محمود عبد الرحيم من القاهرة: دشن معهد جوتة الالماني في القاهرة قبل يومين مهرجانه الثامن للسينما المستقلة، بحضور الشباب السينمائيين المصريين اصحاب التجارب الاخراجية الجديدة التسجيلية والروائية القصيرة.وبدا لافتا مشاركة افلام خارج تصنيف السينما المستقلة كفيلم quot; السلطان quot; للمخرج عز الدين اسماعيل الذي انتجته مؤسسة حكومية هو التليفزيون المصري، وكذلك فيلم quot; ليه quot; للمخرج شادي جورج، المنتج من قبل المركز القومي للسينما، وسط هيمنة شركة quot; سيمات quot; المتزعمة لحركة السينما المستقلة في مصر على المشهد بتقديم بقية العروض، فيما عرض واحد هو فيلم quot; اللقطة quot; للمخرج سامر الفاروق من انتاج شركة quot; صناع الفيلم القصير المستقل quot;.

جانب من الحضور
كما بدا لافتا ايضا مشاركة اكثر من عرض لمخرج واحد في المهرجان او اشتراك مخرجين في عمل واحد مثل فيلم quot; صدي بيتهوفن quot; و quot; تكلم مع الغرباء quot; من اخراج ناجي اسماعيل، فضلا عن اشتراك المخرج ايمن حسين مع محمد عبد الرؤوف في اخراج فيلم quot; انا مضايقك quot; رغم وجود عرض خاص به هو فيلم quot; مين اجدع quot;، ما يضع علامة استفهام كبيرة، خاصة ان ثمة عددا كبيرا من المخرجين الشباب كان اجدر باخذ هذه المساحة من العرض، بدلا من اعطاء اكثر من فرصة لمخرجين بعينهم، على حساب اخرين.
ومن الملاحظ على اعمال هذه الدورة للمهرجان انها اقل نضجا وجودة على مستوى الشكل والمضمون من سابقاتها، مع تشابه الافلام في الافكار والمعالجات وميلها الي النمطية، فضلا عن الانبهار بالتقطيع السريع للقطات وتداخلها دون مبرر واضح، واستهلاك مساحات لابأس فيها للقطات الشارع واستعراض البشر وكأننا امام فيلم واحد او صورة مكررة، تعكس انبهارا بالكاميرا وحركتها في استعراض صور للبشر في صورهم المختلفة في الشارع دون منطق يقف وراء اللقطات.
كما ان ابتسار الحوار في مواضيع كثيرة ومحاولة الاستغناء عنه بشكل موسع، اعاق توصيل الرسالة او جعلها مشوشة غير واضحة في كثير من الاحيان، خاصة ان التركيز الرئيس على الحوار الداخلي للبطل و عدم القدرة على كتابة حوار متوازن يخلق حالة واقعية تدفع الفيلم للامام دراميا وتسهل عملية التواصل بين شخصياته من ناحية وبينها وبين الجمهور من ناحية اخرى.
وبدا فيلم quot; انا مضايقك quot; للمخرجين ايمن حسين ومحمد عبد الرؤوف الذي يصح تصنيفه كفيلم تسجيلي شاذا وسط التجارب الاخرى الروائية القصيرة، ولم يعالج قضية جديدة او يقدم تناولا مختلفا لمشاكل اطفال الشوارع، في ما عدا القصيدة التي تحمل اسم العنوان quot; انا مضايقك quot;، وكأن اطفال الشوارع يتعرضون لمضايقات من الجميع، ولايضايقون احدا، وهو تصور مغلوط خاصة ان كثيرا من اطفال الشوارع يمتهنون
اعمال السرقة والتسول ويزعجون الجميع باستعدادهم الاجرامي.
اما فيلم quot; مين اجدع quot; الذي خلا تقريبا من الحوار وركز على استعراض مجموعة لقطات لشاب يبحث عن عمل، ثم يمارس عملا بسيطا كمندوب مبيعات يتجول على دراجة بخارية وسط نفور من يعرض عليهم بضاعته في المكاتب وعلي الارصفة وفي البيوت، ثم نجده يمارس الرقص الشعبي بالعصا وهو يرتدي الجلباب البلدي وكأنه يتحدى الظروف ويقنع نفسه بانه الاجدع.
