يوم للرفض...

إنّ قضيّة quot;المساءquot; في مواجهة quot;القضاة الأربعةquot; وتفاعلاتها، والتي انتهت بمحاولة القضاء المغربي تغريم هذه الجريدة الشابّة ndash; العميقة في نضاليّتها الإعلاميّة /الثقافيّة- مبلغا ماليّا مجحفا يقدر ب 600 ألف درهم، قد يفتّ من عضدها، ويخلخل قدمها، لكنه قطعا لا يزحزح طاقمها عن مبادئه قيد أنملة، قلت إنّ هذه القضيّة لم تورّط فقط مؤسسة القضاء بالمغرب في اعتقال حريّة التعبير(إن لم نقل إدماءها)، وإنّما كشفت عن خوفها البارانويائي من quot;سلاح الكلماتquot; (كما عبر عبد الوهاب البياتي ذات قصيدة)، ورغبتها في مواجهة المرآة أحيانا quot;من الظهرquot;، وأحيانا أخرى quot;بالظهرquot;، وهو الأمر الذي يحيل بالمقابل ndash; كتحصيل حاصل- على مصداقيّة quot;المساءquot;، واحترامها للحقيقة، والميثاق الأخلاقي والمهني، رفضها الاضطلاع بدور quot;حاطب الليلquot;، هذا كله وغيره يأتي طبعا بعد احترامها للقارئ الذي لم يعد غفلا( ولم يكن في يوم كذلك، اللهم إذا أرادت بعض الجهات أنّ تزجّ به في دار غفلون عنوة، وهذا شأن آخر)...
يبدو لي أنّ بعض المؤسسات في المغرب لم تستفد، أو لم ترد الاستفادة من دروس الماضي، ووقائع التاريخ، ولم تستضمر قاعدة quot;كلّ ممنوع مرغوبquot;، لذلك فالخطوة التي أقدم عليها القضاء في ملف quot;المساءquot; تثير الشفقة و الرثاء ثمّ الحوقلة،تأسفا على هذا الركن من الدولة(الذي يفترض فيه أن يكون ركينا)، رثاء مبعثه غباء الحكم، وخرقيّته، ورعونة من يعتقد بأنّ القوّة تستقيم من دون عدل، وهذا لعمري ما عزب عن بال quot;القضاة الأربعةquot;، و quot;خامسهم الذي أتى بعد رعبquot;( إذا جاز لنا التصرف في قصيدة الشاعر العربي محمود درويش)...

ما يهم في قضيّة quot;المساءquot; التي تحولت -في تقديري- إلى قضيّة رأي عامّ، ليس هو حجم المبلغ( وهي طبعا غرامة قاصمة للظهر، وليست قاصمة للقلم)، أو إغلاق جريدة، فأنا موقن أنّ طاقم المساء باحترافيته العالية، يستأهل الاشتغال في أقوى وأضخم المؤسسات الإعلامية العالميّة التي تحترم نفسها وقراءها على السواء، ولا أشكّ في أنّ العروض الاستباقيّة/التسابقيّة قد بدأت تنهال عليه بالفعل، وقد كانت كذلك حتى قبل أنّ يلتمّ أفراده تحت خباء quot;المساءquot;، لكن ماذا سيحدث بالمقابل؟

نافل القول، إنّ القضاء بإقدامه على هكذا quot;قتل رمزيquot;، قد ينال من أفراد بعينهم، أو مؤسسة إعلامية بعينها، كما حدث قبل ذلك في ملف علي المرابط، وأبو بكرالجامعي، وغيرهما، لكن هل ينال من quot;معنىquot; قد quot;أمسىquot; مثل الهواء بالفعل؟

سامي دقاقي

كاتب من المغرب