ترجمة سعيد الباز
quot;من لا أمّ له، من ثدي جدّته يرضعquot; (ماكسيم بامبيرا)
على سبيل الاستهلال:
في وقت احتلت فيه بلدان، وأخرى يتمّ الاستعداد لاحتلالها.في وقت سقط فيه الدكتاتور تلو الآخر، كانت هناك هايتي الأخرى القابعة في المتخيّل الروائي بوصفها أرض الثورات الأولى التي عرفتها أميركا الوسطى والجنوبية بأرخبيلاتها الضائعة في المحيط.
هايتي العبيد. هايتي العسكرياتية المزمنة... ثم أخيرا، هايتي فيليب سوبو الشاعر و الروائي السوريالي. وهذا النص الذي يحمل عنوانquot; الزنجي الأبيض quot; هو القصة التي يستهل بها كتابه المعروف quot; الزنجي quot;:
كان ذلك في هايتي حيث ولد سولوك سنة 1782 ببوتي جواف. الأشجار العظيمة تهدهد الريح و النعاس. عبد آخر ولد: فوستان، الصغير في مهده يصرخ، يمدّ يديه ليحضن الشمس. صار الآن كبيرا، ربّما عشر سنوات، يأكل الفواكه الكبيرة تحت ظلّ نخلة. أياما بعدها يعود تحت نخلته ليخفي دموعه وغيظه. السيد أدماه بالضرب المبرح. فوستان يترقب الليل للفرار، وفي انتظار الظلام يثور، ينزع ألياف الجذع يعض قبضتيه و يطأطئ رأسه من الخزي من العار لأنه عبد. ورغم جروحه ينتصب ويصرخ، ينتظر الليل ونهار انتقامه. هاهو أخيرا خادم لدى الجنرال لامار. لديه بذلة خاصة، جميلة لا يرتديها أبدا، لكنه بوله يفرك أزرارها النحاسية الجميلة، يسير خلف الجنود، يتدرب، صديق لكل الشخصيات النافذة... طلقات البنادق وصراخ: الموت للحاكم؟؟؟ الموت، الموت؟؟
إنها الثورة. هي الأولى.
فوستان سولوك بخنجر بين أسنانه أول من يدخل قصر الحاكم، يمزق الأفرشة، ينزع الستائر، يحطّم كل ما يقع تحت يده.
لم يره أحد.
جنديّا، هو تحت المراقبة.
لكن ذات ليلة، يذهب للقاء أصدقائه، يقول لإخوانه، أخطروا أهاليكم، زوجاتكم، وأولادكم.
في الغد، هو من سيطلق الطلقة الأولى، سيشعل النار في بيت السيد. نار، عظيمة كالشهب الاصطناعية.
ثورة.
هي النصر.
سنوات تمضي، سولوك ملازم، رائد، قائد، ينتظر. فوستان سولوك عيّن جنرال فيلق، بلا رحمة ولا شفقة يأمر، و لا يتساهل في الانضباط. فيلقه الأفضل تدريبا، الأكثرمعرفة.الجنرال سولوك مهاب الجانب. هو من كلف بحراسة قصر رئيس الجمهورية الجنرال ريشي. هو السيد يملي، يأمر. الجميع يطيعه. الرئيس يخشاه.
الجنرال/ الرئيس يحتضر. لا أحد يعلم بذلك. سولوك وحده ينتظر النزع الأخير. لا يطيق صبرا يدخل حجرة الرئيس ويقيس بدلة المحتضر.
quot; سولوك، يتأوّه الجنرال ريشي، سولوك، سمّمتني. فوستان لا يجيب، ينتظر السّاعة، ساعته. الأوامر كلّها أعطيت، وستنفذ. يطل من النافذة.نعم، أصدقاؤه هنا، بالكامل، يشير إليهم:
quot; انتظروا أيضا بعض الوقت، وتيقظوا... quot;
الأول من مارس 1847، الجنرال ريشي، رئيس الجمهورية لهايتي يموت، سولوك يعيّن رئيسا.
فيليب سوبو/Philippe Soupault
إنّه المجد.
فوستان وحده في الحجرة الرائعة المعقودة بالمخمل، المفروشة بالأرائك المذهّبة. على الحائط ثمّة مرآة كبيرة: فوستان ارتدى أجمل بذلة، معجبا بنفسه، ينفش صدره، يخطو بضع خطوات. يفكّر في نابليون الأول.
من دق الباب؟ من هناك؟ سولوك يتناول مسدسه. من هناك؟ ربّما شبح، شبح الجنرال ريشي.
سولوك يشعر بالخوف، خوف فظيع، يعرف جيدا أنّ لديه أعداء، أعداء كثيرين. غدا سينفيهم أو سيقتلون، سنرى جيدا، يفكر في الذين ساعدوه، في الذين قاموا بالثورة، في الذين كانوا يصرخون:
quot; الموت للطغاة quot;.
في الغد، يأمر بمذبحة للزنوج الذين كانوا أصدقاءه، ولهؤلاء الخلاسين الذين يريدون الثورة.
إنه الإرهاب.
