فتش عن النفط. النفط مقابل السيادة
كان نابليون يقول دائماً فتش عن المرأة cherchez la femme في معرض تحليله للسياسات وخفاياها وألاعيبها ومكائدها السوداء، حيث كانت المرأة الدافع وراء السياسة، ومن غير المرأة للمكائد والمؤامرات؟ أليس كيدهن عظيم؟ ( بالمناسبة كان نابليون مولعاً جداً بالنساء وقد أوداه حبه لجوزفين بستين ألف داهية فهو لم يكن يعرف كيف سيرضيها وينال إعجابها فانتهى هو الآخر في زنزانة صغيرة في جزيرة القديسة هيلانة). وفي عالم اليوم يتحكم البترول باقتصاد العالم وسياساته وصار النفط أولاً، وآخراً ووراء كل شيء. ولو عاد المرحوم بإذن الله تعالى نابليون لقال cherchez le petrol. ووحده ذاك التكساسي القابع في البيت الأبيض يعرف ما قيمة وما معنى النفط، وكيف يحرك عجلة الاقتصاد العالمي بنفس الطريقة التي يحرك بها إطارات السيارات، ويشتم رائحته عن بعد آلاف الأميال. فلا تعلنوا عن نفطكم، وثرواتكم الوطنية بعد اليوم فهو سيعني نهاية أحلامكم السلطوية، إن لم يكن نهاية أوطانكم كما انتهى ومات العراق الشهيد غيلة في التاسع من نيسان. والأفضل لكم أن تكونوا فقراء لكي تسلموا من quot;حبquot; بني تكساس.
والغرب من حيث المبدأ لا يهمه شعب دارفور ولا أطفاله بقدر ما يهمه النفط الموجود في باطن أرضه، ولا أحد يعرف احتياطه سوى تلك الأقمار الصناعية الأمريكية الماكرة التي تجوب الفضاءات وتصور على مدار الساعة وتعرف ما في جوف أراضيكم، من احتياط نفطي. والدبلوماسية الغربية والأمريكية لا تنشط إلا حيث يوجد النفط ولذا تراهم يذرعون الشرق الأوسط وواحات الصحراء البترولية بزياراتهم الميمونة جيئة وذهاباً، وصبحاً ومساءً. أصبح النفط لعنة على الأوطان وملهباً لخيال القراصنة الدوليين فيما وراء البحار. وهناك من هو أشرس بكثير من البشير وممن اقترف جرائم أخطر بحق الإنسانية؟ ماذا عن جورج بوش؟ وبلير؟ وهاورد؟ وأولمرت؟ وباراك وبيريز وغيرهم من نجوم الإجرام الدولي ومن شاربي منكر النفط الحرام وآكلة لحوم البشر؟ من يحاكم هؤلاء؟ ومن يجلبهم للعدالة الدولية العوراء؟ ومن يجرؤ أن يتحدث عن انتهاكاتهم لحقوق الإنسان؟
واليوم يستخدم ميثاق المنظمة الدولية وأجهزتها القضائية للتدخل السافر في سيادة الدول وشؤونها تحت ذرائع كاذبة وفي فرض سياسات بعينها على دول بعينها، ودول لا تطاولها العدالة الدولية العوراء. العدالة العوراء هذا هو عنوان العمل الأممي في هذه الحقبة التكساسية اللعينة التي يوجهها مدراء العلاقات العامة في هاليبرتون وشل وإكسون موبيل. سيصطادون الزعماء الواحد تلو الآخر كعصافير صغيرة وسيضعونها في quot;القفصquot; باسم القانون الدولي الأعور؟ هناك العشرات من القرارات الدولية تنتظر على الرف منذ عشرات السنين ولا تقترب منها هذه العدالة الدولية العوراء التي لم تسمع بمجزرة أطفال على سبيل المثال اسمها قانا، ولا بمجزرة بشرية لشعب محاصر في مكان اسمه غزة. البشير لن يكون آخر من يطاوله النهم التكساسي للبترول الذي يشكل الهاجس الأول والأخير للعدالة العوراء. النفط مقابل السيادة هذا ما آل إليه حال الدول اليوم، ومن كان لديه النفط فقد حل عليه العذاب والغضب التكساسي. ألم يكن حارس البوابة الشرقية للإمبراطورية البدوية صديقاً حميماً لدونالد رامسفيلد وديك تشيني قبل أن تحل عليه لعنات نهم وجشع آل تكساس؟ لا سيادة مع النفط، ولا نفط مع السيادة. ادفع واخضع واستسلم بالتي هي أحسن لبني تكساس وإلا سيؤتيك أجرك أوكامبو بلاغاً أممياً للقبض عليك وجرك بالسلاسل إلى لاهاي. فهل سيعرف الفريق البشير كيف يتعامل مع هذا البلاغ بعيداً عن العويل والصراخ؟ هل يفهم quot;عليهمquot; ويعرف ماذا يريدون من السودان، وماذا يخططون له وما هو الثمن المطلوب وكيف سيرسو المزاد وذئاب النفط تحوم اليوم حول آبار السودان؟ أليس حرياً بإدارة بوش أن تقدم دفتر عروض وشروط لكل بلد من البلدان؟ أيتها الأوطان البائسة لا تحاولي أن ترفعي الرأس أبداً فسيف ديمقليس التكساسي والفصل السابع مسلط عليك وعلى زعمائك، ولكم في مصير بطل القادسيات العبر والاعتبارات وأسوة مرعبة غير حسنة على الإطلاق. فعين بني تكساس على موطئ قدم في أرض السودان وليس عينهم أو قلبهم على جياع دارفور على الإطلاق. وإذا لعبها البشير جيداً فسيفلت في اللحظة الأخيرة من العقاب. وإذا لم تحدث مساومات وصفقات ربع الساعة الأخيرة فسيـُجر البشير كما جر تشارلز تايلور الليبيري وميلوسيفتش الصربي إلى السجن الدولي ليتفرج عليه العالم وهو في quot;البوكسquot; كما كان يتفرج العالم على المصارعين المحبوسين في الأقفاص في ساحات روما القديمة؟ هل أصبح زعماء العالم ورؤسائه quot;فرجةquot; في صندوق العجائب لكاوبوي تكساس؟
من سيحاكم أولئك الذين قتلوا وشردوا ملايين العراقيين وجلبوا للعراق نظاماً سلفياً يعود للعصور الحجرية؟ قد يكون هناك مسؤولية ما، وفي مفصل للبشير ما عما حدث في دارفور وفي السودان أيضاً من تجاوزات، وقد تكون تصفية حسابات مع بعض الأنظمة الخارجة عن القانون وعن عصا الطاعة الأمريكية والدول المارقة الـ rogue states ، ولكن أين هي العدالة الدولية في الصمت المطبق على جرائم أمريكا وإسرائيل في فلسطين والعراق؟
وللإنصاف، فثمة بارقة أمل في الأفق باتت تمنع كثيرين عن المضي قدماً في ارتكاب جرائم ضد الإنسانية وعمليات إبادة جماعية ضد آمنين وأبرياء، وهو أمر مطلوب، وواجب، ولكن، في المقابل، يجب على العدالة ألا تكون انتقائية، ومزاجية، ومرتبطة بمصالح سياسية واقتصادية باتت تغلب وتطغى على هذه العدالة البائسة العوراء.
العرب اليوم، ومعهم العالم أجمع، أمام حقبة جديدة فها هو رمز وطني آخر يعد أمام المذبح للنحر ربما في quot;أضحىquot; وشيك، أمام أعين ونظر الأنظمة العربية وجماهيرها المشدوهة بسفالة العدالة العوراء. نحن مع العدالة الدولية، قلباً وقالباً، وفي كل مكان ومع تطبيقها الفوري، وهذا إذا كان الفريق البشير متورطاً بأية أعمال إبادة جماعيةGenocide ، ولكن بشرط أن تطبق العدالة على الجميع وعلى بقية المجرمين الدوليين الذين يصدرون مثل فرمانات الاعتقال هذه. من الذي يقرر إذا كان البشير متورطاً ومن لا يقرر إذا كان شيمون بيريز غير متورط بجرائم إبادة وتطهير عرقي ethnic cleansing؟ أليس هناك من دور أو رأي أو حتى حرمة للرأي العام في كل مكان؟ من تابع المظاهرات المليونية ضد الحرب على العراق؟ ومن تابع مظاهرات الاحتجاج التي كانت ترافق زيارات بوش هنا وهناك؟ ألا تستأهل كل تلك المظاهرات وجماهيرها، وضوضاءها بلاغ اعتقال من المدعي العادل أوكامبو علينا من ذكره السلام؟
الفريق البشير يطلب مخفوراً اليوم إلى محكمة الجنيات الدولية، وغداً قد تطال العدالة التكساسية زعيماً آخراً لحجة وسبب ما، وقد صار ينطبق على هذا الوضع الآية الكريمة: quot;فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلاquot;. فمن هو صاحب الحظ quot;السعيدquot; التالي؟ هذا هو السؤال؟
نضال نعيسة
التعليقات