ترجمة عبد العزيز جدير من طنجة
الفصل السابع
كنت ما أزال نائما يوم السبت عندما طرق أحدهم باب بيتي. كانت الساعة تشير إلى التاسعة. لم أكن انتظر أحدا. منذ قدومي إلى فرنسا كنت اعتدت أن أنام إلى الضحى بالرغم من الأصوات، التي تصم
اقرأ حوارا جريئا مع كريم الناصري
الآذان، القادمة منذ الفجر من بيت السيدة جيزيل، جارتي التي تسكن في البيت المقابل. حولتني السيدة جيزيل وأولادها المشاغبون وكلبتها إلى أحمق. السيدة جيزيل التي تستيقظ دائما مبكرة تحب إخراج أولادها وكلبها القلطي فلوبي المعتوه إلى الحديقة العامة قبل خروج جماعة أطفال الحي. لقد اعترفت لي بكرهها للغرباء الذين يأتون لنشر الفساد في شوارع باريس ولا يحترمون قيم فرنسا، بلدها العظيم والغالي.
تضاعفت الطرقات بعنف.
ساخطا، رأيت الديكتاتور واقفا خلف الباب، بحقيبته الزرقاء الخالدة ومعطفه الذي أكل عليه الدهر وشرب.
رباه، ما الذي أتى به إلى باريس؟ هو الذي قال مرة حين عاد إلى البلد إن قدميه لن تطآ أبدا أرض المستعمرين القدامى. أظن أنه لم يأت للبحث عن عمل؟ إنه مجنون بممارسة التهريب، ولن يغادر هذه الحدود التي تعرف ازدهارا متزايدا! خاصة منذ أن بدأ إخواننا الجزائريون يتقاتلون فيما بينهم تاركين الأبواب مفتوحة على مصاريعها. لا، فما دام وصل على حين غرة فليتجسس على حياة العزوبة التي أعيشها أنا المنفي في فرنسا منذ قرابة خمس سنوات. ربما أرسلته أمي عيشة ليحملني على تحكيم العقل بالعودة إلى البلد. لقد يئست من حياة الكاوري التي أعيشها. يجب أن أسلك طريق الجذور. طريق أجدادي.
quot;لقد عزمت في اللحظة الأخيرة، قال لي. لقد عرفت تذاكر الحافلات التي تعبر مليلية تخفيضا. لم تكن الحافلات مريحة والشرطة الإسبانية حذرة، بما يكفي، وعدوانية على ذلك الجانب من الحدود، لكن الأثمان مغرية.quot;
quot;لا أفهم لماذا لا تطرد الحكومة المغربية هؤلاء العنصريين من بلدنا، أردف قائلا، بعد أن أخذ الوقت الكافي للتحرر من محفظته ومعطفه الباليين تماما. إنهم يحتلون سبتة ومليلية منذ أزمنة سحيقة. إنهم ينتقمون، بلا شك، من الحضور العربي بالأندلس التي استمر ثمانية قرون. لو أنهم كلفوا أنفسهم بنشر المعرفة مثلما فعل أجدادنا على أرضهم.quot;
أراح الديكتاتور جسمه وطلب مني تحضير الشاي بالنعناع، وهو شراب لم يحتسيه منذ أن غادر المغرب قبل ثلاثة أيام. لقد لا حظ أن مسكني ضيق وغير مؤثث. ولم يفهم لماذا أمتلك عددا كبيرا من الكتب. quot;لقد قلت إنك انقطعت عن التعلم، قال ذلك وهو يرمقني بنظرة احتقار. لا أفهم لماذا كل هذه الفوضى.quot;
أشرب واغلق فمك الذي تفوح منه رائحة التبغ! فما عبرت كل هذا المحيط الأطلسي إلا لتملي علي ما يجب فعله! لقد تركت أمي واخوتي وأخواتي وأصدقائي ووطني بسببك أنت.
إني قادر على طردك وفورا. فالفرس لم يعد مهرا كما تقول فاطنة العجوز!
