صلاح سرميني من باريس:في قراءتي عن الفيلم الهنديّ (Aatma) من إخراج (Deepak Ramsay), وإنتاج عام 2006 كتبتُ مُندهشاً :
(معقول, فيلم رعبٍ هنديّ ؟ ولِمَ لا, وأنا أكتشفُ مُتأخراً أفلاماً هنديةً تاريخيةً, أسطوريةً, حربيةً, دينيةً, وجاسوسية,.. بالإضافة إلى تُراثها الزاخر بالأفلام الميلودرامية, الاجتماعية, العاطفية, والإنسانية, ... ولكن, أفلام رعبٍ, هلعٍ, أرواح, وأشباح,..هذا ما لم أتوقعه من سينما بوليوود الرقيقة, الناعمة, الحالمة, العاشقة, والمُنحازة دائماً إلى الخير.
ولكن, يبدو أنّ السينما الهندية تُعاند في منافسة السينما الأميركية بكلّ أنواعها, وربما, قريباً, سوف أعثر على أفلام رعاة بقر, وخيالٍ علميّ,....).
لم أنتظر طويلاً حتى قادتني مُشاهداتي إلى أفلام خيالٍ علميّ (وهي متأثرةٌ إلى حدّ بعيدٍ بالأفلام الأميركية).
ولم يطل انتظاري أكثر عندما لفتَ انتباهي مُلصق فيلمٍ بعنوان (Joshilaay) لمُخرجه(Sibte Hassan Rizvi) ومن إنتاج عام 1989, تخيرتُ مشاهدته فوراً قبل أيّ فيلمٍ من حوالى ال400 التي تنتظر دورها في مكتبتي .
ولم يُخطئ حدسي، فمنذ بدايته، تُشير أجواء الأحداث إلى أننا سوف نستمتعُ بفيلم (Western) على الطريقة الهندية.
وكما أطلق المُؤرخون, والنقاد على أفلام الويسترن التي أنجزها مخرجون إيطاليّون في بداية الستينات بالـ(Western Spaghetti), فإنني اليوم أُضيفُ نوعيةً جديدةً, وأُسميها (ويسترن بالكاري), أو ويسترن ماسالا(Western Massala).

ملصق الفيلم
والـ(Western), هو نوعٌ سينمائيّ تجري أحداثه في أميركا الشمالية ـ غالباً ـ خلال فتوحات الغرب, ويتموقع في سجلّ الفيلم التاريخيّ على الرغم من اعتماده على أحداثٍ روائية مُتخيلة، وظهرت تلك الأفلام منذ السنوات الأولى للسينما الصامتة, وعرفت أوجَ تألقها, وازدهارها في الفترة من بداية الثلاثينات, وحتى نهاية الستينات(1).
أما كلمة(Cari) ـ المأخوذة من kari باللغة التامولية, و(Massala) من اللغة الهندية, فتعنيان خليطاً من البهارات المُستخدمة في تحضير الأطباق الهندية(2).

