اجتمع مجلس النواب العراقي في خضم الأزمة ليناقش تداعيات تلك الأحداث العصيبة التي عصفت بالبلد للمرة الألف في الأيام العشرة الأخيرة من شهر آذار 2008، ومازالت ذيولها تلف نبض الشارع العراقي في كل لحظة ولو بوتيرة أقل حدة في هذه الأيام التي يشوبها الحذر والترقب والخوف مما هو أعظم.

الجزء الاول

وفي غمرة المناقشات التي خاضها بعض ممن حضروا الجلسة، بالرغم من عدم اكتمال النصاب القانوني بسبب مقاطعة نواب الإئتلاف والجبهة الكردستانية، دخل أحدهم مهللاً كأنه يحمل نجدة سماوية أو معجزة ربانية مردداً :quot; حسم السيد الأمر وقرر وقف المظاهر المسلحة في بيان أصدره للتوquot; ويقصد بالسيد الزعيم الشاب مقتدى الصدر قائد ميليشيات جيش المهدي التي روعت البلاد والعباد بقوة السلاح وكونت لنفسها من رعاع المجتمع دولة داخل الدولة خارجة عن كل الأعراف والقوانين تفرض على المجتمع نموذج الطالبان بأقبح أشكاله ووجوهه. وما أن سمع النواب بهذا الخبر صرخ نائب رئيس مجلس النواب الشيخ خالد العطية بالحاضرين مقرراً رفع الجلسة فبالنسبة له انتهى الأمر عند هذا الحد ولا داعي لإضاعة الوقت والدخول في مهاترات كلامية فلقد حسم السيد الأمر وانتهت الأزمة فماذا نأمل من برلمان كهذا؟

إنه برلمان أسير تركيبته الهجينة المبنية على أساس المحاصصة والتوافق وإرضاء الجميع أو السكوت عن فسادهم والخضوع للإبتزازات التي يمارسها هذا الجانب ضد ذاك والحال أن من المستحيل التوصل إلى إجماع وبالتالي فهو ولد وسيبقى مشلولاً ولا فائدة ترجى منه لخدمة الشعب والمجتمع وهو ليس أكثر من مصدر لهدر الثروة والأموال والنفقات الهائلة التي تصرف على أعضائه وحماياتهم وامتيازاتهم في بلد يموت الناس فيه جوعاً من نقص الغذاء والدواء. وقد أشارت آخر التقارير الدولية خاصة عن منظمة اليونيسيف لرعاية الأمومة والطفولة من فرعها العامل في العراق إلى أن أكثر من 3 مليون طفل عراقي لايتوفر لهم مجال للتعلم في المدارس وأن من سمح له حظه أن يصل إلى مرحلة الباكالوريا يصل عددهم إلى 28% فقط وأغلبهم يحلم بالرحيل عن العراق وإكمال دراسته في الخارج والأسباب عديدة منها هجرة أغلب الكادر التدريسي خوفاً من القتل ولصعوبة الحياة وغلاء المعيشة ولإنعدام الأمن وأن أغلب المدارس مغلقة والدراسة غير منتظمة وكذلك فإن ثلث سكان العراق يعيشون تحت عتبة الفقر وأن الأجيال القادمة سوف لن تكون قادرة أو مؤهلة لقيادة البلد لانتشار الجهل والأمية وتفشي الروح الأفكار الخرافية والشعوذة وتردي المستوى الثقافي لديهم ناهيك عن تدهور الوضع الصحي الذي بلغ مستوى كارثي هذه الأيام.