شرب الديكتاتور إبريقي شاي مليئين ثم حدق في صورة لأم كلثوم، أخذت لها حين غنت للمرة الوحيدة بالأولمبيا. حاولت النظر إلى عينيه لكن دون جدوى. أدركت أنه متضايق. بالتأكيد، كان يرغب في أن يعلن لي خبرا يخص البلد، خبرا سيئا، لا ريب في ذلك. المهم أن لا يعرض لموضوع الزواج! فأنا ما أزال شابا، وأحب استعادة الزمن الضائع بين براثن الآباء. يجب الانتقام من تلك السنين السوداء. الآن، وأنا أعيش وحيدا، بعيدا عن ذلك المجتمع الذي جعلني أعاني كثيرا، أريد أن أطير بجناحي الخاصين، أريد ارتكاب ما لا يمكن إصلاحه. كنت أريد ارتكاب ما لا يمكن إصلاحه كي أشعر أنني موجود.
الآن، ليست لي رغبة في الزواج وفي أن تكون لي امرأة كسلانة وزمرة أطفال شياطين. بالعكس من ذلك كنت ارغب في أن أسافر، أن أقرأ، أن أرقص، أن أعيش وحيدا!
ودون أن يجرؤ الديكتاتور، لأول مرة، على أن يحملق في، قال:
quot;لن أمكث هنا إلا يومين. لقد حصلت على تذكرة الإياب مسبقا. سوف أعود على متن ذات الحافلة التي أوصلتني إلى هنا. أنت تعرف جيدا رأيي في فرنسا والفرنسيين. زد على ذلك أن لي مشاريع هناك. إن عمك يجمع مال العمر. لا أحد يراقب الحدود! كل الجنود منشغلون بمراقبة التراب الوطني. لقد احتدمت الحرب الأهلية. ولا أحد يستطيع إحصاء الموتى.quot;
توقف لسحب نفس من سيجارته ذات التبغ الأسود ويرشف من شايه المنعنع البارد ثم يضيف:
quot;والدتك تظن أنه حان الوقت لتتزوج. فلم تعد شابا. إنك حصلت على عمل وتمتلك مسكنا. لن تمنعك السلطات الفرنسية من أن تأتي بزوجتك إلى باريس. ستكون في أحسن حال صحبتها. إنني أعرف جيدا حياة الأعزب المنفي. ثق بي إننا لا نبحث سوى عن مصلحتك.
quot;لقد نسجت لك أمك بيديها سجادات من الصوف. فقد اشترت أيضا الأغطية والأثاث والحلي والفساتين، بل وشرعت، أيضا، في توزيع الدعوات. إنها تتمنى أن يتم الزواج في شهر غشت القادم. يمكنك أن تحصل على عطلة لمدة شهر.
quot;حمدية، ابنة عمك، جميلة ومجتهدة ولا يمكن أن نعاتب أسرتها على أي شيء. أبوها ميلود الصغير يمتلك مئات الهكتارات من الأرض، عشرات المنازل وحسابات بنكية مليئة بالعملات الصعبة القوية. أنت تعلم أنه يحب بناته، وأمك مقتنعة أنه لن يكون بخيلا مع حمدية أو معك. ستجني فائدة من وراء هذا الزواج. ثم إنه أمر صعب البقاء وحيدا حين يبلغ المرء الخامسة والعشرين من عمره. لقد مررت من هذه التجربة أنا أيضا. حين كنت اشتغل بالمسبك كان السيد ميشيل رب العمل، آنذاك، يريد أن أنقل والدتك إلى موبوج، لكنني رفضت. لم أكن أعرف أنني سأندم ذات يوم خصوصا حين رأيت أن كل أولادي يرغبون في الهجرة إلى بلد الراحل دوكول.
quot;لن يكلفك الأمر مصاريف كثيرة. اخوتك سيساعدونك وأنا أيضا بحوزتي مبلغا من المال سأقرضك إياه. وسترده إلي لاحقا. سأحتاجه في تجارتي. المهم أن نقيم حفلة كبيرة تنعكس أصداؤها في الأصقاع البعيدة. ألست ابننا البكر؟quot;
أأنت الآن بصدد بيعي بقرة حلوبا أم عنزة ولودا؟ هل تعتقد أنني في حاجة إلى فتاة والدها غني وكريم؟ بالله والرسول دعني أفعل بحياتي ما أشاء! لا أرغب في ابنة عمي السمينة والبلهاء والكسولة ولا في أبيها الأقرع الشحيح. إني أريد حريتي!
