رياح التطرف و الجمود و الإنغلاق الفكري و العقائدي التي تعصف بالشرق القديم قد أضحت مفرداتها من الصور النمطية التي تشكل الصورة العامة لأوضاع شعوب المنطقة التي بدو اضحا إن إدارة الصراع الفكري فيها قد وصل لنهايات بائسة بعد فشل المشروع الأمريكي المهتز أصلا لدمقرطة شعوب الشرق الأوسط أو إصلاح أنظمته السياسية؟
فهذا المشروع قد تحول لكارثة وخيمة بعد الإحتلال الأمريكي للعراق الذي سبقته وعود أمريكية طموحة صدقت للأسف جوانب كثيرة منه بل ودافعت عنه دفاعا مستميتا ليس عن سوء نية أو طوية أو نتيجة لدوافع مصلحية أو مادية! بل لكون الأنظمة الفاشية التي هي صناعة أمريكية أصلا قد هشمت شعوبنا و أفلست بالكامل و تحولت لمعوق ستراتيجي كبير في طريق المستقبل بحيث أضحت عملية التغيير مطلبا لا محيص عنه و لا بديل!!
و لكنني و أنا أتأمل التاريخ القريب و البعيد كنت مسلحا بعامل خطير وهو ( حسن النية )!! وهذا العنصر لا وجود له أو أثر في السياسات الدولية أو في ملفات لعبة الأمم المعقدة و الدموية، و الحديث عن الآمال و التطلعات و الطموحات يختلف بالكامل عن الواقع الميداني!
فالشيطان يكمن في التفاصيل، و خزين الشعوب الثقافي و الفكري و حتى النفسي من ألأمور المستحيلة الضبط أو التوجيه!!، ثم أن الأميركان وهم يقوضون الأنظمة السياسية التي دعموها و دافعوا عنها طويلا و غضوا النظر عن قبائحها و جرائمها المخجلة بحق البشر و الحجر لم يرسموا مشاريع حقيقية لبناء ما دمروه وهو تدمير كبير و فظيع و مخجل بحق الحضارة و الإنسانية كما فعلوا في العراق؟ بل أن كل ما فعلوه هو إستحضار أشباح التاريخ ودعم القوى الظلامية و المتطرفة و تنصيب فاشيين جدد ذوي طبعة طائفية و مذهبية و آيديولوجية دينية يكونون خير خلف لأسوأ سلف!!
و هو ما حصل فعلا وواقعا! وذهب المشروع ألأمريكي للدمقرطة و التغيير مع الريح وهبت هبوب الرياح الفاشية و الطائفية لتملأ الأرض العربية دجلا و تسلطا بعد أن ملأت في السابق ظلما و عدوانا!! و اللوحة الدموية التشكيلية القائمة في العراق اليوم هي خير تعبير عن ( العدالة و التفكير و الطموح الأمريكي )!!، و تمدد الجماعات الدينية و الطائفية بات من عزم الأمور و طبائعها ووفقا للمنهج و الرؤية الأميركيةالتي تتلاعب بملفات الأزمات و بمصائب الشعوب و بالمجازر التي تقع عليها، فالولايات المتحدة ما غيرها و معها كل دول الغرب و على رأسها فرنسا على سبيل المثال لا الحصر كانت تعلم بالملفات التفصيلية لكل أنظمة الموت العربية و لكل المقابر الجماعية و لكل السجون السرية المرعبة و لكنها لم تفصح عنها أو تثير ملفاتها إلا بعد عقود و في إطار ترتيبات إقليمية كبرى!!
و كل عمليات الحشد و التعبئة و التوجية الإعلامي و الفكري ليست موجهة لدعم الجماعات المدنية و المتحضرة بل لدعم الجماعات الإرهابية بخلفياتها الفكرية العدمية و الزاعقة، و الكويت ليست خارج السياق العام للمنظومة الإقليمية أبدا بل أنها و نظرا لليبرالية و تسامح و إنفتاح نظامها السياسي و لتجربتها السياسية الطويلة يبدو أنها قد أختيرت لتكون ميدانا عمليا لصراعات و تحولات سياسية و مجتمعية ذات دلالة في المنطقة، الكويت اليوم و بعد تشكيل برلمانها الجديد ( مجلس الأمة ) بصيغته التي يطغى عليها التشدد الديني و التواجد الطائفي الواضح بكل ملفاته الحساسة تعيش على إيقاع صراعات عبثية لن تضيف جديدا للعملية الديمقراطية و لن تساهم في حل المشاكل المستجدة و الملفات المتفاعلة بل ستدخل المجتمع و السلطة في خصومات من نوع جديد و ساخن لن تكون حصيلته النهائية سوى خسارة عامة لجميع الأطراف، و لعل ما يحصل حاليا من شد وجذب في الأيام الأخيرة التي تسبق العطلة الصيفية الطويلة من ملاسنات و من تهديدات لإثارة قضايا الحسبة و تحكيم الشريعة و محاولة تكوين هيئات الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر في تجاوز واضح على دستور دولة الكويت لعام 1992 هو عودة للوراء و في جدل عقيم لن يحل مشاكل المجتمع الكويتي الصحية و البيئية و السكنية و الأمنية و التركيبة السكانية و موضوع الملفات الحساسة المتراكمة تاريخيا كقضية البدون جنسية إضافة للتهديدات ألأمنية الواضحة بسبب التجاذبات السياسية و الإقليمية و تبلور العنصر الطائفي الخطير و إنعكاس ذلك على طبيعة أداء المؤسسات الدستورية، من الواضح و منذ بداية فصل الإنعقاد الأول لمجلس الأمة الجديد الذي تطغى عليه الصورة الأصولية بأن طريق الصدام بين المؤسستين التشريعية و التنفيذية بات معبدا بكل القضايا الخلافية بدءا من موضوع الضوابط الشرعية و الحجاب و توزير المرأة و إدارتها للمرافق العامة و ليس إنتهاءا بقضايا الحفلات الخاصة و العامة أو برامج التلفزيون أو قوانين الإختلاط أو أسلمة قوانين الدولة أو فرض الصورة الدينية المتزمتة على الحياة في الكويت في وقت تسعى فيه الدولة جاهدة لأن تتجاوز سنوات الدمار و القلق و الركود و تحاول الإنطلاق من جديد كمركز مالي و إستثماري و تسويقي في ظل ظروف غاية في الدقة و التعقيد، فالكويت لا تتحمل أبدا عمليات شد وجذب و إستقطاب أو محاولات هيمنة أو مصادرة لتيار من التيارات لكل الخيارات الأخرى، و قد سبق لسمو أمير الدولة أن أطلق تحذيراته الصارمة و التي عودنا التاريخ القريب من أنها ليست مجرد عين حمراء بل أنها قرار ستراتيجي لا يحتمل التأخير و لا التسويف أو المماطلة، و يبدو أن موسم فتح الملفات التسقيطية القادمة سيكون ساخنا للغاية و قد بدأ التسخين في قضية الحفلة الخاصة للمستشفى الخاص التي تخللتها فقرات راقصة!!
و أول الغيث حفلة، و مواسم الصدام قادمة لا محالة خصوصا في ظل التوتر القائم في عموم الإقليم، قدر الكويت التاريخي على ما يبدو أن تعيش على سطح صفيح ساخن، و ستكون العطلة الصيفية بمثابة محطة إستراحة لخريف الغضب الكويتي المحتمل القادم فالتعنت لا يخلق سوى وضعا تراكميا..! نسأل الله العافية، و جنب الله المنطقة و شعوبها من الشرور القادمة...؟
داود البصري
التعليقات