الإجراءات الإحترازية العسكرية التي أتخذها النظام الإيراني تحسبا من ضربة عسكرية أمريكية قادمة و مفاجئة قد تضمنت أمورا معروفة مسبقا و منها فرض الهيمنة الأسمية على مدخل الخليج العربي في مضيق هرمز و تكليف أسطول الحرس الثوري الإيراني بتلك المهمة و هو أسطول مضحك بطبيعة الحال لاعلاقة له بالأساطيل المعروفة في حروب البحار القديمة أو الحديثة !

و المسألة برمتها مجرد رسالة تخويفية مباشرة لعرب الخليج خصوصا لأن الإيرانيين يعرفون جيدا أنه في ساعات المواجهة الحقيقية مع القوات الأميركية و حلفائها فإن الحروب الإعلامية و النفسية لن تفيد و مناورات الدجل و الخداع و الضحك على الذقون قد تنفع في خداع بعض الناس و لبعض الوقت طبعا خصوصا و أن تاريخ إدارة الصراع العسكري في المنطقة يعطي صورة واضحة عن طبيعة موازين القوى و طبيعة أساليب إدارة الصراع، فالإيرانيون كانوا خلال الحرب العراقية/ الإيرانية يعانون صعوبات جمة من كثافة النيران العراقية و من حجم القوة النارية و الصاروخية للطيران الحربي العراقي و هو لا يعادل في قوته عشر القوة النارية لقوات التحالف، و لعل الجميع يتذكر إن الإيرانيين حينما أقدموا على القبول بالقرار الدولي 598 ووقف إطلاق النار مع العراق و تجرع السم كانوا تحت تأثير الضغط العسكري الغربي بعد إسقاط الطائرة المدنية الإيرانية في مياه الخليج العربي و بعد سلسلة الهزائم العسكرية الإيرانية في معارك الأيام الأخيرة من الحرب مع العراق، و الإجراءات العسكرية الإيرانية الأخيرة في الخليج تتشابه في خطوطها العامة و ملامحها الستراتيجية مع الإجراءات العسكرية التي أتبعها نظام صدام حسين خلال الأسابيع القليلة التي سبقت حرب العراق حيث قسم العراق لعدد من المناطق العسكرية وضع على قيادتها حزبيون لا يفقهون شيئا من علوم الحرب الستراتيجية!

و حتى لوفهموا فإنهم ماكانوا يستطيعون فعل أي شيء أو قلب النتائج للخلل الكبير في موازين القوى، فجيش القرن العشرين لا يمكن أن يجابه جيوش القرن الحادي و العشرين مع الفروق الحضارية و العلمية الهائلة! و نفس التوصيف ينطبق على فيالق الحرس الثوري التي تعلم جيدا أن المواجهة العسكرية المباشرة خاسرة سلفا رغم كل مظاهر التحدي و الجعجعة الإعلامية الفارغة! فاللنظام الإيراني من الذكاء و الخبرة ما يجعله يعلم تماما بأن المواجهة التقليدية خاسرة!

و لكن قوة النظام الإيراني تكمن في الشبكات العنكبوتية الضخمة و القواعد اللوجستية الضخمة من الخلايا السرية و جيوش المتعاونين في المنطقة و التي يعتمد عليها النظام الإيراني في إثارة حروب و مشاكل محلية وداخلية في دولها مما يؤثر على الجهد الستراتيجي العام لأية عمليات عسكرية محتملة في المنطقة، فالنظام الإيراني لا يمتلك سوى هذه الورقة من لبنان وحيث تتحرك خيوط مخابراته هناك لتزرع الألغام على خطوط التماس مع إسرائيل عبر جرها للنزاع و حتى العراق حيث يتركز اليوم الجهد الستراتيجي الشامل لقيادة الحرس الثوري سواء من فيالق ( القدس ) أو ( فجر ) أو غيرها من التسميات و التوصيفات، و النظام الإيراني تبعا لخططه البديلة في تسليح و تدريب و إعداد القوى السياسية و الطائفية المؤيدة له في العراق قد باشر منذ وقت طويل بإعداد برنامج عسكري طموح و فعال يتمثل في تدريب العناصر المؤيدة له ضمن صفوف القوى السياسية في العراق وتشير المعلومات الموثقة و الخاصة إلى أنه وخلال الفترة من 8 / يناير / 2008 و حتى 31/ يوليو / 2008 تم تدريب و تهيئة 13650 عنصر من عناصر الميليشيات المؤيدة له ووفق برنامج أطلق عليه إسم ( قوات الأنصار ) في مركز تدريب ( السجاد ) في مدينة ( رافسنجان )! و هذا البرنامج العسكري مستمر بوتائر عالية مما يعطي المراقب صورة مصغرة ن سيناريو الجحيم الذي يراد لإحتياطي أنصار الولي الخراساني الفقيه ( المضموم ) القيام به في المنطقة!!.. وهو السلاح السري و الفاعل لآيات الله.

العراق اليوم هو القاعدة وهو الهدف و هو المشكلة و هو الحل..! و تبقى كل الخيارات قائمة وممكنة!.

داود البصري

[email protected]