أضاف الديكتاتور وهو يحدق إلى صورة المطربة المشهورة كما لو كان يحاول التحدث إليها:
quot;لا شك أنك تعلم أن أبي زوجني وعمري عشرون سنة. لم يكلف نفسه عناء معرفة رأيي. لقد طلب يد أمك من أبيها وهما في السوق. حدث ذلك ذات يوم خميس، فيما بين عمليتي بيع بهائم. فقد كانا معا يتعاطيان بيع الأبقار.
quot;لقد تغيرت الأزمنة، هذا صحيح. إن أمك تقترح عليك حمدية، لكن إذا كنت ترغب في الزواج من فتاة أخرى فأنت حر في ذلك. وما عليك إلا أن تخبرنا بمقاصدك!
quot; إنك تعرف جيدا أعمامك وعماتك. إن لهم الحق في إبداء آرائهم. إنهم لا يريدون، بالتأكيد، فتاة دميمة أوكسولة أو تنتمي إلى عائلة غير معروفة.
quot;لست مستعجلا على إجابتي. خذ الوقت الكافي للتفكير. لك مهلة حتى يوم الغد. والآن، أريد أن أعطي لله ما لله. اعطني سجادة.quot;
آه، بدأت تصلي. ولماذا؟ تطلب المغفرة؟ لن يقبل الله أبدا أكاذيبك! ستعذب في الحياة قبل أن تحرق في جهنم. هل تعتقد أنني نسيت؟ إن روحي التي تقطر دما ستلاحقك حتى تلفظ أنفاسك الأخيرة!
وأنا أحاول أن افهم ما يجول بخاطري! شرعت أحضر له الغداء، طجين بلحم الخروف والبرقوق المجفف، تمنيت لو أسقيه بسم زعاف، صحيح أنني وأنا شاب وعدت نفسي بالزواج وبالأولاد، لكن لماذا أستعجل الأحداث؟ فأنا لم أحقق بعد كل ما كنت أصبو إليه. كنت أرغب في زيارة سوريا ومصر والتجول في العراق. وكنت أريد قراءة كتب الفلسفة والتاريخ وعلم اللاهوت. كنت أريد ادخار بعض المال لشراء أجمل هدية لوالدتي لم يهدها لها الديكتاتور من قبل أبدا. عقد بمنجد يزن ثلاثمائة وخمسين غراما من الذهب المصمت. كنت أرغب في أن أشتري دمية ناطقة لأختي سعاد. كنت أرغب في الزواج، لكن عندما أقرر أنا ذلك شخصيا.
لكني كنت أعرف جيدا أمي وخالاتي وأخوالي لن يكفوا أبدا عن مضايقتي. سيظلون يزورون كل الشوافات وكل الساحرات وكل الأئمة الشياطين. لقد كانوا أخذوا على أنفسهم تزويجي والتصدي لهم مجرد وهم.
وإذا ما جاريتهم ووافقت؟ ماذا سأخسر؟ لا شيء! لا شيء على الإطلاق.
عايشة الحلوة خاب أملها لأنني لم أرغب في حمدية. اخترت نبيلة، ابنة خال آخر! جميلة ومجتهدة، كان والدها ميلود الغليظ ملاك أراض أيضا.
بدأت الحفلة منذ أن وطأت قدماي، من جديد، أرض وطني. اقتحمت أمي وجدتي وخالاتي وعدد من الجارات قاعة الاستقبال بالمطار وهن يحملن الطبول والبنادير. كن يرسلن زغاريد تصم الآذان وينشدن أغاني الزواج الشهوانية. حملت على أكتاف رجال أقوياء، كانوا يصيحون بصوت عال quot;عاش إدريس، عاش العريسquot; ثم ألقوا بي في عربة، مزينة بورود صفراء وبسوسن بنفسجي، يجرها حصانان عربيان. شتاء من قطع السكر والحلوى وحبات الزرع تنزل على رأسي وبذلتي المكوية جيدا. كان يجب مباركة زواجي وحمايتي من العين الشريرة.