عودة إلى مجلس النواب حيث أعرب الجميع عن فرحتهم وأشادوا بالموقف الشجاع والشعور بالمسؤولية من جانب مقتدى الصدر وكأنه لم يكن السبب في اندلاع تلك المأساة التي تسببت بمقتل مايزيد عن الآلف ضحية وأضعاف هذا الرقم من الجرحى والمصابين ناهيك عن الأضرار المادية والاقتصادية والمعنوية التي نجمت عن شلل البلد الكامل وتوقفه عن الحركة والعمل والانتاج لأكثر من أسبوع حيث توقفت الحياة الاجتماعية والتربوية والتعليمية والمهنية والتجارية والاقتصادية تحت تهديد سلاح الميليشيات التي أمرت الناس بعدم الخروج إلى مدارسهم ومحلاتهم ووظائفهم تنفيذاً لأمر الاعتصام ومن بعده العصيان المدني الذي اتخذه التيار الصدري والويل لمن يخالف. وفي نفس الوقت، وإنقاذاً لهيبة الدولة، وتحت ذريعة حماية المواطنين، أعلنت الحكومة فرض منع التجوال في البصرة والعاصمة بغداد وكثير من المحافظات الأخرى كالنجف وكربلاء وبابل والديوانية والناصرية والكوت وغيرها مع كل مايترتب على ذلك من خسائر وضغوط نفسية وهلع وتضخم وارتفاع الأسعار واختفاء السلع من الأسواق ومعاناة لاتحتمل من قبل السكان العزل ولقد عشت بنفسي هذه الأجواء المقيتة ولم يحدثني بها أحد أو اسمعها من وسائل الإعلام فلقد كنت شاهد عيان على مجرى ويجري وعلى احتكاك بالواقع وببعض أصحاب القرار والمسؤولين والسياسيين الذين عبروا لي عن تصوراتهم ومخاوفهم وتشاؤومهم وهكذا، وكما قلت في مقال سابق أن مصير بلد عريق كالعراق بات متوقفاً على نزوة شخص واحد ورهن لمزاجية شاب صغير السن يفتقد لكل شيء، لاتعليم ولا خبرة عملية، ولا ذكاء حاد أو قدرة على فهم مجريات الأمور وأسرار وخبايا اللعبة السياسية محلياً وإقليمياً وعالمياً، وعرضة لاستغلاله والتلاعب به من قبل القوى المتحكمة بمصير العراق واستقراره وعلى رأسها إيران. ففي بيانه الذي أصدره من قم quot; حقنا لإراقة الدم العراقي كما يدعيquot;،وهو يعرف أن دماءاً عراقية عزيزة وغزيرة أريقت على يد عناصره وميليشياه المنفلتة والخارجة عن السيطرة والمدججة بالسلاح خلال السنوات الخمسة المنصرمة منذ سقوط النظام الصدامي المنهار، تجرأ في نفس البيان على مطالبة الحكومة بالتوقف عن مداهمة واعتقال اتباعه الخارجين عن القانون وعدم ملاحقتهم عما ارتكبوه من جرائم ومخالفات وخرق للقانون،ويهدد بشن هجمات انتقامية إذا لم تذعن الحكومة وتستجيب لشروطه بوقف العمليات العسكرية وإنه سوف يواصل تحديه لشرعية وهيبة الدولة إذا لم تنفذ شروطه بإصدار عفو عام عن رجاله ومقاتليه لحمايتهم من عواقب القانون ومع ذلك اعتبر رئيس الوزراء الأستاذ نوري المالكي هذا القرار الذي اتخذه مقتدى الصدر بمثابة خطوة بالاتجاه الصحيح رغم معرفته جيداً أن عناصر جيش المهدي والجماعات المسلحة الخاصة المحسوبة على مقتدى الصدر لن تلقي وسوف لن تلقي بأسلحتها أو تسلمها وتسلم نفسها للعدالة وسيبقى الـ 60000 مسلحاً على أهبة الاستعداد في أي وقت لشن هجمات وخوض مواجهات مسلحة قادمة كلما اقتضت الضرورة ذلك لاسيما إذا شعروا بالخطر يقترب منهم وهم مستعدون لتدمير البلد برمتها شعباً ومؤسسات وحرق الأخضر واليابس كما أعلن قادتهم الميدانيون. والحال أن الهدف الاستراتيجي الذي أعلنه رئيس الوزراء، وهو تطهير البصرة وكافة مناطق العراق الأخرى من سطوة وطغيان العصابات الخارجة عن القانون وتجريدها من الأسلحة، لم يتحقق ولم تنفع تهديداته وإنذاراته وعروضه المادية لشراء الأسلحة الثقيلة والمتوسطة في تخويف وإخضاع أولئك المسلحين. ومن المعروف أن هناك جماعات منظمة ومدربة داخل تنظيم جيش المهدي تسمى الجماعات الخاصة هي أشبه بعصابات الجريمة المنظمة ذات التنظيم الحديدي على غرار المافيا عاثت بارٍض العراق فساداً ومارست أعمال القتل والخطف والاغتيال والتهريب وترهيب الناس وقتل المثقفين والعلماء والأطباء والفنانين والمبدعين والإعلاميين. وكان زعيم التيار الصدري قد اتهم الحكومة العراقية، التي كان جزءاً منها،، وعبر مقابلة تلفزيونية على قناة الجزيرة القطرية، بأنها تعمل لحسابها الخاص وتؤثر مصالحها الحزبية الضيقة ولا تعمل لصالح الشعب العراقي وهي تتصرف بطريقة دكتاتورية وإن هدف تياره الاستراتيجي الذي لم ينجح في تحقيقه، هو تحرير العراق من الاحتلال وهي المعزوفة التي سمعناها مراراً وتكراراً طيلة السنوات الخمس الماضية.

