(هل كان غاندي ابن جنية, وبيكاسو مقدم ضريح في ضيافة
الجبل؟وأنا, هل ما زلت أنا أم أني مجرد ظل لذاك الشاب
فارع الطول الذي ملكته امرأة وقدمت له وجها آخر للحياة
وللتاريخ قبل أن تغيبها الضرورة؟
وإذ أحكي الآن, أحكي التاريخ أو الخرافة, العقل أوالجنون؟ وهل هناك فرق؟)

كان هناك إرث تتناهشه الأطماع, وفتاة عبيطة أشيرَ بها عليّ:
- هكذا نجمع المال إلى المال والأرض إلى الأرض
- وماذا عن جمع القلب بالقلب؟
وحل المساء
فاتكأت على جذع شجرة الأوكاليبتوس العجوز,أحشو بحشيش quot;كتاميquot; رفيع سيجارتي الثالثة, وأسقي فسحة الذهن بهوامات شائكة مثل إبر تضحك في وجه السماء.
كان للبدر وجه صبية..
وحدبة الأرض أمامي ردف ممتلئ يغري بالضياع..وإذا بسنّور يحتك بقدمي الحافية يثير فيها شهوة غريبة ..جذبت نفسا عميقا من السيجارة المحشوة, فسرى خدر لذيذ في أروقة الدم, وانهرق داخلي حنين دافق إلى امرأة عرفتها قبل سنين, وبنت في خيمة الصدر أول جسر يفضي إلى الجنان.
كنت أنا والشهوة الغامضة وشجرة عجوز..
ومن خلل الدخان الهارب من انجرافات الخلايا داخل الجسد, داهمني شريط صور لا تقبل الدحض:
* السنور يترك دغدغة قدمي ويبدأ في التمطي.
* السنور يستوي عموديا على قدمين.
* هسهسة أوراق الشجرة بفعل ريح غريبة.
* شعر برائحة الأبنوس يعلو وجها كأنه الصبح.
* الحقول الخصيبة أسفل الوجه.
* الهَبّة المفاجئة للماء الذي كان نائما في الجدول المحاذي.
* والفراشة التي علقت بغابة الضوء: أنا.
مفتتنا حد الخرس كنت بذاك التجلي, والمسام مفتّحة لتشَرُّب الكون.
- انا شامة..مهبط الفتنة.
قال الوجه الجميل الجميل..
quot;وأنا لم أكن سوى عدم قبل شروقك..
ضميني إلى ضوئك, وأعيدي تشكيلي وتسميتيquot;
هل نبست بهذه الكلمات أم كانت مجرد انجراف لتربة الداخل ..هل كنت هناك حقا؟ وكانت الشجرة والسنور وبزوغ الضوء؟
- أنا شامة مهبط الفتنة, وأنت - أيها الشاب فارع الطول- منذ الآن خليلي.
واحتسيت وقتا لم أره من قبل ولا يحتوي ضمن جذاذاته درس الإرث والعبيطة وتعاقب الليل والنهار..توحدت فيه بنسغ الشجرة والهواء الرطيب الذي يتخلل الأغصان وبالفتنة التي هبطت علي فصارت الشئ الوحيد الذي يعمر العالم..
أذكر أني فيما بعد, وأنا في العمل سميت التلاميذ كلهم شامة مهبط الفتنة, وقدمت لهم قراءة جديدة للتاريخ.

(غاندي الذي حارب الإستعمار بنول حياكة لا يمكن أن يكون إنسيا..
كان أبوه من سلالة مهراجا وأمه جنية عايشت شاه جيهان وشاركت
في بناء تاج محل, قبل أن يبدأ الإنجليز بالتوافد عبر شركة الهند
الشرقية, بملامحهم الكابية والجشع الموارَى خلف quot;الكودمورنينغquot;.)

كان التلاميذ يضحكون..
يضحكون فقط ولا يدركون أن الذي دأب على تدريسهم الترهات المعتادة قد صار ينتمي إلى عالم آخر, لا صراع فيه على الإرث ولا امرأة عبيطة تتخذ مطية لتنمية الثروة.
العبيطة ظلت تنتظر قدومي خاطبا, والأهل يجملون لي الأمر ويحضونني على الإسراع.
- هكذا نجمع المال إلى المال والأرض إلى الأرض.
- وماذا عن جمع القلب بالقلب؟
- عم تتحدث أيها المعتوه؟
كنت أتحدث عن شئ لا يعرفونه..ثم تبدت عند الشجرة المحاذية للماء تحت أنظار قمر بهيج وقالت:
- أنت خليلي.
تلك الأمسية البليلة المكتنزة بالنداءات المبهمة للذة البكر, وتحرش بدر في كامل العنفوان..كنت ممتلئا بالرغبة والجمال, كأن آلاف الأكياس أفرغت حمولاتها من الحباحب المضيئة في جوفي..مسكونا مثل دارة باغتها الفيضان.
- أنا ماضية الآن..لا تنس العهد .
فأفقت من خدري:
quot;متى أراك..متى أراك..متى أراك متى أراك متى أراك..quot;
صحت وصاح الجدول والشجرة والبدر والصدى..
التفتت إليّ بنحر مضئ:
- إذا التصق زنبور بزجاج النافذة فاعلم أني هناك, أو عنزة بهذه الأغصان..وإذا رأيت فراشة أو عظاية فلعلها شكل آخر لعشقي.
تطالعني الآن عبر الأشياء والكائنات, فهي الزنبور والعنزة والفراشة والعظاية..هي أنفاس الريح المحملة بالاشتهاءات البعيدة..
- كل
- شامة مهبط الفتنة
- اذهب إلى العمل
- شامة مهبط الفتنة
- نم قليلا
- شامة مهبط الفتنة.
وحل الأطباء والغواصون المفترضون في آبار النفس :
- شكيزوفرينيا.. هلاوس وهذيانات..
ثم العرافون والمشعوذون والأضرحة والأولياء
- مسكون بجنية تجري مجرى الدم, ولن تبارح جسده إلا جثة هامدة أو تفعلون ما آمر به..
ديك أسود..
وضريح ولي بالجبل ..
منطقة معزولة تؤثث بعض فراغاتها بيوت طينية لإيواء الزوار وناشدي الخلاص..هل يقيدونني بالسلاسل إلى الجدار ويتركون المقدم وصارعي الجان يضربونني حتى أقئ ساكنتي؟
لمست العبيطة يدي وأرتني صورة التقطت لها أمام الضريح في وقت سابق
- أنت مدمنة أضرحة إذن أيتها العبيطة.
- هه..هناك ستحل عقدتك وتتزوجني
- ألا ترين أنك شبيهة بإحدى فتيات بيكاسو في مرحلته الزرقاء؟
- هل هو مقدم الضريح؟
كانت سعيدة داخل القوقعة, مصونة من الرياح والأسئلة..وكنت نهبا لاحتدامات نازحة من الزمن الآخر, حيث هي ..شامة مهبط الفتنة, وحيث تعادل النار الماء والضوء حليف العتمة..
ورأيتها تشير إليّ..بدت حاملا:
- إنه منك, هل تراه يملؤني؟ لن أتمكن من المجئ قبل الوضع..انتظرني.
لم أسألها كم سيدوم الحمل وهل سيكون المولود ذكرا أو انثى..لكني كنت اعرف أني لن أدع أحدا, لا الأطباء ولا العرافون يصرفونني عنها ..
شامة مهبط الفتنة..
- هي القصيدة في كل هذا اللغو.
السيجارة تلهب أصابعي..
ولم أفق من الحلم بعد.