أراد الديكتاتور أن تستمر الحفلة أسبوعا كاملا. سبعة أيام من الطعام الوافر والموسيقى والرقص والغناء والضحك وعدم النوم. لقد كان دعا كل سكان قريتي والعائلة والأصدقاء وأصدقاء الأصدقاء وزملاء التهريب.
كان أمر بذبح ثورين سمينين وخمس وثلاثين خروفا وألف دجاجة. يجب أن يكون الاستقبال في المستوى! فلسنا شرقيين بالصدفةzwj;zwj;!
يتدفق المدعوون في السيارات والباصات وعلى ظهر الحمير والبغال وكانت الفتيات السبع الجميلات المكلفات باستقبال المدعوين يبذلن قصارى جهودهن ولا يبخلن بشيء في عملهن. وكانت وشوشات النساء وصرخات زمرة الأولاد المهيجة هيجانا شديدا تغرق في أريج طيب وألوان مدوخة.
ما زلت أرى نفسي مرتديا جلبابا أبيض ناصع اللون وطربوشا أحمر وجالسا على عرش جميل إلى يمين زوجتي.
كانت نبيلة ترتدي قفطانا أزرق اللون ومدروز بخيط مذهب. وكانت أطقم الحلي تزين رأسها وذراعيها ويديها.
عامة الناس وأفراد العائلة والأصدقاء وبعض الناس، أيضا، من الذين لم ترهم عيني قط كانوا يأكلون ويشربون ويغنون ويضحكون. ليلة العرس كانت ليلة عيد وكان المدعوون يغتنمون الفرصة لينسوا في خضم الفرح هموم حياتهم اليومية.
كانت النساء متدثرات بأحسن ما لديهن من قفاطين وتعرضن بتباه زينتهن الباذخة. كن يرقصن، يقبلن العروس وهن يتمنين لها حياة سعيدة ويضحكن بقوة ويكشفن عن أسنانهن التي بيضها السواك وينطنطن كبراغيث، خوفا من أن تفلت هذه اللحظة من بين أصابيعهن. إنهن يعلمن أنه بعد هذه الليلة السعيدة سينقطعن عن الناس، في بيوتهن، من جديد، مجبرات على القيام بأعمال مخيبة للأمل.
كانت نبيلة مهتاجة كصبية. إنها في الخامسة عشرة من عمرها هذه الليلة. تضحك في وجه الجميع، وتشير بيديها المزينتين بالحناء وتذهب وتجيء بلا انقطاع.
منقبض الصدر، شارد الفكر، كنت أتساءل: في أي فخ وقعت؟ كنت بدوري شابا، وكان تأثير الديكتاتور والمجتمع واستبدادهما بي يثقل كاهلي.
كانت أمي نطقت بعبارة زواج، وأخيرا قبلت.
كان المكتوب يتصرف. طبعا، أوقعت نفسي في شرك دبره والداي بدقة وذكاء.
الاحتفال في أوجه! اغتنموا الفرصة قبل أن يتلاشى الليل ويلوح الفجر! كلوا واشربوا وغنوا وارقصوا حتى انشداه النشوة واتركوا آلام الزمن الغابر تتبخر!
اغتنموا فرصة حفل زواجي قبل أن يأفل نجم هذه الليلة، ويطلع الصبح ويحول الحفل إلى مآثم!
وأنت يا نبيلة، ابتسمي، اضحكي واكشفي عن فرحة الطفلة التي تلقت هدية أجمل دمية في السوق. استفيدي من ليلتك! استفيدي منها لأنها ليلة وحيدة في حياتك! زينيها بالألوان الزاهية لقفاطينك الحريرية، ورنين حليك التي هي من الذهب المصمت وحركاتك اللطيفة. استفيدي من ليلتك قبل أن أتحول إلى وحش أو إلى غول وألتهمك أنت والضيوف في لقمة واحدة!