و رغم انه لم يقدم جديدا الا ان فيلم quot; اعادة نظر quot; بدا مختلفا في كونه نحى نحو الرومنسية بتذكر البطل قصة لقائه حبيبته وايام عشقهما الاولى على الشاطئ، مع اختيار كادرات مناسبة للحظة الدرامية كلحظات الغروب واطلالة القمر والرمال والبحر والليل.
وبدا فيلم quot; صدي بيتهوفن quot; غير مفهوم، فلم نتلمس اي معنى من خلال احداثه المبتسرة لامرأة تعزف علي البيانو مقطوعة موسيقية، فيما ابنتها الصغيرة ترقص او تقف امام المرآة، ثم تطل من النافذة وتهرع لمقابلة حبيبها.
اما فيلم quot; تكلم مع الغرباء quot; فقد بدا معقولا وحرص مخرجه على خلق حالة درامية فيها مفارقة واثارة، من خلال شخصيتين احدهما يقود سيارته في الطريق من القاهرة الي الاسكندرية ويستوقفه احدهم ليقله في طريقه، ونستشف من المشهد ان قائد السيارة معتاد على استضافة رجال ونساء في سيارته من خلال البقايا التي يتركونها في السيارة من اغراض رجالية ونسائية، وكأن يقتل الشعور بالوحدة والسأم وطول الطريق بالبحث عن غريب يتحدث معه، ثم نرى الاذاعة تتحدث عن مجرم هارب من الشرطة له مواصفات الرجل الذي بجواره فيسرع بضربه والقائه من السيارة، ثم يكتشف انه ليس هو المتهم بعد ان يسير لمسافة.
اما فيلم quot; مش زي خروجه quot; فقد بدا ايضا معقولا، وسعت مخرجته ان تلعب على تيمة المثل الشعبي quot; دخول الحمام مش زي خروجه quot;، من خلال اربع سيدات يلتقين فى حمام السيدات وتبدأ كل واحدة في استعراض ازمتها بحوار داخلي، وكأن الحمام ليس مكانا فقط لتفريغ بقايا الطعام وانما لتفريغ الطاقة السلبية والتحرر من الضغوط كأن تمارس احداهن حرية الكلام مع رفيقها او تدخن سيجارة او تشتكي من الرجال.
لكن المخرجة لم تنجح في تصعيد الحالة الدرامية او ايجاد رابط بين ازمات النساء الاربع التي مرت عليها سريعا ودون عمق واستعاضت من ذلك بمشهد فيه قدر من الاثارة بدخول رجل عن طريق الخطأ الي حمام السيدات وتخيله للحظات انه يستمتع شبقيا بهن جميعا.
اما فيلم quot; اللقطة quot; فبدا من اضعف العروض لا ينافسه الا عرض quot; صدي بيتهوفن quot; حيث يستعرض لقاء طفل كبير يأتي من الخليج لقضاء اجازة صيفية مع ابن خالته، وبعد ان تزول المسافات بينهما يتعرض الشاب الكبير لحادث سيارة وهو يتهيأ للتصوير، ثم يأتي هذا الطفل بعد سنوات ليرى الصورة معروضة في جاليري.
ويبدو فيلم quot; السلطان quot; تجربة جيدة ينقصها السيناريو الجيد او بالاحرى الفكرة الاعمق رغم توافر الامكانيات الانتاجية ووجود ممثلين محترفين كبار، فقد سعى مخرجه الى طرح ازمة المبدع ومطاردته للافكار على النحو الذي يرهقه صحيا وسط جو من الغموض المبالغ فيه والفنتازيا المتزايدة، مع اهداء العمل لنجيب محفوظ في البداية وجعل صورته تتصدر مشهد النهاية وكأنه يجسد تجربة محفوظ.ويبقي فيلم quot; ليه ؟ quot; الانضج قليلا بمحاولة استعراض ازمة الشباب وخاصة حالة الاغتراب الواسعة والرغبة في التغيير في مقابل العجز عن الفعل، والهروب بالمخدرات والاكتفاء بحوار الذات بديلا من الحوار الجمعي، وهو ما استدعى علامة الاستفهام الكبيرة او سؤال لماذا او ليه وصلنا الي هذا الحال ومن المسؤول ولماذا لانواجه ونكسر حصار الخوف.

[email protected]