****
في المُقدمة التمهيدية للفيلم, يشهدُ الطفل كاران(Anil Kapoor) على مقتل والده طبيب القرية, وأمه من قبل الشرير جوكي طاغور(Rajesh Vivek) انتقاماً منه لأنه تقدم بطلبٍ لإنشاء مركز للشرطة بهدف القبض على العصابات التي تُروّع أهالي المنطقة.
وخلال ظهور العناوين، يقدم السيناريو مشهد هجومٍ وحشيّ على إحدى القرى لنهب ممتلكاتها, وقتل سكانها, ومنهم والدا الطفل دارا(Sunny Deol).
يهرب الشرير راجا سين(Kulbhushan Kharbanda) بالغنائم الثمينة، ويتعمّد بأن يقبض رجال الشرطة على شريكه (جوكي طاغور) الذي يقضي بعض السنوات في السجن, ومن ثمّ يهرب, ليبحث عن (راجا سين) للانتقام منه, واسترجاع نصيبه, ..
من جهتها, تُخصص الحكومة مبلغاً كبيراً لمن يقبض عليه حياً, أو ميتاً.
يتجاهل السيناريو سنواتٍ طويلة, ويستكملُ أحداثه بعد أن كبر (كاران), وأصبح في العشرينات من عمره يُجهز نفسه للثأر(فكرة الثأر حاضرة في الكثير من الأفلام الهندية).
بدوره, أصبح (دارا) شاباً, وعندما علم بفرار (جوكي طاغور) من السجن, يترك عمله في السيرك المحليّ, يمتطي حصانه, ويشدّ الرحال بحثاً عنه ليعرف قاتل والديه, ويتخلص من كوابيس تطارده منذ ذاك الوقت.
كما غيّر الشرير(راجا سين) اسمه, وتحوّل إلى (راجا صاحب) يسيطر على قريةٍ, ويستحوذ أراضيها بالقوة, ويفرض على الفلاحين أتاوى كبيرة.
وفي إحدى استراحات الطريق, يلتقي (كاران) مع (دارا), يجمعهما ماض مؤلم, وقدر مُتشابه, ورغبةً مشتركة بتحقيق العدالة.
يتشارك الاثنان في تلك الرحلة, وعلى الرغم من المُنافسة العلنية, يتضح نوعٌ من التعاطف الخفيّ بينهما, يتحول تدريجياً إلى تفاهمٍ, ومن ثمّ صداقة متينة (بعد ساعتين من بداية الفيلم) .
(مانغالا) فتاةٌ فقيرةٌ تعتني بأبيها المريض, وفي طريق عودتها إلى القرية تتعرض لمُضايقات السكارى, يدافع عنها (كاران) بشهامة, ويكسب قلبها, ولا يُبطئ السيناريو كثيراً كي يلتقي(دارا) ب(غولابو) الممثلة, والراقصة في فرقةٍ مسرحية متجولة يديرها والدها.
الخلاف الوحيد بين الصديقيّن :
(كاران) يريد القضاء على (جوكي طاغور) انتقاماً لمقتل والديّه,..
(دارا) يريده حياً ليعرف من قتل أبويّه,...
وكي لا يحدث أيّ خلافٍ بينهما, يُظهر السيناريو لاحقاً بأنّ (راجا سين/ راجا صاحب) هو الذي قتل والديّ (دارا), فيصبح في هذه الحالة هدفه, كي يتولى (كاران) مهمة التخلصّ من (جوكي طاغور).

****
ما هي السمات التي تجعل (Joshilaay) فيلم (Western Massala), أو (ويسترن بالكاري), وما هي العناصر الدرامية, والجمالية المُشتركة مع أفلام ال(Western Coca Cola), أو (Western Spaghetti) على حدٍ سواء.
يرتكز الفيلم في بنيته الدرامية على فكرة الصراع بين الأخيار(سكان القرى المُسالمين), وعصابةٌ من الأشرار (الغرباء ربما) يتزعمها (راج سين), ويتفرع منها منافسةٌ ثأريةٌ حادة بين الزعيمينّ (راج سين, وجوكي طاغور).
تجري الأحداث في مناطق تتوافق مع مفهوم الغرب البعيد(المُتوحش), حيث الأرض القاحلة, المُقفرة, والتي لم ينجح القانون بعد بفرض سلطته فيها.
لم يكشف الفيلم عن زمنٍ محدد للأحداث, ولا أعتقد أنها مُطابقة للواقع الهندي في أيّ فترةٍ من تاريخه(استخدام الأحصنة وسيلةً للنقل, والقتال بالمُسدسات, والبنادق).
تُظهر الصورة الاختلاف الفيزيولوجي, والمظهري بين الأخيار(وخاصةً الأبطال نساءً, ورجالاً), والأشرار أفراد العصابتين (الوجوه القبيحة, البشرة المحروقة من الشمس, الأسنان المُسوّسة, الذقون الخشنة, ..).
يستعير الفيلم النمط الكاريكاتوريّ للشرير(جوكي طاغور تحديداً), ويجعله أقرب إلى البلاهة, والجنون.
يستوحي الفيلم تلذذ الأشرار بالعنف, والبطش, وعدم ترددهم بقتل الأطفال, والنساء, ويشير إلى علاقتهم السادية مع السلطة, والمال, والسلاح.
تحتفظ الموسيقى بطابعها الشرقي الهنديّ بعد أن نسخت تيمتها الرئيسة من موسيقى (Ennio Morricone) في ثلاثة أفلام شهيرة لمخرجها (سيرجيو ليوني) :
من أجل حفنة دولارات/1964
الطيب, الفظّ, والشرير/1966
حدث ذاتَ مرة في الغرب/1969
تتخيّر الكاميرا غالباً لقطاتٍ عامة تُظهر المناظر الطبيعية (الجبال, الوديان, والسهول,...), وتتشابه ديكورات المشاهد الداخلية مع تلك التي شاهدناها في أفلام الويسترن (حانات الطريق, والاستراحات,...) .
تتقارب البيوت المبنية من القرميد, والطين في نمطها المعماريّ مع القرى المكسيكية(خاصة).
تتماثل حركات الكاميرا, زوايا التصوير, والمونتاج, ... مع مثيلها في أفلام الويسترن.
ـ مشاهد هجوم الأشرار على القرية.
ـ مشاهد المُطاردة بين أفراد الشرطة, ورجال العصابة.
ـ مشهد تدرّب (كاران) على إطلاق الرصاص, وإصابة الهدف بدقة.
ـ مشهد حلبة القتال بين الديوك, والمُراهنة على الفائز.
ـ مشهد المبارزة بين (كاران), و(دارا) فوق هضبة جبل, لقطاتٌ مأخوذةٌ من الأسفل, لقطةٌ جانبيةٌ لكلّ واحدٍ منهما, لقطاتٌ متبادلة وفيها نشاهد أحدهما في عمق الصورة, والآخر يمنح ظهره للكاميرا,.. اللقطات نفسها لكلّ واحدٍ منهما, وبالمدة الزمنية نفسهافي توازن مونتاجي محسوب كي يبقيا متعادلين, ومتساويين في البطولة, والأهمّ, أن لا يترك أحدهما مكانه للآخر كما اتفقا .
ـ توزيع الشخصيات في اللقطات العامة(خاصةً) للحصول على تكوينات شبيهة بما شاهدناه في أفلام الويسترن.
ـ مشاهد المُبارزات الفردية وجهاً لوجه, وسرعة التقاط المسدس, أو البندقية, اللقطات المُتسارعة للوجوه, والبنادق, والأيدي المُتحفزة بمُصاحبة الموسيقى(المُواجهة الأخيرة بين كاران, وجوكي طاغور).
ـ تكوين اللقطات المأخوذة من خلف عجلة عربةٍ يجرها حصان, واللقطات المأخوذة من مستوى القدمين في حالة القتال بين اثنين, واللقطات الكبيرة, والمتوسطة للوجوه....