وقد اعترف بعض أقطاب التيار الصدري أنهم تلقوا أسلحة ومعدات وأموال وتدريبات من إيران وأن زعيمهم موجود هناك لبضعة أشهر قليلة قادمة بغية إكمال دراسته الحوزوية للحصول على درجة الاجتهاد لدى كاظم الحائري تلميذ والده الشهيد محمد صادق الصدر وهي مرحلة لابد منها لكي يصبح مرجعاً دينياً لتياره وأتباعه علماً أن بلوغ درجة الاجتهاد ليس بهذه السهولة التي يقول بها أتباع مقتدى فالأمر يتطلب كفاءات وجهود وقدرات خاصة يفتقد لها مقتدى الصدر ودراسات تمتد لعقود طويلة من البحث والمثابرة والدراسة والتدريس والتأليف في مختلف مجالات العلوم الدينية والفقهية وغيرها وعلى يد كبار العلماء والمراجع وهذه كلها لاتتوفر ولن تتوفر لمقتدى الصدر ولذلك سيطعن الجميع بمسألة اجتهاده لاريب في ذلك. كماأدعى مقتدى الصدر أنه أبلغ المرشد الروحي للجمهورية الإسلامية في إيران وخليفة الإمام الخميني آية الله علي خامنئي أنه لايقبل بالتدخلات الإيرانية في الشأن العراقي الداخلي ولايرضى بتحقيق المصالح السياسية والعسكرية والاقتصادية الإيرانية على حساب المصالح العراقية وهو يعلم جيداً أن العراق تحول إلى ساحة صراع بين قوات الاحتلال الأمريكية والنظام الإيراني الذي يتوجس من وجودها بالقرب من حدودها وعزم على محاربتها بكل الطرق والسبل الممكنة. من هنا نرى أن أمريكا تتهم إيران بتسليح وتمويل وتدريب كافة الميليشيات الشيعية، بما فيها جيش المهدي، وفيلق بدر التابع للمجلس الإسلامي الأعلى، وكذلك الميليشيات والجماعات السنية الأخرى المنتشرة في طول البلاد وعرضها، وبضمنها تنظيم القاعدة الإرهابي والتكفيري ومن المعروف أن القيادي البارز في تنظيم القاعدة الإرهابي الشهير سيف العدل موجود في إيران باعتراف الرجل الثاني في تنظيم القاعدة أيمن الظواهري بنفسه بالرغم من أن إيران تعرف أن التنظيمات السلفية التكفيرية السنية المتطرفة على غرار تنظيم ألمقبور أبو مصعب الزرقاوي وأشباهه كانت ومازالت تذبح المواطنين الشيعة بغية تأجيج الحرب الطائفية في العراق وتقتل الأبرياء لأسباب طائفية ومذهبية مقيتة وعلى الهوية ومن خلال الحواجز الوهمية على الطرق لأتهم يكفرون أبناء الطائفة الشيعية ويعتبرون قتلهم حلال بل وواجب ديني إلى جانب قتلهم لكل من يخالفهم الرأي حتى من أبناء طائفتهم من السنة المعتدلين وكل من يناوئهم من المدنيين وزعماء العشائر. وهذه اللعبة تشارك بها الولايات المتحدة الأمريكية التي تخوض حرباً نفسية شعواء حيث تقوم بتضخيم الأمور والمبالغة في أهمية وخطورة بعض الأشخاص والجماعات وتضرب الواحدة بالأخرى وتلعب بالجميع وهي قطعاً ليست غريبة أو بعيدة عن الكثير من المجازر والعمليات القذرة والمهمات البشعة التي تطال المدنيين والمواطنين في كل مكان. فبعد مرحلة التركيز على القاعدة واعتبارها مصدر المآسي والكوارث والعمليات الإرهابية التي تحدث في العراق، وفي هذا التشخيص جزي من الحقيقة، ومحاولة مطاردتها وإخراجها من مناطق نفوذها المحصنة ودفعها نحو زاوية بعيدة في الشمال، حيث تتمركز اليوم في نينوى أي مدينة الموصل وبعض المناطق والقصبات المحيطة بها، تلتفت اليوم إلى مجلس شورى المجاهدين الذي يضم عدداً من التنظيمات السلفية والتكفيرية المسلحة المتمردة على العملية السياسية وعلى رأسها تنظيم القاعدة نفسه وكان هذا المجلس قد تأسس في يناير 2006. وبعد مقتل الزرقاوي في 7 حزيران 2006 بالقرب من بعقوبة في محافظة ديالى الساخنة،وقد تم استبدال الزرقاوي بشخصية يعتقد أنها وهمية أو ليست ذات أهمية تدعى أبو حمزة المهاجر المعروف بأبو أيوب المصري.

