المعركة الى الدفاع عن الديمقراطية و المعايير الاوروبيةquot;.


ان اختياراردوغان المهادنة و المصالحة يمثل الخطوة الاولى نحو تسوية سياسية بين الاطراف المتصارعة لانقاذ البلاد من ازمة ربما تستدعي العساكر للتدخل معيدة الى الاذهان التأريخ الاسود للانقلابات الذي لا تحتاج اليه تركيا الان بعد ان حققت هذه الطفرة الاقتصادية الكبرى، وبعد ان بدأت تسير في الطريق الصحيح للاصلاحات السياسية التي تقربها اكثر فاكثر من مجتمع الحداثة و التطور الحضاري.

محمد خلف