****

ولكن, ما هي الخصوصية التي أضافها الفيلم(أو حافظ عليها) بالمُقارنة مع الويسترن الأميركي, والإيطالي ؟
لا تستطيع السينما الهندية التخلي عن أغنياتها حتى لو كلفها ذلك فقدان مصداقيّتها, ونعتها بالسذاجة, والذوق الرديء (kitsch).
تخيّر السيناريو بأن يكون (دارا) لاعباً في السيرك المحلي للقرية, وجعله يلتقي لاحقاً (غولابو) الممثلة, والراقصة في فرقةٍ مسرحية .
يضع (دارا) عوداً في فمه بدل السيجار الذي يدخنه (كلينت إيستوود) في أفلام الإيطالي (سيرجيو ليوني).
ابتعد الفيلم عن فكرة الرجل الأبيض المُتحضّر في مواجهة الهنود الحمر (المتوحشين) سكان البلاد الأصليين (كما تجسّدت هذه الفكرة في الكثير من أفلام الويسترن التقليدية).
تحلّى البطلان (كاران), و(دارا) بمزيدٍ من المشاعر الإنسانية, والعواطف, ولم يعد الكاوبوي يهيم على وجهه من مدينةٍ إلى أخرى وحيداً, ويكتفي بعلاقاته النسائية المُوقتة, وامتلكت المرأة حضوراً إيجابياً (لقاء البطلين مع مانغالا, وغولابو).
تخلّى البطلان عن السخرية, والفردية المعهودة في أبطال الويسترن الأميركية.
تعمّد المخرج أن لا يستخدم (كاران), و(دارا) الأسلحة النارية, ويعتمدا على قواهما الجسدية (ماعدا مشهد المعركة الختامي) .
يكشف السيناريو عن تناقضٍ واضحٍ في رسم الشخصيتين الرئيستين :
(كاران) صامتٌ, حزينٌ, متزنٌ, متجهمٌ, خجولٌ, وكتوم..
(دارا) ثرثارٌ, ساخرٌ, مبتسمٌ, مرحٌ, وظاهريّ,...
يميل السيناريو بأن يقدم (دارا) كثيراً في مشاهد قتالية مع أفراد العصابة.
يتجسّد الجانب الهزلي من خلال شخصية (دارا) المرحة, والساخرة, ويبلغ أوجه مع ظهور (غولابو), وتطوّر العلاقة بينهما.
تخطت الأحداث فكرة الثأر الفرديّ, وتحولت إلى صراعٍ ضدّ اللصوصية, والإقطاع, واكتسبت بعداً إنسانياً (الصراع بين الفلاحين أصحاب الأرض, والشرير الإقطاعي راج سين/راج صاحب).


هامش :
(1) و(2) مأخوذة, ومترجمة من موسوعة ويكيبيديا الإلكترونية.