وبعد اختفاء الزرقاوي عن مسرح الإرهاب أعلن مجلس شورى المجاهدين في أكتوبر 2006 تأسيس quot; دولة العراق الإسلاميةquot; وهي دولة شبحية على الورق أو في مواقع الانترنيت فقط أي دولة افتراضية يرأسها البغدادي الذي أعلن نفسه أميراً للمؤمنين وحوله عدد من الوزراء منهم وزير الدفاع الذي فرض الخدمة الإلزامية في الأنبار عندما كانوا يسيطرون عليها ووزير بيت مال المسلمين الذي فرض ضريبة الزكاة والجزية على غير المسلمين وتمتد حدود تلك الدولة الوهمية التي ترهب الجميع لتشمل بغداد العاصمة والأنبار وكركوك وديالى وصلاح الدين وبابل وواسط. ومنذ تاريخ إعلان تلك الدولة المتخلفة علمياً وثقافياً وفكرياً واجتماعياً واقتصادياً، نشأ صراع على النفوذ وتوتر بينها وبين تنظيمات البعث المحظورة والمطرودة من السلطة بعد إعدام زعيمها وانشقاقها إلى جناحين أحدهما بقيادة عزت الدوري والآخر بقياد أحمد يونس الأحمد والتي رأت فيها منافساً خطيراً وقد تعرض العراق للانقسام وهو الأمر الذي يتمناه الكثيرون ونفس الموقف اتخذته هيئة علماء المسلمين بقيادة حارث الضاري ولكنه أقل حدة وكلنا يعلم أن هذا الأخير رفض إدانة تنظيم القاعدة واعتباره تنظيمياً إرهابياً. في حين أن تنظيم القاعدة ودولته الافتراضية دخل في مواجهات مسلحة ودامية مع الجيش الإسلامي في العراق والمكون من أغلب كوادر الجيش العراقي السابق المعارضين للتغيير والفاقدين لامتيازاتهم السابقة في عهد صدام بينما هادن تنظيم كتائب ثورة العشرين التي يشرف عليها شقيق حارث الضاري القاعدة وغض النظر عن تجاوزاتها وإرهابها للمواطنين. نفس الشيء حدث مع تجمع المجاهدين العراقيين وهؤلاء يسعون إلى تخريب وتقويض العملية السياسية بحجة محاربة الاحتلال وطرد عملاء وأتباع إيران ويقصدون بهم قادة العراق الحاليين في المجلس الإسلامي الأعلى وحزب الدعوة وتنظيم بدر. الجميع في العراق يلجأ إلى اللغة المزدوجة ففي العلن تقول القوى المتواجدة في السلطة أو المشاركة في العملية السياسية أنها تسعى للمصالحة الوطنية والمشاركة في السلطة وفي السر تمارس سياسة التهميش والإقصاء والمحاصصة وانعدام الثقة بالآخر، ونفس السلوك نراه لدى الجماعات الفئوية الأخرى كالقائمة العراقية بقيادة أياد علاوي و التوافق بقيادة عدنان الدليمي وخلف العليان وطارق الهاشمي والجبهة العراقية للحوار بقيادة صالح المطلك والجدير بالذكر أن الحزب الإسلامي بقيادة طارق الهاشمي مازال يواجه محنة التصادم المسلح مع تنظيم صحوة الأنبار واشتدادا التنافس بينهما على النفوذ في محافظة الأنبار كما نتوفع ازدياد هذا التنافس في المستقبل ويصبح اكثر حده كلما ازداد النفوذ والصراع على السلطة والثروة وخاصة اذا قبل السنة ان يكون هنالك اقليم سني او اذ اقر قانون النفط على اساس الادارة المحلية وليس المركزية للصناعة النفطية والامر اكثر وضوحا في الجنوب لانه يسبح على بحر من نفط.
