عندما كانت وزيرة الداخلية البريطانية تُلقي خطابها أمام جمهرة من البريطانيين المسلمين من أصول باكستانية وبنغالية في منطقة (والثهامستو) في ضواحي لندن وتَعدهم بصرف مبلغ إضافي يُقدر باثني عشر فاصل خمسة مليون جنيه على المدارس والجمعيات الإسلامية في بريطانيا من أجل مكافحة التطرف. كان رئيس الوزراء غوردن براون على الهاتف يتّصل بنواب حزبه واحدا تلو الآخر محاولا إقناعهم بالتصويت لصالح مشروع القانون الذي يسمح بتمديد مدة احتجاز الإرهابيين المُفترضين إلى خمسة وأربعين يوما.

يُدرك العُمّاليون قبل غيرهم أن مبلغ اثني عشر مليون غير كاف لمحاربة أفكار التطرف وتغطية النفقات على آلاف المدارس والجمعيات الإسلامية المنتشرة في عموم بريطانيا. وهو ليس مبلغا إضافيا كما يدّعون، بل كان قد اقتُطع من الموازنة العامة قبل شهور. أما الإعلان عنه في هذا الظرف ماهو إلا تغطية إعلامية على مشروع القرار الجديد الذي تعتزم الحكومة طرحه على مجلس العموم للتصويت عليه الأسبوع المقبل.

غوردن براون في وضع لا يُحسد عليه. فالانتقادات التي تلاحقه لم تصدر فقط من خصومه في حزبيْ المحافظين والديموقراطيين الأحرار بل توالت من أعضاء حزبه حيث دعوه إلى تغيير سلوكه الإنطوائي الذي تسبب في تدهور شعبية حزب العمال بعد رحيل زعيمه الكاريزماتي توني بلير. براون و ردّا على هذه الانتقادات انطوى على نفسه أكثر وانزوى مع زوجته بضعة أيام في اسكتلاندة بعيدا عن صخب السياسة، حتى أن السيدة الأولى في بريطانيا أو الثانية بعد الملكة، دعت العُماليين إلى الكف عن انتقاد شخصية براون والتركيز على نتائج سياساته على الأرض.

رئيس الوزراء الأسبق السّير جون مايجور خرج عن صمته وذهب إلى أبعد من ذلك معتبرا أن مشروع القرار الجديد من شأنه أن يأتي بنتائج عكسية ويُغذي الحقد والكراهية في صفوف مسلمي بريطانيا، فهو يضرب بقيم الحرية والديموقراطية عرض الحائط. وهذه الانتقادات سواء جاءت من حزب المحافظين لأغراض انتخابية أو من طرف العماليين والناشطين في مجال حقوق الانسان، تصب كلها في خانة إجهاض مشروع براون وحلفائه داخل مجلس العموم.

للأمانة فإن وزارة جاكي سميث أعلنت مشروعا جريئا - لكنه جاء هزيلا- لمكافحة أفكار التطرف في أوساط الجيل الجديد من مسلمي بريطانيا، المشروع ركز على الفئة العمرية مابين 17 إلى 24 وعاما، ودعا إلى انتهاج سياسية اجتماعية تتميز بالعقلانية في مخاطبة هؤلاء بعيدا عن الحل الأمني الذي تشوبه ثغرات متعددة بالرغم من أن بريطانيا لم تشهد هجمات إرهابية منذ المحاولات الفاشلة لتفجير مطار غلاسغو وملهى (تايغر تايغر) وسط لندن.

المنتقدون لهذه المشاريع يرون أنها لم تخرج عن نسق الحملات الانتخابية ومحاولة امتصاص غضب الإنجليز وعلى وجه التحديد اليمين المتطرف. فيما اعتبر محامون على صلة بمعالجة ملفات الإرهاب أن مدة الاحتجاز الحالية المحددة بثمانية وعشرين يوما، فترةٌ كافية لتثبيت التّهم والوصول إلى نتائج قطعية من قبل المحققين.

الحكومة العمالية تعيش في ورطة و شعبيتها وصلت إلى الحضيض، وورطتها هذه المرة ليست مع الإرهاب الذي يتهدد أمنها القومي، فالأمن القومي البريطاني يتهدده الكساد الاقتصادي مع ارتفاع أسعار المواد الغذائية والوقود ومع تفاقم أزمة الاستدانة من البنوك.

لقد شهدنا مظاهرات محدودة لسائقي الشاحنات والمركبات الثقيلة قرب (ماربل آرتش) في لندن، احتجاجا منهم على وصول سعر الليتر الواحد من البنزين إلى عتبة الثمانية دولارات ولا شك بأن هذه الاحتجاجات ستتفاقم إذا ما استمر غوردن براون في عزلته وانشغل بطرح مشاريع على البرلمان لا علاقة لها بالأزمة الراهنة. فهي من أجل امتصاص الغضب الداخلي ليس إلا.

سليمان بوصوفه