جواسيسه يخبرونه بأنّ الجنود غير راضين. سيتخلّص منهم، سيجعلهم يموتون، يجتاح تراب جمهورية الدومينيك.
إنّها الحرب.
سولوك منتصرا، يعلن: quot; أيّها الجنود، أنتم شجعان، أنا راض عنكم quot; أوسترليتز.
الآن، هو السيد.
يريد أن يكون إمبراطورا مثل نابليون بونبارت، نابليون الأوّل، نابليون الإمبراطور. فوستان سولوك، فوستان الأوّل، فوستان الإمبراطور.
على مجلس الشيوخ أن يمنحه العرش. إنّه أمر. هاهم الشيوخ. الشيوخ كلهم بأرديتهم الجميلة يقتربون من القصر. بلا تاج، لقد نسوا التاج، ليصنع في الحال. الشيوخ سينتظرون.
التاج الورقي المذهب جاهز. الشيوخ يقدمونه، فوستان سولوك يقبل العرش.
إلى السيد جوس
الصائغ بباريس.
فرنسا.
سيّدي
أرسلوا إليّ ببور أوفرانس، هايتي، تاجا من الذهب مثل ذلك الذي لنابليون.
فوستان الأول
إمبراطور هايتي.
حاشية: أرسلوا أيضا، تاجا من الذهب من أجل زوجتي أدلينا..

يأمر أيضا بعرش، ثم ببذلة إمبراطورية. ترسم له لوحة، يمنع مخاطبته بصيغة المفرد. الجنرالات المحترمون ستكون لهم ألقاب. يسنّ سلكا للنبلاء باسم القديس فوستان.
هاهو الدوق ليمونادا.
ها هو ترو بونبون.
ها هو الكونت رقم اثنين.
الإمبراطور و حاشيته.
يعلم جيدا أنّه فجأة صار نصب أعين العالم. تتحدث عنه جرائد فرنسا وانكلترا. يقول quot; أريد quot; فيطاع. يجعل الضرائب تنهمر كالمطر. ومن يرفض السداد مصيره الموت.
ليعدم أولئك الذين يتذمرون؟؟
لكن كلّ الجنود يمقتونه. يعرف ذلك، الجنود مهمّتهم الحرب، من أجل ذلك خلقوا، وسيحاربون. للمرّة الثانية سيجتاح جمهورية سان دومنيك. يرمي بجيشه إلى مذبحة بسان تومي...
الهزيمة.
تفرّ الكتائب. هاهي ذي بسامبا لارجا. الدومنيكيون يطاردونه. فوستان الأول يقاتل بما تبقى من جنوده في معركة أخيرة. ينهزم. إنّه الانكسار، يصل أول هارب إلى القصر.
يعلم أنّه قد خلع عن عرشه، و أنّ صديقه المفضل الجنرال جيفرارد حلّ محله.
يهرب.
منفيا مثل نابليون.
يتأسّى بالتفكير في سانت هيلانة.
وحيدا، يشتمه شخص أبيضquot; أيّها الزنجي القذرquot;، صبيّ يصرخ في وجهه quot; يا ملوّن quot;
يختبئ، وليأكل يجمع كسرات الخبز البالية.
ذات يوم يصادف أحد أعدائه، شعر بالخوف، سيقتلونه. بعد كلّ ما حدث، ماذا يمكن أن يقع له؟؟؟
لعشر سنوات يفرّ من بلد إلى آخر. يفكّر في جزيرته. يسعل، يشعر بالبرد، وبالجوع. شمس هايتي، النخيل، النخيل الفارع، الحرارة، خصوصا الحرارة.
عشر سنوات مضت. ربّما لم يعد أحد يتذكر. لقد شاخ. لا أحد سيتعرّف إليه. يبحر غاسلا للصحون بإحدى السفن. هايتي. إنّها هايتي. يصعد على ظهر السفينة ليرى الجزيرة. يطردونه.غير مهم.
على رصيف الميناء يتجوّل، لا يعرف أين هو، يدور، ويدور....
بهايتي 1867 مات مثل كلب، لا أحد قد تعرّف إليه.
عاش الإمبراطور؟؟؟

هوامش:
- يعتمد المؤلف الجمل القصيرة وتقنية الحذف كأسلوب مميّز لكتابته.
- أوسترليتز: في الأصل قرية بمورافيا، شهدت وقائع معركة شهيرة، انتصر فيها نابليون بونبارت على النمساويين والروس في 2 ديسمبر 1805.
- سانت هيلانة: الجزيرة التي نفي إليها نابليون في أواخر حياته.
- فيليب سوبو شاعر وروائي فرنسي، من مؤسسي الحركة السوريالية رفقة اندريه بروتون، ولويس أراغون، وإيلوارhellip; مع ذلك ظلّ هامشيا و بعيدا عن الأضواء. من أعماله المشهورة مساهمته في إنجاز الكتاب الشعري السوريالي الشهير: quot;الحقول المغناطيسيةquot; رفقة بروتون. وإلى سوبو تعود الجملة الافتتاحيةالمعروفة quot; سجناء قطرات المطر، لسنا سوى حيوانات أبدية quot;