هذه هي خريطة القوى السياسية الرئيسية والقوى المسلحة المسيطرة على الشارع العراقي بكل أطيافه وفوقها تربض قوات الاحتلال وحولها تتحرك القوات الحكومية المخترقة من كل جانب كما دل على ذلك تسليم العديد من قوات الجيش والشرطة لأسلحتهم إلى مكاتب الشهيد الصدر التابعة للتيار الصدري في البصرة ورفضهم تنفيذ أوامر رئيس الحكومة والقائد العام للقوات المسلحة السيد نوري كامل المالكي الذي قاد بنفسه الحملة على الخارجين عن القانون.


وكلما احتدم الصراع السياسي في العراق تفاقمت مشكلة الفساد المستشري الذي ينهش الجسد العراقي وينهك قواه إذ إنه متغلغل في، ونابع من، مختلف القوى السياسية وفي داخلها وفي أعماق منتسبيها الذين يفتقدون للنزاهة والشفافية وستغلون مناصبهم وعلاقاتهم فلإثراء السريع وغير الشريف وكذلك ينتشر الفساد داخل المجتمع العراقي نفسه الذي عاش تحت وطأة النظام السابق وكوارثه التي أرجعت العراق إلى نمط حياة القرون الوسطى وأفرزت حالات شاذة صارت هي القاعدة بعد أن كانت الاستثناء وأبرز هذه الحالات هي الفساد الذي تنامى وتفاقم منذ مدة طويلة قبل وبعد انهيار النظام السابق على حد تعبير وزير التخطيط السابق وعضو البرلمان الدكتور مهدي الحافظ.. لا أحد يعرف كيف يمكن إنقاذ العراق من هذه الآفة والاستفادة من التجارب العالمية في هذا المجال في دول مرت بظروف مماثلة للظرف الذي يعيشه العراق اليوم والذي يتميز بتعدد الصلاحيات ومراكز القوى وتعدد السلطات وهيمنة الوجود الأجنبي والانفلات الأمني وعدم احترام وتطبيق القانون وغياب الردع وطغيان الميليشيات والجماعات الإرهابية المسلحة، خاصة وأن هناك شبه عودة لنشاطات القوى الإرهابية وبالتحديد دولة العراق الإسلامية المرتبطة بتنظيم القاعدة ونجاح التكفيريين باغتيال عدد من قادة الصحوات وزعماء العشائر وتنشيط وتكثيف العمليات الانتحارية والتفجيرات والسيارات المفخخة مما ينم عن استعادة تنظيم القاعدة الإرهابي في العراق لزمام الأمور والعودة بقوة إلى الساحة مستغلاً الظرف الحاد الناجم عن المواجهات المسلحة الشيعية ـ الشيعية في مدن ومحافظات الوسط والجنوب ذات الأغلبية الشيعية وانشغال الدولة وقواها بكبح جماح الميليشيات والتنظيمات الخارجة عن القانون. بالرغم من تعرض تنظيم القاعدة لهجمات مميتة وضربات موجعة على يد القوات الأمريكية والعراقية وتراجع عملياته العسكرية وانحسار نفوذه في العديد من المحافظات التي كانت بالأمس تشكل حاضنته الاجتماعية والأمنية، لاسيما بعد انهيار وضعف وتراجع وانسحاب عدد كبير من عناصر الجيش الإسلامي وحركة المقاومة الإسلامية حماس العراق وجيش المجاهدين وحركة جامع المنضوية تحت لواء المجلس السياسي للمقاومة العراقية، بينما ظلت تنظيمات مثل جيش الراشدين وكتائب ثورة العشرين تتفادى الاحتكاك بالصحوات. وهكذا تشظى الشعب العراقي في ولاءاته بين الشيعة والسنة والعرب والأكراد والتركمان والصدريين والبدريين والدعويين وباقي القوى الدينية والوضعية التي نسيت كلها الولاء للوطن ودفنت مبدأ المواطنة والمساواة بين المواطنين كعراقيين مهما كانت أصولهم وانتماءاتهم فهناك تنافس على الزعامة في الجانب الشيعي بين اتباع الصدر واتباع الحكيم واتباع المالكي والجعفري وغيرهم من قادة الدعوة وهناك تنافس في الجانب السني بين الصحويين والقاعديين والحزب الاسلامي وضاع بينهم الديموقراطيين والعلمانيون والمستقلون والاكاديميون واصحاب الكفاءة والخبرة اللذين يخشون البطش من قبل بعض الجهات السياسية ذات السطوة والسلطة ان هم فكروا بالنزول بقوائم انتخابية ونافسوهم على الانتخابات القادمة ممن دافع عن الوطن وضحى بالغالي والنفيس وعرض عائلته للقتل والفتك على يد جلاوزة النظام الصدامي المقبور وخاطر بحياته ونفي وحارب النظام الدكتاتوري طيلة أربعة عقود ووجد نفسه مقصياً خارج اللعبة السياسية التي تحكمها وتسيرها قوات الاحتلال ودول الجوار الإقليمي.

ومن جراء ذلك نشأت في المدن العراقية كافة كانتونات ذات طابع طائفي أو لون مذهبي أو فئوي بعد أن تفاقم التمييز والاستقطاب وتوزع بين الولاءات القومية والمذهبية والدينية والطائفية والحزبية، وبينما نحن منشغلون بهذه الصراعات الداخلية واحتكار المنافع والمصالح والامتيازات، quot;تستثمر الولايات المتحدة هذه الأوضاع ومعها دول الجوار لتحقيق خططها وتنفيذ مآربها. ترنو الخطة الأمريكية في العراق إلى ترسيخ الوجود الأمريكي واستئصال بؤر المعارضة المسلحة لهذا الوجود سواء أكانت سنية أو شيعية وبعد أن أمنت انحياز وتحالف قوى شيعية مؤثرة والجبهة الكردستانية نجحت مؤخراً في استقطاب أطراف سنية كانت بالأمس خصماً يناكف القوات الأمريكية ويشهر السلاح ضدها واليوم تقف إلى جانبها في محاربة القاعدة حليفة الأمس. في حين أوكلت الخطة الاستراتيجية الأمريكية مهمة تطهير المدن العراقية ذات الأغلبية الشيعية من وجود وتنامي نفوذ الميليشيات الشيعية بمختلف تنوعاتها وعلى رأسها جيش المهدي إلى الحكومة العراقية المنتخبة ذات الشرعية الدستورية وبالتحديد على عاتق رئيس الوزراء الحالي أبو إسراء المالكي الحليف السابق للتيار الصدري والمدين له بتقلد منصب رئاسة الوزراء ضد مرشح المجلس الإعلى الإسلامي الدكتور عادل عبد المهدي ولولا أصوات الصدريين لما تسنى للسيد المالكي أن يصل إلى قمة هرم السلطة التنفيذية كما يشيع الصدريون اليوم. وقد وفر الأمريكيون لرئيس الوزراء العراقي دلائل وقرائن عن تنامي العلاقات العسكرية والمالية والاستخباراتية والتنظيمية بين التيار الصدري وإيران التي تعمل سراً على تقويض العملية السياسية القائمة في العراق وتؤيدها علناً وذلك نكاية بالأمريكان والعمل بكل الطرق على إفشال مشروعهم الاستراتيجي في العراق والمنطقة برمتها للسيطرة على الثروة النفطية الهائلة الموجودة في الخليج والعراق وإيران. هذه هي البديهية التي تفسر اندفاعة السيد المالكي لتقليم أظافر التيار الصدري واستئصال عناصره المسلحة المنفلتة والمتمردة أو المنشقة عن التيار دون أن تعلن ذلك والتي تنشط وتتحرك وتمارس نشاطاتها بإسمه وصارت تشكل خطراً على حكومته وتحدياً لسلطته فكان لابد من ضربهم وتجريدهم من السلاح وهم الذين أسماهم بالمجرمين والمهربين والعصابات المنظمة والخارجين على القانون فهل سينجح في مهمته الصعبة هذه وهل سيغامر بمستقبله السياسي إذا ما فشل في تحقيق هذا الهدف ؟ هذا ما ستكشف عنه التطورات اللاحقة للمشهد العراقي خاصة قبل وأثناء وبعد الانتخابات المحلية أو البلدية في المحافظات بعد التصديق على قانون المحافظات فسوف تكون المنافسات والمواجهات شرسة وربما عنيفة لاسمح الله فأين العقلاء في هذا الشعب المظلوم ليتصدوا لمهمة إنقاذه؟ ولقد تنادى المجلس السياسي للأمن الوطني لمعالجة هذا التدهور الخطير وإجتمع ليصدر بياناً من 15 نقطة أهم ماورد فيه هو الطلب من جميع القوى السياسية التي تمتلك ميليشيات تسليم أسلحتها وحلها كشرط للمشاركة في العملية السياسية والانتخابات القادمة وهذه خطوة إيجابية لو قيظ لها أن تنفذ وتحترم من قبل الجميع إلا أن التيار الصدري، وكما هو متوقع تحفظ عليها واعتبرها مناوره سياسية لذربه وتقليص أو إنهاء نفوذه في الشارع العراقي.


هنالك قضية سيكون لها شأن كبير وضجة هائلة أل وهي الفيدرالية التي قد تؤجج الصراعات وتشكيل الاقاليم بين رافض للفدرالية ومغال في التاييد لها لتكوين إقليم الوسط والجنوب وبين معتدل بين هذا وذاك يقول بوجوب توفير المقدمات الصحيحة لتأسيس الأقاليم وتوفير الأرضية السياسية والشعبية والكفاءات القادرة على الإدارة ووضع قانون انتخابي يظهر بشكل صحيح رغبة الناخب العراقي وغياب المظاهر المسلحة والميليشاوية التي تقهر الناخب على انتخاب حزب غير مقتنع به وقهر الكفاءات العلمية والمثقفة ومنعها من تشكيل أو تأسيس حركات وتكتلات سياسية تخوض غمار الانتخابات لتطبيق الفيدرالية بشكل صحيح وعدم تسطيح وعي الناخب العراقي التي تصور له أن الفيدرالية ليست أكثر من محطة كهرباء أو مصفى نفط أو بطاقة تموينية.. كما إن الخوف من الديكتاتورية أو الرغبة بالسيطرة والحكم من قبل جهة أو فرد جعل بعض القوى السياسية لا هم لها سوى إضعاف الحكومة المركزية وجعلها عاجزة عن تقديم الخدمات والأمن وإسقاط سمعتها في أعين الناس وغياب روح الثقة المتبادلة بين مكونات الشعب العراقي وإدخالهم في صراعات طائفية كي يسوقوا للناس ان الفدرالية هي الحل هذا مع العلم أن أغلب المواطنين وأغلب السياسيين لم يفهموا المعنى العلمي للفيدرالية ولم يستوعبوا آلياتها ونماذجها الناجحة والمطبقة بشكلها الصحيح في الكثير من دول العالم ولذلك فهي قضية شائكة وحساسة وقد تقود إذا ما طبقت وفق الفهم الخاطئ لها في العراق إلى التقسيم فعلاً وانفصال كل إقليم عن باقي الأقاليم وتشكيل دويلة صغيرة متقوقعة ومنطوية على نفسها ومتجاهلة لحقوق واحتياجات الأقاليم الأخرى ومن هنا منبع الخطر القادم.

د.جواد بشارة

بغداد

[email protected]